الكويت: مواقف نسائية برلمانية قوية ومؤثرة
الطعون تهدد نون النسوة... والمواقف الشعبية لا بد منها

عامر الحنتولي من الكويت: على الرغم من أن إختبار وفحص جدوى عضوية المرأة الكويتية في مجلس الأمة بعد نحو شهر من إنعقاد متواتر وسريع لم يزد عن الشهر، سيكون بلا أدنى شك إختبارًا عاطفيًا ومتسرعًا، إلا أن المرأة الكويتية أثبتت حتى الآن وبما لا يدع مجالاً للشك أنها معاركها لإيصال نساء الى البرلمان الكويتي لم يكن قتالاً عبثيًا بل له ما يسنده حتى الآن من الوقائع القليلة التي أثبتت فيها أربع نساء كويتيات وصلن إلى البرلمان أنهن سيكن رقمًا صعبًا وإضافة نوعية لا رقمية، إذ إنخرطت الوزيرة السابقة الدكتورة معصومة المبارك، والخبيرة الإقتصادية الدكتورة رولا دشتي، والناشطة السياسية الدكتورة أسيل العوضي، والخبيرة التربوية الدكتورة سلوى الجسار، سريعًا في ورش عمل برلمانية ولجان فنية تشكل غالبًا المطبخ الخلفي للبرلمان لإنضاج التشريعات والقوانين. فيما تؤكد مصادر برلمانية لـquot;إيلافquot; أن الدكتورة معصومة المبارك هي الأكثر نشاطًا حتى الآن داخل البرلمان، علمًا أنها أول إمرأة تشغل المنصب الوزاري في الكويت عام 2005، وصادف أنها أول نائبة يعلن فوزها في الإنتخابات، والمفارقة اللافتة أن الدكتورة المبارك حصلت على المركز الأول في الدائرة الإنتخابية الأولى.

بيد أن الخبيرة الإقتصادية والناشطة السياسية الدكتورة دشتي تفوقت على نفسها هي الأخرى من خلال العمل الدؤوب والمؤثر في اللجان البرلمانية، خصوصًا أنها جاءت من رئاسة الجمعية الإقتصادية الكويتية وهو الكيان الإقتصادي المستقل الذي أثرى التخطيط الإقتصادي بالعديد من أوراق العمل والتقارير والتوجيهات الإحترافية، لذا فإن دشتي المولودة لأم لبنانية والعاملة لسنوات عدة في البنك الدولي، والحاصلة على جوائز دولية في مختلف الميادين الإقتصادية، تتحدث بقدرة فائقة عن المشاكل الإقتصادية، كما أنها احتفظت لنفسها بمسافة مريحة عن الموالاة للحكومة الكويتية، وكذلك عن القوى والتكتلات السياسية المؤزمة، إذ لا تتردد دشتي في إعلان رأيها من ضرورة مواجهة الحكومة لكل أنماط المراقبة والمساءلة التي فوضتها الأمة للنائب، إذ لا ترى أن الإستجواب يعيق التنمية أو العمل الحكومي مستشهدة بما حصل خلال الإستجواب الأخير لوزير الداخلية حين اعتبرت أن البلاد لم تتوقف عن العمل لا قبل ولا بعد الإستجواب، بيد أنها لا تؤمن أيضًا بالعمل quot;من الحبة قبة، لذلك فهي صوتت ضد سحب الثقة من وزير الداخلية معتبرة أن تفنيده لمحاور الإستجواب كان مقنعًا.

وفي جردة سريعة لحصيلة المواقف البرلمانية للنساء في دور الإنعقاد التشريعي الماضي تبدو الناشطة السياسية الدكتورة أسيل العوضي أنها مؤمنة بقناعاتها السياسية، بل ومنسجمة معها فكانت أقوى المواقف التي عبرت عنها هو امتناعها عن التصويت خلال جلسة التصويت على سحب الثقة من وزير الداخلية على الرغم من مطالبة حركة التحالف الوطني الديمقراطي التي ساندتها بقوة في الوصول الى البرلمان بحجب الثقة عن الوزير، فطبقًا لوجهة نظر العوضي فإن الوزير متورط في المحور الأول للإستجواب ولهذا لن تمنحه الثقة، لكنها ترى في إحالته العقد المخالف الى النيابة العامة دليلاً بينًا على اعتراف الوزير بالخطأ ومبادرته الى التصحيح، وهو برأيها كاف ولهذا لا تصوت مع سقوطه، فهي بذكاء سياسي يحسب لها اصطفت ضمنًا مع من يقول بمخالفة الوزير لكنها في الوقت نفسه طالبت ضمنًا أيضًا بإعطاء الفرصة للوزير ليصحح وليعمل.

من جهتها، ترفض الخبيرة التربوية الدكتورة سلوى الجسار بالمطلق فكرة التأزيم البرلماني، وترفض بالمطلق التوقيت الخاطئ لطرح وتقديم الإستجواب الذي رأت في تقديمه ضد وزير الداخلية مؤخرًا، عبثًا برلمانيًا مستندًا الى خلافات شخصية، لذلك فإن الجسار قد تصدت بقوة للإستجواب من خلال حديثها المؤيد للوزير خلال الجلسة بل استوقف مراقبون مطولاً أمام تعليقها على المحور الثالث المتعلق بتركيب كاميرات مقابل مقر مجلس الأمة اعتبرها النائب المستجوب كاميرات تقنية للتجسس بينما رآها الوزير المستجوب كاميرات لضبط الأمن وحفظه، إلا أن الجسار طالبت بالإبقاء على تلك الكاميرات وتعزيزها بمئات الكاميرات الأخرى رغبة في توطيد الأمن وشيوعه في بلدها.

الحصيلة أيضًا لم تخلُ من المواقف النسائية المتخذة لأبعاد تعزيز الشعبية لأن القواعد الموصلة تراقب هي الآخرى أداء من أوصلتهم الى البرلمان، ولذلك لا بد من بعض المطالبات والإقتراحات التي تسهم في إبقاء حبل الود ممدودًا من القواعد الشعبية عبر جملة مواقف وإقتراحات ترضيهم، بيد أن هنالك من يقول إن الحكم لا يزال مبكرًا على الأداء السياسي للبرلمانيات الأربع على اعتبار أن جودة الأداء أو تقدمه تقاس عند المطبات والأزمات السياسية العميقة التي يجري تحضير الأجواء لها برلمانيًا لتفجيرها في دور الإنعقاد المقبل، وسط رأي للدكتورة دشتي على سبيل المثال من أن النهج الحكومي الجديد للشيخ ناصر من شأنه أن يحاصر تلك الأزمات وينفسها بأمان بالغ.

التجربة البرلمانية النسائية في الكويت لم تخلُ عمومًا من الغرابة أو الفكاهة فبعد أيام قليلة من فوز أربع نساء اندفع محام كويتي الى تسجيل قضية أمام المحاكم الكويتية يطلب فيها بطلان العضوية النسائية للنائبتين رولا دشتي وأسيل العوضي لعد إلتزامهما بالضوابط الشرعية فيما خص الملابس، وعدم غطاء الرأس، مستندًا الى أن قبول ملفات ترشحهن للإنتخابات كان خاطئًا وبالتالي لا بد من التصحيح قانونيًا عبر إبطال العضوية، إلا أن جهات قانونية وجدت في الدعوى المرفوعة فقرًا بينًا على اعتبار أن الضوابط الشرعية المشار إليها في قانون الإنتخاب بشأن المرأة لا تتحدث عن تفاصيل بشأن الملابس، إلا أنها تعني الإحتشام وليس غطاء الرأس أو الحجاب، علمًا أن الدعوى لم يفضل فيها دستوريًا حتى الآن من جملة طعون أخرى تتعلق بالإنتخابات الأخرى، وهي الطعون التي تهدد نون النسوة في البرلمان الكويتي بيد أنها لا تشمل النائبتين المبارك والجسار اللتين تضعان غطاء الرأس أساسًا.

أما الطريف فعلاً فهو أن يطالب نائب في البرلمان الكويتي بإصدار قانون داخل البرلمان يلزم النساء بإلتزام مقاعدهن في البرلمان على اعتبار أن تحركهن من شأنه أن يقلل التركيز الرجولي أثناء المداولات، وهو الموقف الذي لقي استهجان النساء النائبات وعشرات النواب الذكور.