الرئيس البولندي السابق الكسندر كفاسنيفسكي
لا ينظر الرئيس البولندي السابق الكسندر كفاسنيفسكي إلى قرار الرئيس الأميركي بالتراجع عن نشر الدرع الصاروخية في أوروبا على أنه خيانة، جازما بأن هناك الكثيرين ممن خابت آمالهم وخاصة في معسكر المحافظين البولنديين، وفي السياق نفسه يهدد التغيير الجذري في السياسة الخارجية الاميركية بابعاد الدول الحليفة للولايات المتحدة والتي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق.


بينما انفرجت أسارير روسيا، بقرار الولايات المتحدة الأميركيةإلغاء الدرع الصاروخي الذي كان مقررا في أوربا، تعالت صيحة الاتهماتلدى بعض الأطراف في بولندا، ورأوا في اميركا بأنها quot;خائنةquot; لبولندا، التي عولت كثيرا على اتفاقية الدرع لتحقيق مكاسب مختلفة على صعيد الاقتصاد وغيره، إلا أن الرئيس البولندي السابق،الكسندر كفاسنيفسكيلا يوافق هؤلاءالرأي، ولا يرى أي خيانة في الموضوع.

ونشرت مجلة quot;شبيغلquot; في طبعتها الالكترونية مقابلة مع الرئيس البولندي السابق الكسندر كفاسنيفسكي متسائلة عما يعنيه قرار الادارة الاميركية، علىالرغم من الاتفاقية الموقعة مع بولندا والجمهورية التشيكية واتهام صحف بولندية للولايات المتحدة بخيانة بولندا.
قال الرئيس البولندي السابق انه لا ينظر الى تراجع ادارة الرئيس اوباما عن المشروع على انه خيانة ويرفض بشدة اطلاق هذا الوصف عليه. وأضاف كفاسنيفسكي: quot;بالنسبة لي ولكثيرين غيري ليس من المفاجئ ان يغيِّر الاميركيون خططهم. وخلال حملة اوباما الانتخابية جرى الحديث عن الحاجة الى اعادة تقييم التهديد الأمني والجدوى التكنولوجية وتكاليف المشروعquot;.

وعما إذا لم يكن القرار هزيمة سياسية لبولندا،ولا سيما أنّ تمركز اميركيين في الاراضي البولندية كان سيجلب معه استثمارات ويزيد اهمية بولندا في السياسة الخارجية الاميركية ، قال الرئيس البولندي السابق ان هناك الكثير ممن خابت آمالهم وخاصة في معسكر المحافظين بزعامة رئيس الوزراء البولندي السابق ياروسلاف كاتشينسكي. quot;ولكني أحذرهم من المغالاة في اضفاء طابع دراماتيكي على قرار واشنطن. فأمنيًا سيطلع الاميركيون بمنظومة دفاعية جديدة أكثر مرونة وأذكى. وسياسيًا ، المهم ارساء هذه المنظومة على نحو افضل في اطار مؤسسات حلف شمالي الأطلسي (الناتو). وباعتبارنا عضوا في الحلف ينبغي ان يكون هذا الأمر مهما لناquot;.
وحول ما يقوله البعض في بولندا عن بيعها للروس قال كفاسنيفسكي انهم ينبغي ألا يقولوا أشياء كهذه. quot;فان حدودنا مؤمنة ونحن جزء من الناتو ومن الاتحاد الاوروبيquot;.

خطة نشر الدرع الصاروخي كما كانت مقررة

وتابع الرئيس البولندي السابق قائلا ان بالامكان النظر الى قرار اوباما على انه quot;انتصار للروسquot;. ولكن القرار ينبغي ألا يُحاكم من وجهة نظر محلية بحتة. quot;والسؤال الآن هو ما الذي تنتظره اميركا مقابل التضحية بالدرع الصاروخية؟ إذا تحركت موسكو الآن لعمل المزيد من أجل منع ايران من امتلاك اسلحة نووية فإن هذا يخدم أمن الجميع. وإذا كان ثمن الاستغناء عن الدرع الصاروخية تعبيد الطريق الى انضمام جورجيا واوكرانيا للغرب فان هذا ايضا ليس بالنبأ السيئquot;.

اعرب رئيس الوزراء التشيكي السابق ميرك توبولانك عن القلق من ان يكون القرار الاميركي بادرة أخرى تشير الى ان منطقة اوروبا الوسطى والشرقبة برمتها أخذت تفقد اهميتها عند واشنطن. وفي هذا الشأن أكد الرئيس البولندي السابق كفاسنيفسكي في حديثه لمجلة quot;شبيغلquot; انه يشاطر رئيس الوزراء التشيكي السابق قلقه. وقال quot;ان مجموعة من رؤساء الدول السابقين الآخرين بينهم الرئيس التشيكي الأسبق فاتسلاف هافل وأنا نفسي ، كتبوا رسالة مفتوحة يتحدثون فيها عن هذا الخطر. إذ لا يُنكر ان الجمهورية التشيكية وبولندا اصبحتا أقل أهمية. وان مصالح اميركا الاستراتيجية تكمن في مناطق أخرى ـ باتجاه منطقة المحيط الهادئ والصين. وفي اوروبا ينصب اهتمام الاميركيين على الاتحاد الاوروبي بصفة عامة وليس على بلدان منفردة. ويقول الاميركيين لأنفسهم: حسنًا ، قبل عشرين عامًا فقط كانت هذه البلدان تناضل من اجل حريتها وأمنها ولكنها هذه الايام ليست مبعث قلق. لكني أُريد ان أختلف مع الرأي. فإن اوكرانيا وبلاروسيا وبلدان منطقة القوقاز ـ لا يمكن القول ان جميع المعايير استوفيت هناك واننا ينبغي ان نرحب بهذه البلدان في أسرة الدول الديمقراطية أو اننا نستطيع ان نتنبأ بما يخبئه المستقبل السياسي في هذه البلدان. ولهذا السبب فإن من اكبر المهمات التي تواجه الساسة الاوروبيين التوثق من بقاء هذه المنطقة على رأس اهتمامات الاميركيينquot;.

لاحظت quot;شبيغلquot; ان بلدان اوروبا الشرقية سعت دائمًا الى اقامة علاقات طيبة مع الولايات المتحدة وانها وقفت الى جانب الاميركيين منذ البداية خلال حرب العراق. وتحدث وزير الدفاع الاميركي وقتذاك دونالد رمسفيلد عن quot;اوروبا الجديدةquot; وquot;اوروبا العجوزquot;. فهل حان الوقت لتجاوز هذه التقسيمات؟
قال الرئيس البولندي السابق كفاسنيفسكي في معرض الرد انه لم يجد قط تصنيفات رامسفيلد ذات فائدة. quot;وان بولندا كانت دائمًا جزءًا من اوروبا القديمة. واليوم يتعلق الأمر أساسًا بتعزيز الاتحاد الاوروبي عمومًا. وعلينا ان نتخذ موقفًا موحّدًا من قضايا الطاقة والأمن، ولا سيما حين تكون ذات صلة بالعلاقات مع اميركا وروسيا والصين. وكلما كانت اوروبا أقوى كان ذلك أفضل لناquot;؟

درع أميركا الصاروخي.. أوباما quot;قتلquot; مخططات بوش(أ.ف. ب)

كانت ادارة الرئيس السابق جورج بوش تخطط لنشر صواريخ معترضة في بولندا ووقاعدة رادار في تشيكيا بحلول العام 2012. إلا أنَّ باراك اوباما تخلّى الخميس عن الخطط بنشر درع صاروخية دفاعية وسط اوروبا واستبدلها بمشروع معدل بعد اعادة تقويمه للتهديدات الايرانية.
ويهدد التغيير الجذري في السياسة الخارجية الاميركية بابعاد الدول الحليفة للولايات المتحدة والتي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، ولكنه سيرضي روسيا التي عارضت خطط نشر الدرع بشدة. ويأتي القرار بعدما قللت الولايات المتحدة من اهمية التهديد بالصواريخ البعيدة المدى التي كان يعتقد ان ايران تمثله استنادا الى معلومات استخباراتية.

بيان البيت الأبيض
إلا أنَّ باراك اوباما تخلّى الخميس عن الخطط بنشر درع صاروخية دفاعية وسط اوروبا واستبدلها بمشروع معدل بعد اعادة تقويمه للتهديدات الايرانية. وصرح في بيان ان quot;هذه المقاربة الجديدة ستوفر قدرات بشكل أسرع وستكون مبنية على انظمة راسخة وتوفر دفاعات اكبر ضد تهديد اي هجوم صاروخي مقارنة مع برنامج الدرع الصاروخية الاوروبيةquot; التي تم اقتراحها العام 2007. واوضح اوباما ان quot;تركيزنا الواضح والمتواصل كان على الدوام على التحدي الذي يمثله برنامج ايران للصواريخ البالستية ولا يزال ذلك تركيزنا واساس البرنامج الذي نعلنه اليومquot;.

وسعى اوباما الى تهدئة مخاوف حلفاء بلاده بالتعهد بالعمل معهم حول هذه الاقتراحات الجديدة وقال ان قراره سيجعل من دول الحلف الاطلسي اكثر امانا الان. واضاف quot;لقد تحدثت الى رئيس وزراء كل من جمهورية تشيكيا وبولندا حول هذا القرار واعدت تاكيد علاقاتنا العميقة والوثيقةquot;. وقال اوباما في بيان من البيت الابيض quot;ببساطة، ان هندستنا الجديدة للدفاع الصاروخي في اوروبا ستوفر دفاعات اقوى واسرع واكثر ذكاء للقوات الاميركية ولحلفاء اميركاquot;.

ردود فعل
رحب الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بالقرار quot;المسؤولquot; لنظيره الاميركي، معتبرا ان الظروف باتت مواتية لقيام تعاون ضد الخطر البالستي.

الا ان تلك الخطوة تسببت بانتقادات واسعة في بولندا وتشيكيا، اللتين كانتا من الكتلة السوفياتية السابقة اذ ان اهمية الدرع بالنسبة اليهما تتعدى التهديد الايراني.

وصرح ميريك توبولانيك الذي كان رئيسا للوزراء عندما وافقت براغ على نشر الدرع على اراضيها، ان القرار الاميركي للتخلي عن الدرع quot;ليس بالخبر الجيد بالنسبة الى الدولة التشيكية وحرية واستقلال تشيكياquot;.

وفي بولندا، قال الرئيس السابق الحائز جائزة نوبل للسلام ليخ فاونسا ان على بولندا اعادة التفكير في علاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة. وقال لتلفزيون quot;تي في ان 24quot; انه quot;بعد مراقبتي لسياسة اوباما، كنت اتوقعquot; هذا القرار.

وافاد الكسندر شيغلو رئيس الامن القومي في الرئاسة البولندية quot;اذا تاكد ذلك، فسيكون بمثابة اخفاق في التفكير البعيد المدى للادارة الاميركية بشان هذا الجزء من اوروباquot;. وقال انه بالنسبة لبولندا فان لهذه الدرع اهمية quot;سياسية واستراتيجيةquot; وكذلك عسكرية.

خلفيات: تقدم في التكنولوجيا الدفاعيَّة
كما يستند القرار الى التقدم في تكنولوجيا الصواريخ الدفاعية الاميركية وخصوصا الصواريخ المعترضة الارضية والبحرية.
واوضح وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الخطط الجديدة، وقال ان الصواريخ المعترضة ستنشر في البداية على سفن لتسهيل نقلها من منطقة الى اخرى. اضاف ان quot;المرحلة الثانية، التي ستتم تقريبا في 2015، ستشتمل على صواريخ اس ام-3 متطورة وتنشر على الارضquot;. واضاف ان quot;المشاورات بدأت مع الحلفاء بدءا من بولندا وجمهورية تشيكيا حول استضافة نسخة جديدة من صواريخ اس ام-3 الارضية وغيرها من اجزاء النظامquot; الصاروخي.

وكان اوباما امر باجراء مراجعة في وقت سابق من هذا العام للاتفاقات التي وقعتها الادارة الاميركية السابقة في اب (اغسطس) من العام الماضي لبناء محطة رادار في تشيكيا ونشر 10 صواريخ معترضة في بولندا.

وكانت الولايات المتحدة تستخدم تهديد الدول quot;المارقةquot; مثل ايران لتبرير نشر الدرع. الا ان تلك الخطط ادت الى اندلاع توتر بين موسكو وواشنطن دفع موسكو الى توجيه صواريخها البالستية في تشرين الثاني/نوفمبر نحو منطقة كاليننغراد في بحر البلطيق.

ورحب مسؤولون روس بتخلي الولايات المتحدة عن الدرع الصاروخية. وقال كونستانتين كوساشيف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الروسي ان quot;ادارة اوباما بدأت تفهمنا (...) لقد انتظرت روسيا هذا منذ وقت طويلquot;.