شبان عراقيون يبحثون عن عمل

يعطي الكثير من الشبان في العراق الأولوية للتخطيط إلى الهجرة على مشاريع الزواج، على أمل الحصول على مستقبل أفضل في الخارج، في وقت ارتفعت فيه معدلات العنوسة في العراق، ووصلت نسبتها إلى 30%.


وسيم باسم من بغداد: تنشغلسعاد (30 سنة)في صالون التجميل، الذي تملكه، ويقع في منطقة الكرادة في بغداد، حيث تقضي معظم وقتها في العمل، فهي تعمل منذ خمس سنوات، وطول اليوم، إلى جانب واجباتهاكأرملة وأم لثلاثة أولاد.

ومنذ أن فقدت سعاد زوجها في عام 2004 أثناء العنف الطائفي، لم تعد تفكر في الزواج، بسبب مشاغل الحياة والأسرة.

سعاد واحدة من أرامل العراق، اللواتي يشجعن على العمل، رغم فقدان الزوج. ورغم انها امرأة مكافحة، بحسب وصف أصدقاء لها، إلا أنها لمتستسلم للشائعات والأقاويل، وتعدهاضريبة النجاح.

تقول سعاد إنها لم تتزوج، رغم أن رجالاً تقدموا لخطبتها، لكنها تشعر مثلمعظم أرامل العراق بالوحدةوالضعف من دون زوج، حيث تعتبر الرجل حماية وquot;خيمةquot; لها ولأطفالها.

ثمانية ملايين أرملة
وتشكل أعداد الأرامل نسبة كبيرة بين سكان العراق، حيث تشير إحصائيات إلى أن هناك نحو 8 ملايين أرملة، كمايشير تقرير صدر من منظمة حقوق المرأة في العراق عام 2009إلى أن نسبة الفتيات العوانس في العراق تزيد على 30%.

وبحسب الباحثة كاترين ميخائيل، فإن هناك مليون امرأة شابة تنتظر زوجًا، ولا تستطيع أن تحصل عليه. وتشكل المرأةحوالى 60% من سكان العراق.

وفي بيئة تقليدية، تغلب عليها القيم المحافظة،فإن المرأة التي فقدت زوجها أو المرأة العانس،تعاني غياب فرص العمل، بسبب المحددات التي تفرضها التقاليد الاجتماعية، والتي تحاول أن تجعل من المرأة تابعًا للرجل من الناحية الاقتصادية.

عدا الأرامل، فإن ظاهرة العنوسة بين الفتيات تعدّ مشكلة كبيرة بالمقارنة مع الشباب.

بين المرأة والرجل
وبينما تستسلم الفتاة العراقية للأمر الواقع، وكلما تقدم العمر بها تقلّ حظوظها في الزواج، فإن الشباب من الذكور يحاولون سلوك طرقٍ أخرى للهروب من الواقع، فيفضلون على سبيل المثالالعزوبية، والهجرة الى الخارج، بدلاً من بدء حياة زوجية، عكس الفتيات، اللواتي يجدن أنفسهن وحيدات في هذا الواقع المزري.

في ظل صعوبات حياتية، تعوّد الشباب في الوقت الحاضر على الحياة السهلة والعيش من دون أسرة، حيث وجدوابدائل لذلك، مثل الانترنت والفضائيات والأفلامالإباحية الموجودة في الأسواق،والتي تغري الشاب بحياة عزوبية خالية من المسؤولية.

يقول علي الجبوري (35سنة) وعاطل عن العمل، إن الشروط المادية التي تُفرض سبب في العزوف عن الزواج.

ويتابع: صارت العلاقات العاطفية عبر الانترنت والهاتف الجوال ومواقع الدردشةأحد البدائل التي يسدّ فيها الرجل حاجته من المرأة.

لكن حال علي يشبهحال بعض الشباب الذين ينظرون الى المرأة كمشروع جنسي وعاطفي فحسب، ولا ينظرونإلى الزواج كمشروع استقرار عاطفي ومسؤولية مجتمعية وواجب ديني أيضًا.

وتبدو وجهة نظر علي صحيحة، حين يقول إنوجود فرصة عمل أو وظيفة يمكن أن يعيش منها هو وعائلته، تحتل المرتبة الأولى في حياته. ويتابع: اذا تحقق ذلك يمكنني الزواج.

ويقول أحمد حسن (30 سنة)، وهومتخرج جامعي، إن قدراته المادية الضعيفة لا تسمح له بالزواج، لهذا يجرّب اليوم السفر خارج العراق.

الأعراف الاجتماعية
كما تلعب الأعراف الاجتماعيةدورًافي العزوف عن الزواج، إضافة الى البطالة، فقد تزوجكريم، وهو مزارع(40 سنة)بفتاة وفق شروط (البدل). ويقول كريم إن الكثير من أفراد عشيرته تزوجوا بطريقة (النهوة).

وبحسب كريم، فإن الكثير من هذه الزيجات فاشلة، ما يزيد من نسب النساء المطلقات. وبسبب تلك الأعراف، قتلت امرأة في قرية الخميسية في بابل (100 كم جنوب بغداد) عام 2011 بسبب طعن الناس في شرفها، حيث بينت التحقيقات والدلائل في ما بعد أنها كانت براء مما نسب إليها.

ويشير الباحث الاجتماعي قاسم محمد إلى أن الانفتاح الاجتماعي، الذي ساد المجتمع منذ عام (2003)، سبب الكثير من العزوفعن الزواج.

ورغم أنبعض المنظمات والمرجعيات الدينية تحثّالشباب على الزواج بتقديم المنح المجانية إليهم وإعطائهم السلف لتشجيعهم على الزواج، كما حفزت الجهات الحكومية العراقية على الاقتران بالأرامل وصرف منح زواج قدرها ثلاثة ملايين دينار لهم، إلا أن التقدم في هذا الموضوع لم يحقق نتائج ملموسة.

قانون الأحوال الشخصية
ويقول المحامي أمجد محمد علوان إن قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يوجبعلى الرجل أن يحصل على موافقة قاض، ليتمكن من الزواج بثانية، وبحسب أمجد، فإن ذلك يسبب ربما عقبة في وجه الزواج من الأرامل.

لكنمجاميع متشددة استخدمت القوة في الأعوام السابقة للترويجلتعدد الزوجات من دون قواعد. وسيطرت هذه المجموعات على قرى بكاملها، وروّجت لأفكار الزواج الخاطئة، ما خلق أفكارًا خاطئة عن هدف الزواج من الأرامل وتعدد الزوجات، كما خلفت الفعاليات المسلحة لتلك المجاميع الكثير من المطلقات والأرامل.

الدور الضعيف لوزارة شؤون المرأة
تقول لمياء الدليمي الناشطة النسوية إن هذه الأفكار ترى فيالمرأة quot;سلعةquot; سهلة الشراء وعرضة للتعسف الذكوري.

وتشير الدليمي الى الدور الضعيف لوزارة شؤون المرأة لكونها وزارة من دون صلاحيات، ولا تمتلك الميزانية المناسبة لتطوير عملها في مساعدة الأرامل وإيجاد فرص عمل للنساء، وخلق الأجواء المناسبة التي تحثّ على الزواج.

والمتعارف عليه في المجتمع العراقي أن سنّالثلاثين يمثل بداية إطلاق صفة عانس على المرأة التي لم تتزوج، حيث تطلق الشكوك في هذه المرأة الثلاثينية حول قدرتها علىالإنجاب.

وبينما يرجع خبراء انتشار العنوسة بين مجتمعات دول أخرى الى ظواهر، مثل الزواج السرّي والعرفي والشذوذ الجنسي بين الفتيات،فإن السبب الرئيس لزيادة نسب العوانس والأرامل في العراق هي الحروب،التي عاناها المجتمع العراقي طوال سنوات، حيث يفوق الرجال من ناحية العدد النساء.