أحداث ماسبيرو أعادت جدل الطائفية في مصر إلى الواجهة

تباينت التحليلات في مصر تجاه أحداث ماسبيرو، فالبعض يحمّل حكومة شرف المسؤولية، وآخرون اتهموا الكنيسة بالصمت، وفريق آخر يتهم أيادي خارجية تريد العبث بأمن الوطن وتلعب بورقة الطائفية لتنفيذ أجندات، فيما يطالب آخرون المجلس العسكري بضرورة إصدار قانون دور العبادة الموحد.


القاهرة: بعد أيام قليلة من احتفال مصر حكومة وشعبا بالذكرى الـ38 لنصر أكتوبر حيث امتلأت الشوارع على مستوى محافظات مصر بالفرق الموسيقية التي كانت تعزف أحلى ألحان تغنى بها المصريون في أيام الحرب، وارتفعت الأعلام وتزينت الميادين وقامت القوات الجوية باستعراضات رائعة في أجواء مصر المختلفة، وقعت الأحداث المأسوية في ماسبيرو الأحد الماضي لتضفي أجواء من الحزن والقلق والتوتر والترقب الحذر المشوب بالخوف من المستقبل وتلقي بظلالها على الشارع المصري بكل فئاته وطوائفه رسميا وشعبيا وكبارا وصغارا نساء ورجالا.

تباينت تحليلات المراقبين لأحداث ماسبيرو، منهم من حمّل حكومة عصام شرف المسؤولية ، وآخرين اتهموا الكنيسة الأرثوذكسية بالصمت إزاء هذا الحدث وما سبقها من أحداث، وفريق ثالث يتهم أيادي خارجية تريد العبث بأمن الوطن والمواطن المصري وتلعب بورقة الفتنة الطائفية لتنفيذ أجندات لديها، وفريق رابع يطالب المجلس العسكري بضرورة إصدار قانون دور العبادة الموحد درءا للفتنة وحتى لا تتم مثل هذه الأحداث مستقبلا.
تراخٍ في معالجة الملف الطائفي

يؤكد اللواء نبيل فؤاد، الأستاذ في أكاديمية ناصر العسكرية العليا لـquot;إيلافquot; أن ما حدث في ماسبيرو أمر لا يرضي أي مصري وطني في جميع الأحوال، وهناك مجموعة من الأسباب تراكمت أدت إلى التراخي في معالجة الملف الطائفي حيث شكلت لجنة لدراسة الموقف منها إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد ولم يصدر حتى الآن وبذلك تراكمت المشكلات.

ولم يستبعد فؤاد وجود أيادٍ أجنبية وراء أحداث ماسبيرو استغلت التراخي في معالجة الملف الطائفي، فضلا عن تلقي عدد من جمعيات المجتمع المدني في مصر أموالا ومساعدات من الخارج لم تعلن عنها أو يتم التحقيق فيها من جانب الجهات المسؤولة، ومعتقدا أن الشأن الخارجي له دور يتساوى في التراخي من جانب الحكومة في عدم تحقيقها مع هذه الجمعيات وما تقوم به من أدوار وأنشطة مختلفة حيث إن هناك عناصر تم تدريبها في الخارج خلال الفترة الماضية وعلى أي شيء تدربوا ولصالح من؟

وعزا فؤاد أحداث ماسبيرو أيضا إلى دور الأمن في مواجهة هذه التظاهرات لأنها ليست وليدة اللحظة أو المفاجأة حيث تم الإعلان عنها من قبل، لذلك كان يجب التعامل معها في شبرا وغيرها بحيث لا تصل إلى هذا الحجم في ماسبيرو.
وحول إمكانية تحول مصر إلى عراق آخر تتناحر فيها الفئات الطائفية استبعد فؤاد بشدة حدوث ذلك، مؤكدا أن مصر غير العراق والموضوع مختلف تماما.

صمت قيادات الكنيسة

اتهم فؤاد بعض القيادات الكنسية الكبيرة بالصمت إزاء هذا الحدث والأحداث السابقة وأن هذا الصمت هو أحد المسببات، بل كان المفروض على هؤلاء ndash; والكلام للخبير نبيل فؤاد- أن يتقدموا المسيرة والصفوف لوقف هذه المهاترات ليستمع إليهم شبابهم ولكن الصمت الذي يلوذ به بعض القيادات الكنسية يشجع الشباب على الاستمرار في هذه الأعمال.

الحل في قانون دور العبادة الموحد

طالب فؤاد الحكومة المصرية بالإسراع في إصدار قانون دور العبادة الموحد والذي تمت مناقشته منذ ثلاث سنوات وتم إعداد مسودة له وجاهز للتنفيذ، وأن تدلي الكنيسة الأرثوذكسية بدلوها في القضية، فضلا عن تضافر كل الجهود مع الأزهر الشريف وحكماء الأمة وبيت العيلة، كما طالب الأجهزة الأمنية بأن تفرض هيبة الدولة ليس بضرب المتظاهرين ولكن بعمل الأمن الوقائي.

بقايا النظام السابق والفوضى

من جانبه اتهم المفكر القبطي رفيق حبيب، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أطرافا بمسؤوليتها عن القيام بهذه الأحداث وأنها تراهن على سيناريو الفوضى، لافتا إلى أن هناك مجموعات اخترقت التظاهرة لتحولها إلى أعمال شغب وهذا تكرر من قبل خاصة في تظاهرة يوم 9 سبتمبر ومحاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة.

ويقول إنّ هذا يدل على أن هناك مجموعات من بقايا النظام السابق أو أصحاب مصالح يريدون نشر الفوضى من أجل مصالحهم لارتباطهم بسقوط النظام السابق.

واعتبر حبيب أن الحكومة الحالية فقدت الإرادة السياسية لأنها لم تستطع التعامل مع هذا الملف، محمّلا المسؤولية لجميع الأطراف لأنه أصبح من الضروري حسم هذه الملفات الملتهبة حتى لا تتكرر الأحداث.

وأكد حبيب أن هناك تدخلات خارجية خاصة في ملف العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، كاشفا أن هذه التدخلات تحدث من خلال أطراف داخلية في مصر، مطالبا مواجهة الأطراف الداخلية أولا.

وقال حبيب:quot;هناك مشكلة حقيقية في بناء الكنائس، وحكومة شرف قدمت قانونا موحدا لدور العبادة ورفضته القيادات المسيحية والإسلامية على حد سواءquot;.

وناشد الكنيسة والأزهر أن يوافقا معها في رسالة إلى المجلس العسكري الذي أعتقد أنه سيوافق طالما موافقة الأزهر الشريف والكنيسة.

بناء الكنائس وحق تظاهر المسيحيين

عن دور الكنيسة والصمت المطبق في التعليق أو إصدار بيان حول حادثة ماسبيرو وغيرها من الأحداث السابقة بيّن رفيق حبيب أن الكنيسة هي الجهة التي تواجه مشكلة بناء الكنائس وتظاهر المسيحيين لحل مشاكلهم حق لهم، لكن اختراق التظاهرة من جهات تريد تحويلها إلى أعمال شغب هذا أمر يحتاج إلى حسم قانوني من الدولة.

وشدد حبيب على أن مصر مجتمع متماسك ويستطيع التغلب على هذه الأحداث وستتمكن من حل هذه المشكلة القائمة في المستقبل وأن مصر ليست مثل العراق.

واقترح حبيب أن يتم إصدار قانون دور العبادة الموحد وأن يتم حصر كل المباني القائمة والتابعة للكنيسة ويتم تسوية وضعها القانوني بحيث يغلق هذا الملف.

حادث مأسوي

من جهته أعرب د. حلمي الحديدي، وكيل مؤسسي حزب النصر العربي المصري (تحت التأسيس) عن حزنه وألمه لما وقع في ماسبيرو ووصفه بأنه شيء مبك ومأسوي، ولم يستبعد دور الأيادي الخارجية عن الضلوع في هذا الحادث بمشاركة أطراف داخلية.

وقال:quot;علينا أن نعترف بأن هناك أخطاء ولا توجد الجرأة الكافية والشفافية أيضا لمواجهتها، فضلا عن أن هناك حساسية لدى المسيحيين وإحساسهم بأنهم مهضومو الحقوق، وأيضا هناك نوع من الطلبات التي يجب أن ينظر إليها بعين المواطنة، ومهما تكن الأمور فأقباط ومسلمو مصر إخوة مواطنون، وإذا كان لأي منهما أي مشكلة لابد من وجود العاقل الرشيد الذي يحل المشكلة دون مواجهة لأن ذلك يعطي نوعا من الثقة ويعالج الحساسية الزائدة الموجودة عند بعض الأقباطquot;.

وأشار الحديدي إلى أن الشارع المصري تسوده إضرابات وإعتصامات فئوية والأقباط فئة من مصر ضمن الفئات يمكن لها أن تحصل على شيء مثل بقية الطوائف، مضيفا أن الإعلام لم يوضح أبعاد المشكلة الأخيرة وماذا جرى في إدفو؟ وهل تصرف المحافظ بعقلانية وحكمة؟ وهذا ما يجب أن يطرح على المائدة للنقاش بشفافية وجرأة.

حكومة مع إيقاف التنفيذ

حول دور الحكومة في إدارتها للملف الطائفي في مصر بيّن الحديدي أنه لا توجد حكومة في مصر بمعنى انه توجد حكومة مع إيقاف التنفيذ حيث تصدر قرارا ثم تتراجع عنه ولا تملك إلا الكلام وهذه ليست حكومة، على حد قوله تعبيره.

مستبعد

وبشأن إمكانية استمرار التناحر الطائفي وعرقنة مصر استبعد الحديدي حدوث ذلك، حتى في أسوأ السيناريوهات الموجودة، مشددا على أن مصر لن تكون عراقا آخر أو أي بلد آخر بل مصر لها كيانها الخاص ومذاقها وإن حاول البعض الإساءة إليها بأي تصرف أو فعل لابد أن يفيق ويعود إلى رشده، مؤكدا أن الله يحفظ مصر وأنها ذكرت في كتاب الله الكريم، كما أن الملك عبد العزيز آل سعود قال لأولاده يوما quot;خذوا ما يأتيكم من مصر فهي كنانة الله في أرضه ومن أرداها بسوء رماه الله بسهم في قلبهquot;، والشعب المصري رغم كل ما جرى الآن فهو شعب مسالم ويحب الاستقرار والهدوء وقد يغضب ويثور ولكنه دائما يعود إلى نفسه وربه ووطنه، وأننا لن نضمن الاستقرار الكامل في مصر إلا بالشفافية وبالعدالة الاجتماعية بين جميع الفئات والطوائف والمصارحة.

موقف حاسم وهيبة الدولة

ومن ناحيته قال د. طه أبو كريشه نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق إنّ ما حدث في ماسبيرو أمر محزن ومخجل وباعث للقلق في نفوس الجميع دون استثناء، وهو أمر لا يتفق مع شرائع السماء ولا مع الأعراف والتقاليد، بل يتناقض تماما مع مشاعر الفرح التي غمرت النفوس وهي تستحضر ذكريات النصر المبين في حرب العاشر من رمضان ndash; السادس من أكتوبر- ومع هذه النظرة الملتهبة بالأسى والحزن لما حدث فإن النفوس تتمنى من أولي الأمر أن يقفوا موقفا حاسما مع كل مظهر من مظاهر الخروج على هيبة الدولة، لأن التغاضي عن ذلك يؤدي إلى نتيجة لا تحمد عقباها عند الجميع، وسوف تحل الفوضى عندئذ في كل نواحي الحياة مادام الذين يريدون أن يخرجوا على القانون يظنون أن لا أحدا لن يقترب منهم بعقاب أبدا، وهذا من الأمور التي تقتضي المواجهة السريعة مع كل من يخرج على ثوابت الأمة وعلى قوانينها وعلى أعرافها وتقاليدها تلك هي قضية الساعة واليوم قبل الغد وقبل أن تتحول الأمور إلى نتيجة لا يرضاها أحد لهذا الوطن.

سواسية

وتابع: الجميع سواء أمام القانون ولا استثناء لأحد أبدا والإسلام أرسى هذا المبدأ في قول النبي صلى الله عليه وسلم في بلاغه الأخير quot; الناس كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أبيض على أسود ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالحquot;.
وقلل أبو كريشه من إمكانية وصول التناحر بين الأقباط والمسلمين في مصر إلى مثلما ما يحدث في العراق، مضيفا أن الغيب في علم الله لكننا جميعا لا نأمل أن تصير الأمور مثل العراق.

ودعا كل المسؤولين والمهتمين والمخلصين لهذا الوطن وحكماء الأمة إلى توخي الأسباب لكي لا يصل بنا الحال إلى ما وصلت إليه دول أخرى تعاني الطائفية ولا تعلم ما المصير.