قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إن لبلاده كلمة الفصل في سياسات الإقليم، وأعطى لنفسه الحق في تصنيف دول العالم حسب علاقاتها مع الولايات المتحدة، ووجّه خامنئي اتهامات غير مباشرة إلى دول الخليج العربية من دون أن يسميها.


نصر المجالي: قال خامنئي في كلمة ألقاها عند مرقد الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، في الذكرى الخامسة والعشرين لرحيله، إن إيران اليوم، ورغم الحظر الذي فرض عليها، "تطلق الأقمار الاصطناعية، وترسل الكائنات الحية إلى الفضاء، وتنتج الطاقة النووية، وباتت ضمن الدول العشر الأوائل في الكثير من العلوم الحديثة، وتصدر الخامات العلمية والفنية إلى الدولة المختلفة".

وقال إن إيران لم تضعف رغم الضعوطات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي مورست عليها خلال الـ 35 سنة الماضية، وتطرق إلى العقبات التي أوجدتها ولا تزال الولايات المتحدة أمام إيران، "رغم أنها تعرف جيدًا أنها غير قادرة على الوقوف أمام الشعب الإيراني".

تصنيف العالم
وصنّف خامنئي دول العالم إلى ثلاث مجموعات في علاقتها مع الولايات المتحدة، وقال إن الأولى " تضم تلك الدول التي تذعن لأوامر أميركا... وصدام حسين مثال على ذلك.

أما المجموعة الثانية فتضم تلك الدول التي تحاول أميركا أن تطابق سياساتها ومخططاتها معها، ولكن حين تتوافر الأرضية، وتقضي الحاجة، قد تطعنها من الخلف، كما يحدث ذلك في الدول الأوروبية.

بينما وبرأي خامنئي، فإن المجموعة الثالثة هي تلك "التي لا ترضخ لمطالب أميركا، لذلك نراها تستخدم جميع الظروف وشتى الوسائل ضدها، في محاولة لثنيها عن مواقفها، إما بهجوم عسكري أو انقلاب أو أساليب أخرى".

وقال خامنئي إن "جبهة الاستكبار تتصور وفي خطأ استراتيجي أنها قضت على الصحوة الإسلامية، ولكن الوعي والفهم اللذين قادا إلى الصحوة الإسلامية لن يزولا، وإن هذه الظاهرة ستنتشر آجلًا أم عاجلًا".

واستعرض المرشد خامنئي ما سماه دواعي الإقبال المتزايد للشعوب على معرفة ظاهرة الجمهورية الإسلامية، واصفًا الشريعة الإسلامية والسيادة الشعبية المنبثقة من الشريعة بأنهما دعامتان رئيستان في مدرسة الإمام الخميني.

النهج السياسي - المدني
وأكد خامنئي وفاء الشعب والمسؤولين لهذا النهج "السياسي - المدني" الحديث. وقال إن العراقيل التي تضعها أميركا ومحاولات الحدّ من بريق نهضة الإمام الخميني هما تحديان أساسيان سيتمكن الشعب الإيراني من خلال معرفتهما والتغلب عليهما سيتمكن من مواصلة طريق الإمام الراحل المليء بالفخر والسعادة.

واعتبر خامنئي أن تأثير الرأي العام بالشعوب، ولاسيما الشعوب الإسلامية بالإمام الخميني والجمهورية الإسلامية، بأنه حقيقة مهمة. وقال إنه وبعد 25 عامًا على رحيل قائد الثورة الإسلامية الكبير لا تزال شرائح مختلفة، لاسيما في صفوف الشباب والنخب في العالم الإسلامي، تتطلع بشوق إلى التعرف أكثر إلى ظاهرة السيادة الشعبية الدينية ونظرية ولاية الفقيه وباقي قضايا الثورة الإسلامية.

ونوه المرشد الإيراني بأن الهجمات الدعائية والسياسية المتواصلة والواسعة للأعداء ضد الجمهورية الإسلامية تعدّ من عوامل تكريس تطلع الشعوب إلى معرفة الثورة الإسلامية، وقال إن الرأي العام في العالم الإسلامي بات مشتاقًا أكثر من الماضي لمعرفة كنه وحقيقة الحكومة التي تتعرّض لهذه الهجمة غير المسبوقة والمستمرة والوقوف على سر صمود ونجاحها.

وتابع إن الصحوة الإسلامية والمشاعر المعادية للاستكبار تعدّ من ثمار حب إطلاع الشعوب وإدراكها للثورة الإسلامية. وأوضح خامنئي أن القدرة والتقدم المستمر للشعب الإيراني يعدّان من عوامل حب الإطلاع لدى الشعوب حيال الجمهورية الإسلامية والسيادة الشعبية الدينية.

وقال إن الجيل الصاعد في العالم الإسلامي يبحث عن إجابات عن هذا التساؤل التاريخي والمهم حول سر صمود الجمهورية الإسلامية على مدى 35 عامًا أمام الهجوم العنيف والعدائي العسكري والسياسي والدعائي للأعداء والحظر غير المسبوق للإدارة الأميركية، وهي يومًا بعد يوم تتقدم وتتطور أكثر.

حقول الإنجازات
تناول خامنئي في كلمته، ما أسماه أكثر عوامل الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاذبية. وقال إن الشعوب وجيل الشباب والمثقفين في العالم الإسلامي يلاحظون تقدم الشعب الإيراني في حقل الجو والفضاء، وينظرون إلى حضور إيران بين الدول العشر المتقدمة جدًا من حيث المعارف الحديثة، كما ينظر إلى الاندفاع العلمي في إيران، والذي تضاعف إلى 13 مرة قياسًا بالمتوسط العالمي.

وأضاف: إن الغرب نفذ كل ما كان يستطيع أن يفعله في عدائه للجمهورية الإسلامية في إيران، وإن الأعداء لا يمكنهم اقتلاع جذور الصحوة الإسلامية، على الأعداء أن يدركوا أن من أخطائهم الاستراتيجية العمل على توجيه ضربة إلى الصحوات الإسلامية في منطقتنا، مشيرًا إلى أن ضربات الأعداء للصحوة الإسلامية قد تنجح في بعض المناطق، لكنها تبقى بتراء.

وتابع خامنئي: أن إيران استطاعت أن توفر عناصر بقائها وصمودها في مواجهة مخططات الأعداء، مبينًا أن إيران رغم كل المقاطعة استطاعت أن ترسل الأقمار الاصطناعية والكائنات الحية إلى الفضاء.

حاكمية الشعب
ونوه المرشد الأعلى بأن الجمهورية الإسلامية في إيران ظاهرة استمرت منذ انطلاقتها قبل 35 عامًا، وكانت ناجحة في العقود الثلاثة الأخيرة، مشيرًا إلى أن إيران أجرت 32 عملية انتخابية خلال سنيها الـ 35 من عمر الثورة الإسلامية كأنموذج لحاكمية الشعب، مبينًا أن المشاركة الإيرانية الكثيفة في عدد من مراحل الانتخابات هي من أبرز مظاهر الديمقراطية في العالم.

وقال: إن الإمام الخميني لم يستنسخ الديمقراطية الغربية، وإنما استلّ حاكمية الشعب من الشريعة الإسلامية، وإن الإمام الخميني كان يرى بضرورة تفويض الحاكمية إلى الشعب، وأن تقوم الحاكمية الشعبية على الإسلام، وإن ما لا ينبع من إرادة الشعب لا معنى له في فكر الإمام الخميني.
&
وأضاف خامنئي إن الإمام الخميني كان يسعى إلى اقتلاع جذور النظام الشاهنشاهي الفاسد لكي لا يأتي نظام ملكي على غراره، وإن ثلاثي الفساد والتبعية والدكتاتورية كان هو الحاكم في النظام الشاهنشاهي في إيران.

وتابع: للإمام الخميني الكثير من المفاهيم والخصوصيات، التي وضعت في متناول شعوب العالم، وعلى الجميع أن يعمل وفق خارطة الطريق التي وضعها الإمام الخميني، وعلينا أن لا نضيع الطريق نحو بلوغ الأهداف بتضييع خارطة الطريق التي وضعها الإمام الخميني، مبينًا أن "الشوق للإمام الخميني نشهده في العالم الإسلامي رغم مضي 25 عامًا على رحيله".

العدالة والشريعة
وقال خامنئي إن على الباحثين دراسة الثورة الإسلامية في إيران كظاهرة حققت الكثير من الإنجازات، مبينًا أن الشريعة الإسلامية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، وأنها لو طبقت في المجتمع بشكل كامل لتوافرت الحريات والاستقلال، مؤكدًا أن في النظام الإسلامي لا معنى للقهر والغلبة.

وقال إن الخميني أوصى بإعانة المظلومين في فلسطين المقدسة، وإن الشعب الإيراني أوفى لوصية الإمام الخميني بالحفاظ على الثورة الإسلامية، موضحًا أن من مظاهر المظلومية في عالمنا المعاصر مظلومية الشعب الفلسطيني، داعيًا إلى أن نمد يد العون إلى المظلومين في مواجهة الظالمين في عصرنا الحاضر.

وأكد المرشد الإيراني أن بلاده استطاعت بملايينها الـ 75 أن تقف في مواجهة (الكيان الصهيوني) والدفاع عن المظلومين بكل قوة، وأن التجربة التي حققها الشعب الإيراني وتحركاته خلال العقود الماضية ستوصله إلى القمة، مشددًا على حق الشعب الإيراني في النهوض والشموخ.

وأضاف إن من التحديات التي يواجهها النظام الإسلامي هي العراقيل التي يضعها الاستكبار أمامنا، وإن أميركا تدرك أنها لا تستطيع اعتراضنا، لكنها تضع العراقيل أمامنا، وعلينا التعرف إلى الموانع التي تعترض مسيرة النهوض من أجل تجاوزها.

أتاوات لأميركا
وأشار إلى وجود دول مستبدة ورجعية تدفع إتاوات لأميركا، فتدافع عنها الأخيرة، لأنها دول خانعة من الصنف الأول، قائلًا إن صدام كان من ضمن هؤلاء المستبدين، وتلقى كل الدعم من الأميركيين، حين كان في خدمتهم ضد إيران، مضيفًا إنهم دعموا صدام وقدموا إليه كل شيء والأسلحة الكيميائية، لأنه كان من الصنف الأول الخانع للغرب.

وتابع خامنئي: هناك صنف ثان من الدول، وضع نفسه في موضع تنفيذ الإرادة الأميركية، مشيرًا إلى أن الدول الأوروبية تواكب الإرادة الأميركية، وترضخ لها، لكن أميركا تقوم بالتجسس عليها، ولا تقدم إليها اعتذارًا.

وأكد أن الهجوم العسكري لم يعد أولوية في السياسة الأميركية، لأنهم أدركوا أنه يرتد عليهم، موضحًا أن أميركا اعتمدت أسلوبًا آخر في الهجوم على البلدان، من خلال العمل من داخل تلك البلدان، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تقوم الآن بدعم الانقلابات العسكرية أو تحريك فئات من الشعوب في ما يسمى الثورات الملونة، وأن أميركا تسعى إلى إثارة الخلافات في البلدان التي تعارضها.

وتابع المرشد الإيراني الأعلى قائلًا: أميركا تشكل المجاميع الإرهابية، كما في العراق وأفغانستان، وأرادت أن تفعلها في إيران، وأن المجاميع الإرهابية كالمنافقين تعيش في أحضان أميركا، موضحًا أن هذه المجاميع المدعومة من قبل أميركا قامت باغتيال علماء الدين والعلماء النوويين في إيران.

الجماعات التكفيرية
وقال خامنئي إن البعض يحاول اليوم، وفي مختلف أنحاء العالم، وتحت مسميات المجموعات التكفيرية والوهابية والسلفية، أن يعمل ضد إيران وضد الشيعة وضد التشيّع، لکن هؤلاء ليسوا بالأعداء الأصليين، فالعدو هو من يثير ويجنّد ويموّل تلك المجموعات.

وأعاد إلى الأذهان ما كان قاله في السابق من أن هذه المجموعات التي تحاول أن تقف أمام النظام الإسلامي في إيران باسم السلفية والتكفير أو الإسلام ليست بالعدو الأصلي، بل هي "مجموعات جاهلة مغرّر بها، ولكن نرى من الضروري الدفاع عن نفسنا أمامها انطلاقًا من إيماننا بضرورة الرد على أي معتد".

وختم خامنئي خطابه قائلًا: "هؤلاء ليسوا بأعدائنا، فعدونا يختفي وراء الستار، ويعمل على إثارة الخلافات، وانشغالنا بالقضايا الهامشية وسلب معنوياتنا وبث اليأس في نفوسنا، ونحن لا بد أن نتصدى لمثل هذه المحاولات بعزم وطني راسخ ودراية، کما استطعنا حتى الآن الوقوف في وجه جميع المؤامرات".
&