حنان سحمراني من بيروت: قد تتحطم الآمال وتضيع الحلام على صخرة الأخطاء الطبية، فتتحول رمالا متحركة ندفع ثمنها غالياً.. جسدياً ومعنوياً وروحياً. فتخطف فرحة الحياة لمجرد خطأ طبي صغير من طبيب فاشل ينتحل صفة الأطباء، فيجرب ما تعلمه في جسد الأبرياءويغرقهم في خطأه القاتل وإذا أسعفهم الحظ تبقى بصماته مرسومة على أجسادهم مدى الحياة.
يتساءل بعض المرضى الذين التقتهم إيلاف quot;هل أصبحت حياة المريض عرضة للخطر أم أن أعضاء الإنسان بخست قيمتها ليتم التعامل معها بإستهتار من بعض الأطباء ويتم رميها في بؤرة الأخطاء الطبية؟
إيلاف التقت بعدد من تعرضوا للاخطاء الطبية وسببت لهم مآسي لا تمحى من ذاكرتهم..
تشخيص خاطئ
أحمد ذهب إلى الطبيب ليعاينه من وجع في اسفل ظهره يمتد حتى رجله اليمنى فشخص له ذلك الطبيب المرض على أن العضل ضاغط على العظم مما يمنع الرجل من الحركة ووصف له أدوية وحقنا، لكن الوجع زاد بعد أخذه للعلاج وزادت معه حالة أحمد سوءا. عاد إلى الطبيب فنصحه بإجراء جلسات كهربائية حتى يتحسن لكن الجلسات لم تنفع وأصبحت الرجل الثانية تؤلمه. بعدها لم يستطع المشي وخلال ستة أشهر من المعاناة والتردد على الطبيب أخبره أنه بحاجة لإجراء عملية في الرجل وحدد وقت العملية، لكن أهل أحمد فضلوا أن يشاوروا طبيبا أخصائيا آخر للتأكد من الحالة وهنا بعد فحصه مجدداً وتصويره شعاعياً تبين أن أحمد يعاني من ديسك في الفقرة الأخيرة في العامود الفقري، فأوقف له الطبيب كل الأدوية والمسكنات وأخبره أنه ليس بحاجة إلى عملية وأن جلسات الكهرباء هي التي أثرت على أعصاب الرجلين مما زاد الوضع تأزماً. ونصحه بالنوم على الخشب شهرا كاملا وإتباع تمارين رياضية للظهر. بعدها تحسنت حالته تدريجياً إلى أن شفي تقريباً؛ quot; لم أنل من ذلك الطبيب سوى معاناة الألم والخسارة المادية الضخمة والتعطيل عن العملquot; يقول أحمد.
إنحلال البراغي
أما جميل فإنه يخبرنا عن المعاناة الطويلة التي حدثت له، فبعد تعرضه لحادث كُسرت فيه رجله ذهب إلى المستشفى وهناك أجرى له الطبيب عملية جراحية ووضع داخل رجله براغي وأسياخ. بعدها وضعت بالجبس مدة ثلاثة أشهر وقد كانت خلال تلك المدة تؤلمه كثيراً فيعطيه الطبيب مسكنات ويقول إن الوجع حالة طبيعية حتى يلتئم الجرح. لكن حالته زادت تدهوراً مما دفعه للذهاب إلى طبيب آخر فأجرى له صورة أشعة ليتبين أن البراغي قد انحلت من مكانها والأسياخ غرزت باللحم فأدخل إلى العمليات سريعاً وأجريت له عملية أخرى لتبقى رجله في الجبس ثلاثة أشهر أخرى مما أثر على الرجل الثانية لأن الحمل كله كان عليها.
زيادة في الأوكسجين
غير أن قصة بديعة محزنة للغاية فالدموع تهرب من عيون الأم للمعاناة الأليمة التي رافقت إبنتها منذ الولادة حتى عمرها الحالي، ولا تجد أمام ذلك المشهد سوى الصمت لأنه أبلغ من الكلام، فهي أنجبت إبنتها في الشهر الثامن لتوضع الطفلة في الأوكسجين وليتبين بعدها أن الطفلة تعاني من شلل سفلي وأخبرها الأطباء أن تأثير الأوكسجين الزائد قد أثر على حركة الدماغ فعطل العصب الآمر بتحريك الرجلين.
وعاشت بديعة مقعدة تحملها أمها من مكان إلى آخر كطفل رضيع إلى أن صارت اليوم في الثنية والعشرين من عمرها ولا ينقصها شيء من جمال وثقافة. وتقوى على عجزها بممارسة عملها بالأشغال اليدوية التي تعلمتها في المدرسة الخاصة بالمعوقين إلى جانب عملها في كافتيريا المدرسة. لكن الفتاة كثيراً ما تقع في حالة الإحباط والكآبة التي تعزلها عن الناس لأنها تشعر بالإختلاف عن باقي أخوتها وأقاربها الذين يماثلونها عمراً والذين إما تزوجوا أو يكملون تعليمهم الجامعي؛ quot;كنت اتمنى لولم يحصل ذلك الخطا، لكانت إبنتي حظيت بما تحلم به كل فتاة في مثل عمرها وأقله التمتع بالمشي من دون آلة المشيquot; تقول الأم والغصة ترافق كلماتها.
فحص غير دقيق
جمانة تسرع بالكلام معك وبها لهفة لإخبارك قصتها فإبنها محمد ولد بصحة جيدة كما قال الطبيب المختص اثناء الولادة، ولكن بعد أشهر قليلة تعرض الطفل لحالات ضيق تنفس وأخذت إلى الطبيب المختص بالأطفال، فوصف لها دواء للإلتهابات وشخص على أنها نزلة صدرية عرضته لتلك الحالة، إلى أن جاء يوم وحدث لإبنها quot;هزة حيطquot; وتلتها حالة إغماء فأسرعوا به إلى المستشفى، وهناك أجريت له فحوصات مخبرية وصور أشعة ليتبين لهم أن الطفل يعاني من ثقب في قلبه، وأنه من المفروض على الطبيب المختص أن يكتشف حالته بعد الولادة، ومن المحتمل أن تجرى له عملية جراحية إذ لم يتجاوب جسده مع الدواء، وبقي مدة أربع سنوات يخضع للعلاج في المستشفى حتى أنه لم يتبق مكان في جسده إلا وغرزت فيه إبرة المصل؛ quot;والآن إبني يعيش على الادوية إلى أن يختم الثقب ويحتاج إلى رعاية خاصة لأن مناعته ضعيفة وهو معرض للمرض سريعاًquot; تقول جمانة.
إبرة تلقيح سامة
أما أميرة فإنها أخذت طفلها وهو في عامه الأول إلى طبيب أطفال لتلقيحه، لكن الطبيب كان على عجلة من أمره ولم يؤجل لها الموعد بل أعطى الطفل الإبرة سريعاً. بعدها أخذته إلى البيت وهناك إرتفعت حرارة الطفل في الليل فإتصلت بالطبيب وقال لها أن تعطيه دواء لتخفيض الحرارة وأن ذلك طبيعي لأنه من تأثير اللقاح، ولكن مع بدء الفجر أصبح لون الطفل أزرق وضاق نفسه إلى أن أغمي عليه فهرعوا به إلى المستشفى ووضع هناك في غرفة الإنعاش. وبعد الإنتظار والدعاء خرج الطبيب ليخبرهم أن الطفل قد تعرض لتسمم من إبرة اللقاح التي جاءت في الدم مما سبب للطفل هذه الحالة. quot;عانينا شهرين إلى أن رجع ابني إلى حالته الطبيعية وأنا الآن أفكر ألف مرة قبل أن أختار أي طبيب لأني كنت سأخسر إبني من تسرع ذلك الطبيبquot; تقول اميرة.
زيادة في البنج
إبتسام تعرضت خلال إنجابها ابنتها لحالة فظيعة إذ أنها بقيت في غرفة العمليات ثلاث ساعات بعد الولادة وأخذت الطفلة ووضعت في الغرفة المخصصة للأطفال بصحة جيدة، لكن ابتسام عندما أفاقت من البنج كان لونها أزرق وقد تورم كامل جسدها من تأثير البنج الزائد؛ quot;إن لطف الله هو الذي نجاني من الموتquot; تقول.
ولا يتوقف الأمر أبدا مع الاخطاء الطبية هنا فهناك الكثير الكثير من القصص المأساوية التي لا تنتهي إذا ما أردنا الإستطالة. نكتفي بهذا القدر علنا نكون نجحنا في الإضاءة لنرى رأي الطب في الأخطاء الطبية..
بين الإجراء القانوني والحوادث الطبية
إيلاف التقت ممثل الجمعية المصرية لجراحة المناظير والأمراض النسائية في لبنان البرفسور فاروق عواضة وهو أخصائي في الجراحة النسائية والمناظير والتجميل النسائي..
يُعرّف عواضة لنا الخطأ الطبي على أنه quot;العمل بغير المألوف جراحياًquot; وأسبابه عديدة منها: التسرع خلال العمليات الجراحية وعدم الإنتباه، فإن quot;شرودا بسيطا من الطبيب الجراح قد يؤدي إلى خطأ طبي ويجب أن يكون الطبيب الجراح في كامل إنتباهه حتى لا يقع فيهquot;. وكذلك تلعب الخبرة الطبية ومهارة الطبيب الجراح برأي عواضة دوراً أساسياً في نجاح العمليات الجراحية.
ويضيف عواضة أنه في كثير من الأحيان لا تساعد حالة المريض ووضعه الصحي المتدهور الطبيب على نجاح العملية quot;فيعتبر حادثا طبيا إذا ما تعرضت العملية للفشلquot;. وفي هذه الحالة quot;لا يكون ذنب الطبيب بل القضاء والقدر اللذين يحددان مصير المريض، والطبيب يقوم بما أمكنه القيام به طبياًquot;. ويعتبر عواضة أنّ quot;الطبيب الذي لا يتعرض في مشواره الطبي للوقوع بالخطأ هو الطبيب الذي لا يمارس عمله الطبيquot;، فكل طبيب برأيه معرض للخطأ quot;ولكن الإنتباه والوعي هما اللذان يبعدانه عن الوقوع فيهquot;.
من الوجهة القانونية يقول عواضة إن نقابة الأطباء في لبنان quot;تمارس مهامها على أكمل وجه ولا تفرق بين طبيب وآخر بل تعاقب الطبيب إذا ما تعرض للوقوع في الخطأ الطبي وتم رفع دعوى عليهquot;. وفي بعض الحالات يتم إيقاف الطبيب مرتكب الخطأ عن ممارسة عمله الطبي ويشطب من النقابة.
ويفسر عواضة أمرا في غاية الأهمية وهو أن هناك أمورا تحدث خلال العمليات يعتقدها المجتمع أخطاء طبية لكن النقابة تحددها على أنها حوادث طبية لا غير quot;فلا يد للجراح بها ولا يعاقب عليها الطبيب لأن حالة المريض الطبية المتدهورة هي التي افشلت العملية الجراحيةquot;. ويضيف أن هناك quot;حالات كثيرة يكون المريض فيها حالته أقرب إلى الموت منها إلى الحياة ويتم إنقاذه ببراعةquot;.
فمثلما هناك حوادث وأخطاء طبيية فإنه يقابلها دائماً حالات إنقاذ لا تحصى. وإن هناك أطباء ماهرين يتقنون عملهم الطبي ببراعة. لكن ذلك لا يمنعنا من الإعتقاد بوجود ثغرات عديدة في المجال الطبي.. ثغرات تصنع للطبيب صفة البطولة في المثال القائل: غلطة الشاطر بألف غلطة.
التعليقات