اربيل/ السليمانية / دهوك:في اجواء بدت اكثر تنظيماً وهدوءا عن السنوات السابقة، شهدت مختلف مناطق اقليم كردستان بدءا من بعد ظهر اليوم الجمعة (20 اذار مارس) احتفالات متنوعة احياها هذا العام مبكرا، مئات الالاف من الاكراد الذين توجهوا نحو الجبال القريبة لاشعال ldquo;نيران الحريةrdquo; فيما انشغل اخرون باداء الدبكات الكردية في الشوارع والمتنزهات العامة.


الاحتفالات التي بدأت قبيل مساء اليوم 20 آذار وستستمر حتى 23 آذار، وتابعتها وكالة (اصوات العراق) في مدن كردستان الثلاث (اربيل ndash; السليمانية ndash; دهوك) فضلا عن المدن التي يتواجد فيها الاكراد بكثافة مثل كركوك ومناطق من محافظة ديالى، تضمنت في ساعاتها الاولى مسيرات مشاعل بمشاركة الآلاف من الشابات والشباب، وتجمعات جماهيرية وحلقات للدبك والرقص الكردي بمرافقة الموسيقى الشعبية تخللها اشعال النيران.


ومع حلول ساعات المساء اليوم (الجمعة) اغلقت معظم المحال التجارية الصغيرة في معظم المدن الكردية ابوابها، وبدت الحركة التجارية في الاسواق ضعيفة، بعد ان كانت حركة التسوق قد شهدت خلال اليومين الماضيين (الاربعاء والخميس) نشاطاً كبيراً، مع اقبال المتسوقين على شراء الحاجات الخاصة بالاحتفالات، خاصة المواد الداخلة في صناعة الاطعمة المفضلة لدى العوائل الكردية في الأعياد، الى جانب شراء الملابس الكردية التي تشهد اسواقها اقبالاً كبيراً بالنسبة للملابس النسائية.


وجاءت مشاهد الاعلام الكردية التي رافقت النيران المتوهجة على المشاعل، لتشكل حضوراً بارزاً في جميع مظاهر الاحتفال التي جاءت بمشاركة عشرات الآلاف، خاصة في مدينة السليمانية (364 كم شمال بغداد) حيث تجمع في الشارع الرئيسي فيها (شارع سالم) آلاف المحتفلين الذي انشغلوا بالدبك والغناء وتقديم عروض فنية خاصة ضمن مهرجان كبير نظمته المحافظة، فيما تجمع الآلاف في مدينة زاخو القريبة من الحدود التركية، قرب الجسر الاثري القديم وعلى ضفاف النهر القريبة وفوق القمم الجبلية وسط مجموعات من فناني المدينة الذين تبادلوا الغناء، واستهلوا فقراتهم باغاني وطنية تحكي قصة الثائر الذي قتل الحاكم الطاغية، كما تحكي الاسطورة التي يتناقلها الاكراد.


في مدينة دهوك (460 كم شمال العاصمة بغداد) طافت سيارتا حمل كبيرتان، مزينتان بالاعلام الكردية وبورود الزينة وبمشاعل نار خاصة وهي تحمل عشرات الشباب والشابات، عدد من شوارع المدينة وسط اصوات الموسيقى المرتفعة، واطلقت الالعاب النارية في سماء المدينة بكثافة لتزينها مع حلول الظلام.
كما جرت احتفالات في كركوك (250 شمال العاصمة بغداد)، وقام محافظها (عبد الرحمن مصطفى) باشعال النار بحضور ممثلين عن مختلف مكونات المدينة، فيما جرت احتفالات في بعض الاحياء الكردية والتي رعته مؤسسات ثقافية واجماعية كردية.


القنوات التلفزيونية الكردية، الفضائية والارضية، التي كانت قد بثت برامج خاصة منذ يوم أمس الخميس عن الاحتفالات بعيد رأس السنة الكردية والاستعدادات لعيد نوروز، نقلت من مختلف المدن الكردية مشاهد اشعال النيران في بعض الساحات العامة وعلى قمم الجبال.


الاحتفالات جرت في اجواء امنية مكثفة في مختلف المدن واشعلت النيران باستخدام مشاعل خاصة اعدت للمناسبة، وذلك في ساحات ومتنزهات ومناطق مفتوحة تمكن المحتفلين من سهولة الوصول اليها والتجمع باعداد كبيرة فيها، بعد ان قطعت حركة السيارات وتم نشر اعداد من البيشمركة على الطرق لحمايتها.
الاحتفالات لم تخلو من اطلاق الرصاص الحي في الهواء، لكن بشكل محدود، وهو ما كان يشكل احد ابرز مظاهر الاحتفال قبل عقدين من الزمن، باعتبار اطلاق النار احد ابرز وسائل التعبير عن الفرح والسعادة لدى الكثير من شعوب المنطقة.


واعلنت حكومة اقليم كردستان ايام 21 والى 23 عطلة رسمية ودعت عشرات السفراء الاجانب لزيار الاقليم والمشاركة في الاحتفالات الضخمة التي يتم الاستعداد لها، والتي تعد احد مظاهر التميز القومي الكردي عن باقي شعوب العراق.


ويشارك في الاحتفالات لأول مرة، عدد من الدبلوماسيين الاجانب والمسؤولين في السفارات والقنصليات الاجنبية في العراق في احتفالات هذا العام بدعوة من حكومة اقليم كردستان، وذكرت مصادر في رئاسة اقليم كردستان، ان 30 سفير وممثل سفارة اجنبية في بغداد وصلوا الى اربيل وسيشاركون في الاحتفالات، وان مشاركتهم جاءت بالتنسيق بين رئاسة الاقليم ووزارة الخارجية لاطلاعهم على الوضع السياسي والاقتصادي المميز في اقليم كردستان، وتشجيع التعاون الاقتصادي وانشاء المشاريع .


وستصل الاحتفالات الى ذروتها صباح السبت حيث تخلو المدن مع انطلاق مئات الآلاف من العوائل الكردية الى المناطق الجبلية والسهلية للاحتفال وسط الطبيعة، في طقوس تعود الاكراد على اقامتها منذ مئات السنوات لكنها اصبحت اكثر رسوخاً في العقدين الماضيين مع اكتسابها بعداً قومياً واضحا ترسخت اكثر وسط سعي الاكراد للحصول على المزيد من الخصوصية في الحكم والحياة.
و ساهمت الامطار التي تساقطت في الاسبوعين الاخيرين في منح الطبيعة الجبلية بعض الجمال والألق الذي تعرف به، بعد ان كان الجفاف يهدد الاقليم للسنة الثانية على التوالي، تاركاً آثاره على الطبيعة، دون ان يتركها (المطر) حتى في ليلة اشعال النيران على قمم الجبال وسفوحها.


وسيشارك الآلاف من قوات الامن، بحسب المصادر الرسمية، في حماية الطرق والمناطق التي يتوقع تدفق العوائل الكردية اليها، ويتوقع وصول مئات العوائل من خارج الاقليم للاحتفال مع اهالي الاقليم بعيد النوروز رغم الاجراءات المشددة على الطرق الخارجية التي فرضت لضمان الامن.
مير شرطة دهوك اللواء وعد الله محمد، اكد في تصريحات صحفية، اتخاذهم اجراءات مسبقة لحماية كافة الطرق والمناطق التي يتوقع توجه العوائل اليها اليها، واشار الى ان الاجهزة الامنية اتخذت سلسلة من الاجراءات لحماية المتفلين ومواجة اي حالات طائة، داعياً الاهالي الى حماية البيئة ومنع ظواهر الاضرار بها.


وجرت اليوم في مدينة دهوك احتفالات مصغرة في المتنزهات والحدائق العامة بحضور مطربين من خارج اقليم كردستان، وخاصة من تركيا التي يتواجد فيها الملايين من الكرد، الى جانب المطربين المحليين، وكانت الدبكات الكردية بمرافقة الآلات الشعبية (الطبل والمزار) لها حضور بارز وسط صيحات الشباب الذي تفاعلوا مع الاغاني الوطنية.
ومن المؤمل ان تشهد الفنادق والقاعات التابعة للنوادي الاجتماعية والثقافية، والتي ازداد عددها في السنتين الاخيرتين، الليلة (20 / 21 اذار مارس) حفلات خاصة يحييها مطربون كرد قادمون من الدول الاوربية ومن تركيا، وتتجاوز تذكرة الحفلة لشخص واحد في بعض الفنادق 50 دولارا.


وكان الاحتفال بعيد نوروز يشكل احد مظاهر التحدي السياسي للانظمة التي حكمت العراق في العقود الخمسة الماضية، وكانت الملابس والاغاني الكردية تظهر بقوة وسط تجمعات مئات الآلاف التي كانت تطلق خلالها الشعارات القومية وتتحول الى مسيرات احتجاجية طوال عهد حكم حزب البعث (1968 ndash; 2003)، وتغنى فيها الاغاني السياسية الوطنية، لكن تلك المظاهر تراجعت لتتحول الى احتفالات ذات خصوصية عائلية الى جانب خصوصيتها القومية.


يقول شفان ابراهيم، ناشط في مجال المجتمع المدني، إن ldquo;الاحتفالات تحولت من مظهر لتحدي النظام السابق ولطلب الحرية والتحرر، الى مظهر لتمييز المواطن الكردي والتأكيد على هويته القومية المختلفة وثقافته الاجتماعية المغايرة عن ثقافة باقي مكونات الشعب العراقيrdquo;.


ونوروز الذي يصادف اليوم الاول للسنة الكردية (12 اذار)، هو العيد القومي لدى الشعب الكردي وعدد من شعوب شرق اسيا، وهو في نفس الوقت رأس السنة الكردية الجديدة 2709.
وهو من الاعياد القديمة التي يحتفل بها الاكراد والفرس والاذريين، والذي يصادف التحول الطبيعي في المناخ والدخول في شهر الربيع الذي هو شهر الخصب وتجدد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب الاسيوية، لكنه يحمل لدى الاكراد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الاسطورة التي تشير الى ان اشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره احد الحكام المتجبرين.