ثناء شحرور من اللاذقية: ينتشر في مختلف أرجاء سورية وبين جنبات جبالها وسهولها ومن مختلف العصور الكثير من الآثار الدينية الإسلامية والمسيحية حيث هناك المقامات الدينية الإسلامية الى جانب الكنائس والأديرة التي لها مكانة مهمة وتشكل مقصدا مهما لمختلف الزوار والسياح بشكل عام والأوروبيين بخاصة.

وذكر جمال حيدر رئيس دائرة آثار اللاذقية أن في اللاذقية الكثير من الكنائس القديمة وبعضها لا يعرف له تاريخ مثل كنيسة مانيقولاوس التي تقع في حي القلعة والتي يعتقد أنها بنيت من قبل السريان في القرن السادس الميلادي وهي عبارة عن بهوين مسقوفين بمجموعة من القبوات المتقاطعة المشيدة من الحجر الرملي فيها أيقونستاس من الخشب المشغول جيدا ويقال إنه جلب خصيصا لها من روسيا إضافة إلى العديد من الايقونات الاثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى حوالي 300 عام مضت واسمها منسوب إلى القديس نيقولاوس الذي ولد أواخر القرن الثالث الميلادي وتوفي سنة 341 م.

قامت دائرة الآثار بترميم الكنيسة بعد سقوط الجدارين الشمالي والغربي للكنيسة ومن ثم تم دمجها مع كنيسة مار موسى الملاصقة لها في تموز 1845 م بعد أن تهدمت نتيجة الزلزال.

وأما كنيسة السيدة العذراء للروم الأرثوذكس فتقع في منطقة الشيخ ضاهر شارع القدس وهي قديمة جدا لا يعرف تاريخ بنائها الحقيقي ويرجح أنها تعود للفترة البيزنطية وهي مؤلفة من كتلة معمارية واحدة عبارة عن بهو طويل وقليل العرض مسقوف بقبو سري محمول على مجموعة من الأقواس الجانبية المتداخلة مع كتلة الجدارين الجانبيين للكنيسة وقد تم ترميمها عام 1721 م من الداخل والخارج.

كما أعيد بناء بيت النساء فيها الذي تهدم بكامله وفي آذار 1845 م جرت زخرفتها وفتح لها باب جديد وتم تبليطها بالرخام وبني مكان جديد للنساء فوق المكان الأصلي وجرى تبييضه إلا أنه أصابها الخراب بعد فترة من ترميمها فحاول المطران كيريوس ملاتيوس عام 1874 م تجديد بنائها.

ويشير حيدر في كتاب له حول أهم المعالم الأثرية في محافظة اللاذقية إلى أن كنيسة المقاطع التي تقع على بعد 10 كم إلى الشمال الشرقي من مركز المدينة وتعود إلى الفترة البيزنطية القرنين الخامس أو السادس الميلاديين مشيدة من الحجر النحيت القطع المجلوب من مقالع المنطقة إلا أنه لم يتبق منها إلا قبة نصف كروية في القسم الجنوبي من البناء مع بقايا قوسين في القسم الشمالي منه وأسلوب بنائها مماثل لما هو موجود في المدن المنسية شمال سورية مثل موقع سرجيلا وتشير الإفتراضات الأثرية إلى أن حجم البناء يجب أن يكون أكبر مما هو عليه الآن وأن مخطط البناء ربما يستمر تحت الهضبة التي شيد فوقها ومعرفته تحتاج إلى أسبار أثرية لتأكيده وهذا ما يدفع للإعتقاد أنه تم تشييد القسم المفقود بمواد غير ثابتة أو قابلة للتلف مثل الأخشاب.

ونظرا لأهمية المكانة السياحية والدينية للبناء فقد قام طلاب من جامعتي تشرين السورية ودرسدن الألمانية بمساعدة مهندسي دائرة آثار اللاذقية بإعداد دراسة للموقع ظهر بنتيجتها أن البناء يعود للفترة البيزنطية وهو استمرار للنشاط المعماري الممتد بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين وأن البناء ليس مكتملا الأمر الذي يتطلب توسيع عمليات البحث والمقارنة ليشمل مواقع بيزنطية متفرقة في بلاد الشام.

وقال رئيس دائرة الاثار في اللاذقية إن الشيء اللافت أن كنيستين أثريتين اثنتين وديرين أثريين اثنين يوجد في قرية عرامو شرق اللاذقية بحوالي 60 كم أولها كنيسة السيدة العذراء التي تبعد 5 كم من الجنوب الشرقي من دير توما تاريخها غير معروف وهي عبارة عن بناء بازيليكي ذي بهو واحد ولها ثلاثة مداخل ولم يتم العثور على أي مستند أو إشارة حول تاريخ بنائها وهي مجردة من جميع العناصر الزخرفية التي يمكن أن تساهم في توضيح هذه الناحية إلا بعض الصلبان أرمنية الطراز المحفورة حول جدران الكنيسة.

والكنيسة الثانية هي كنيسة القديس استيفانوس التي يرجع تاريخها حسب ما هو مدون على مدخلها إلى عام 1310 م وهي منسوبة إلى أحد تلامذة السيد المسيح وأول شهيد في المسيحية وقد تعرضت لانهيارات طبيعية جزئية وفي كل مرة يعاد ترميمها من جديد حيث أعيد بناؤها في العام 1477 م وهي مبنية من الحجر الكلسي المتوسط وباقية على حالها منذ ذلك الوقت.

وبين حيدر أن دير توما يقع على السفوح الشمالية الغربية لسلسلة الجبال الساحلية قرب قرية عرامو ويعود تاريخ بنائه إلى الفترة البيزنطية القرنين الخامس والسادس الميلاديين وبناؤه عبارة عن كنيسة بازيليكية صغيرة مشيدة بالحجر النحيت القطع وفيه بهو واحد بحنية نصف دائرية بارزة من المبنى نحو الشرق أما المدخل إليه فهو على الواجهة الغربية منه والسقف على شكل سريري وقد كرس البناء للقديس توما ونظرا لأهمية الموقع فقد قامت دائرة آثار اللاذقية بأعمال ترميم مهمة للبناء استهدفت إحياء الموقع وإظهاره ووضعه على لائحة الأماكن الأثرية السورية.

وأوضح أن الدير الثاني هو دير مار جاورجيوس يقع في نفس المنطقة ويعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي على وجه التقريب إعتمادا على شكله وطبيعة إنتشار العقيدة المسيحية وأساليب تطبيقها وهو عبارة عن خمسة كهوف بعضها طبيعي والآخر منحوت أو جرى توسيعه بأشكال منتظمة أكبرها تم تحويله إلى كنيسة مهداة إلى القديس جاورجيوس أما بقية الكهوف فهي تمتد إلى الشرق و الغرب من هذه الكنيسة التي يبدو أنها كانت مخصصة لسكن الرهبان والنساك بينما الكهف الملاصق لحنية الكنيسة من الجهة الشرقية ذو طابقين حيث نجد على جدران الطابق العلوي صلبانا منقوشة.

ويرجح أن مجموعة هذه الكهوف كانت تشكل ديرا متكاملا لا كنيسة واحدة ويعود تاريخها إلى القرنين الرابع والخامس الميلاديين على الارجح إستنادا إلى اعتبارات دينية وتاريخية مختلفة يؤكدها الباحث الأثري الإيطالي أدريانو ألباجو بعد دراسة قام بها بين عامي 1981-1983 م خلص إلى أن هذه الكنيسة ومجموعهة كهوفها تمثل ديرا أرمنيا يعود للقرن الرابع الميلادي.

ويقول قسيس يعمل في إحدى الكنائس باللاذقية إن سورية كانت ومازالت مهدا للديانات السماوية وعبر ارضها مشى معظم الرسل والمبشرين بها وهذا الوضع بين الاديان خلق إلفة حميمية بين المواطنين الأمر الذي أدى لنشوء حالة من الإنسجام بين أبناء الوطن على أرض واحدة وضمن أحياء ومدن واحدة ليشكل نواة للوحدة الوطنية.