يبدو أنَّ quot;الصفقة الرياضيَّةquot; التي كان يجري العمل عليها في الخفاء منذ فترة طويلة قد وصلت إلى خاتمتها السعيدة أخيراً، وبات يمكن للقطريِّين أن يبدأوا منذ الآن بالاحتفال بنيل بلادهم شرف استضافة مونديال العام 2022. طرفا الصفقة هما اتحاد الفيفا ممثلاً برئيسه جوزيف سيب بلاتر من جهة، وإمارة قطر ممثلة برئيس الاتحاد الآسيويّ لكرة القدم القطريّ محمد بن همام من جهة أخرى.

لندن:البند الأساسيّ والأهمّ في هذه الصفقة التي تصفها مصادر بأنها quot;حدث الموسمquot; يقضي بأن يعلن الأخير، أي بن همام، عزوفه عن الترشّح لرئاسة الاتحاد الدولي في الانتخابات التي ستجري في العام المقبل، ودعمه الكامل لترشيح الرئيس الحالي السويسري بلاتر لولاية جديدة. في المقابل، يكافئ الرئيس الممدة ولايته بلاتر قطر على سحب بن همام ترشيحه لصالحه بتسميتها البلد المضيف لمونديال العام 2022.

بن همام: سأدعم بلاتر في انتخابات الفيفا المقبلة

وقد علمت إيلاف من مصادر رفيعة المستوى ووثيقة الصلة بالاتحاد الآسيوي لكرة القدم أنَّ مفاعيل الصفقة ستبدأ بالظهور تباعاً، وكان أول غيث هذه المفاعيل إعلان بن همام من بيروت مساء أمس الخميس أنه يمنح بلاتر دعمه المطلق رئيساً جديداً - قديماً للفيفا.

وعلى هامش زيارة قام بها إلى بيروت ضمن جولة استهلها في اليمن حيث تابع مراسم قرعة خليجي 20، وقصد بعدها السعودية وسوريا فلبنان يرافقه نائبه الاماراتي يوسف السركال ورئيس الاتحاد العراقي حسين سعيد، نفذ بن همام قسطه من الصفقة، حيث قال: quot;يهمّني أن أوضح نقطة أساسية هي أنني لن أترشح لانتخابات الفيفا المقبلة، بل سأقدم دعمي المطلق للرئيس الحالي جوزيف بلاترquot;.

وتابع بن همام في تصريحه الذي أدلى به لوكالة فرنس برس بعد لقائه رئيس الحكومة اللبنانيَّة سعد الحريري: quot;سأترشح لولاية جديدة على رأس الاتحاد الآسيويّ في الانتخابات المقررة في مطلع العام المقبل، وآمل أن أحصل على ثقة الاتحادات الوطنيةquot;.

وتضيف المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها لصالح هذا التقرير نظراً لحساسية الموقف أنَّ هذا التصريح من بن همام قد يكون الأول بهذا الوضوح، لكنَّه لن يكون الأخير بالطبع، بل سيعيده رئيس الاتحاد الآسيوي ويشدِّد عليه مراراً وتكراراً وفي أكثر من مناسبة ومن عاصمة.

وقالت المصادر إنَّ الإعلان الآنف الذكر هو إشارة قاطعة على أن الصفقة قد تمت، ملاحظة أن بن همام كان يتعمد إضفاء هالة من الغموض على موقفه من الترشّح لرئاسة الفيفا طوال الفترة الماضية في مناورة كان هدفه منها تحسين موقعه في الصفقة واكتساب القدرة على فرض شروط أفضل على بلاتر، خصوصاً أنَّّه كان ينتظر مباركة الاتحادات الآسيوية للخطوة بعد أن ضمن موافقة معظم الاتحادات العربيَّة.

ويبدو أن جهوده قد أثمرت، وليس على المراقبين إلا انتظار ما ستحمله الأيام الآتية من تطورات، وانتظار اللحظة الحاسمة التي سيتولى فيها بلاتر تنفيذ القسط الذي يخصّه من الاتفاق، والمتمثل في تسمية قطر البلد المضيف لمونديال العام 2022.

ومن المعلوم أنَّ قطر تفتقر إلى معظم المقومات التي تطلب الفيفا توافرها في البلد الذي يتقدم بملف لاستضافة المونديال. وبالمعايير العادية، فإنَّ حظوظها باستضافة المونديال كانت قريبة من الصفر دائماً. لماذا؟ لأنَّه وإن صحَّ أن الدوحة جاهزة لإنفاق مليارات الدولارات على بناء أضخم الملاعب وأحدثها وتزويدها بأكبر مكيفات الهواء في العالم، إلا أنَّ هناك العديد من المقومات الأخرى التي تفتقر إليها والتي تعتبر ضرورية لإنجاح حدث رياضي بهذا المستوى.

وهذه المقومات الغائبة تعول عليها الفيفا في إنجاح حدث لا يتكرر إلا مرَّة واحدة كل أربع سنوات، وفي طليعتها الجمهور الكثيف العدد والشركات الكبيرة القادرة على تقديم رعايتها المادية لمناسبة مماثلة، فضلاً عن البنية التحتية الجاهزة لاستقبال مئات آلاف الوافدين وإيوائهم على امتداد شهر كامل، وتوافر شبكة مواصلات من طرق وقطارات وغيرها قادرة على نقلهم من وإلى البلد المضيف بسهولة.

في مقابل افتقارها إلى كلّ المعطيات المذكورة آنفاً، كانت قطر تملك ورقة رابحة في يدها تتمثل في بن همام نفسه. فحظوظ الرجل في نيل ما يكفي من الأصوات ليصبح رئيساً لأهم منظمة كرويَّة مرتفعة للغاية. وفي حال إعلانه ترشيح نفسه للمنصب، كان بن همام سيحظى بدعم الأصوات العربية والآسيوية، فضلاً عن أصوات كلّ البلدان الأخرى التي ترى أنه بات من الضروري وضع حد لرئاسة بلاتر للفيفا التي طالت أكثر من اللزوم، والإتيان بوجه جديد قادر على نقل الاتحاد إلى القرن الحادي والعشرين.

وتعزَّزت هذه المعطيات خصوصاً بعد الأخطاء التحكيمية الفاضحة التي شهدها مونديال جنوب أفريقيا قبل بضعة أسابيع، وإصرار بلاتر على التزام موقفه بعدم الاستعانة بالتكنولوجيا لمساعدة الحكام على أخذ قرارات تحكيمية صحيحة، إلا بعد فوات الأوان. وقد لعبت قطر الورقة التي بحوزتها بإتقان في مواجهة بلاتر الذي وصلته الرسالة على نحو واضح.

فهو يعلم جيداً أن الآسيويين يجمعون على أنهم أحق برئاسة الفيفا من أي قارة أخرى. وهم لهذه الغاية سيحتشدون خلف بن همام على وجه التحديد في الانتخابات القادمة.

وعلى هذا الأساس أمكنه التوصل معهم بحسب ما قالت المصادر لإيلاف إلى الاتفاق التالي: قطر ستكون البلد المضيف لمونديال 2022 في مقابل انسحاب بن همام من التنافس على الرئاسة. وبغية تعزيز حظوظه بالتجديد له رئيسًا، سيمنح بلاتر مونديال العام 2018 لقارة أوروبا، الأمر الذي سيمكنه حينها من حصد أصوات العديد من الاتحادات الأوروبيَّة التي ستوافق على منحه صوتها لقاء إعطائه أحد بلدانها حقّ تنظيم المونديال.

لكن هل بيد بلاتر فعلاً أمر الحل والربط في مسألة اختيار البلد المضيف؟ تقول المصادر لـ quot;إيلافquot; إنَّ تلك هي الحقيقة فعلاً. فاختيار البلد المضيف يكاد يكون من اختصاص بلاتر حصراً. وفي حين يتألف الفيفا من 208 اتحادات عالمية لكرة القدم، إلا أنَّ مكتباً تنفيذياً من 24 عضواً هو فقط الجهة التي تملك صلاحية اختيار البلد المنظم. وضمن هذا المكتب نفسه، يعدّ بلاتر الآمر الناهي، والربان الذي يوجه السفينة في الاتجاه الذي يشاء.

ولن يجد بلاتر صعوبة كبيرة في تمرير اختيار قطر لدى باقي أعضاء المكتب، باعتبار أنَّ البرازيل من قارة أميركا الجنوبية ستستضيف مونديال 2014، على أن يستضيف بلد أوروبيّ مونديال 2018، ليصبح من السهل حينها تمرير استضافة قطر للمونديال في 2022 باعتبار أنَّ المنطق يقضي بأن تكون تلك الدورة من نصيب آسيا.

ولن يفوت بلاتر أن يذكّر الجميع بأن اختيار قطر، لا غيرها من البلدان الآسيوية، يتيح للفيفا إصابة عصفورين بحجر واحد: أي منح حق التنظيم للآسيويين والعرب في وقت واحد، خصوصاً بعد أن خرج العرب صفر اليدين من مونديال العام الحالي الذي كان من المنتظر أن ينظمه المغرب، قبل أن تخرج سلته فارغة بانتزاع جنوب أفريقيا حقّ التنظيم. لقد وفى بن همام بوعده، ويبقى وعد بلاتر، فهل يكون على الوعد؟