على وقع الاستفتاءات، والتصويت، وكراسي مدرجات الملاعب السعودية، وساحات الانترنت، لا تزال جماهير نادي النصر السعودي هي الأكثر حراكًا وتفاعلًا أينما وليت وجهك في الشارع الرياضي السعودي، فلا صوت يعلو على صخب النصر، ما دامت كرة القدم تلعب في المملكة، وما دام الجار اللدود (الهلال) موجودًا ويعتلي المنصات في حولياته المعتادة.
زايد السريع من الرياض: الخبر الجديد نقلته جريدة الرياض السعودية عن الحكم السعودي عباس ابراهيم قال فيه إنه تلقى سيلًا من الشتائم على هاتفه المحمول من جماهير quot;معينةquot; بعد مباراة فريقي التعاون والنصر التي انتهت بالتعادل بهدفين لمثلهما الاسبوع الماضي، وحينها كان النصراويون يعترضون على شرعية هدف التعاون الثاني الذي أتى في الرمق الأخير من المباراة.
وفور تناقل الخبر في المنتديات الرياضية السعودية، بدا وأن الإجماع يتجه لجماهير النصر بأنها هي من فعلت ذلك، متذكرين تصريح الأمين العام المساعد للجنة التنظيمية الخليجية لكرة القدم البحريني أحمد ميرزا، حين صرح متهمًا جماهير النصر بأنها هددته وشتمته عبر مئات الرسائل الهاتفية على جهازه المحمول، إثر أحداث مباراة الوصل الإماراتي والنصر السعودي في بطولة الأندية الخليجية و انتهت بفوز الوصل بعد فاصل شغب جماهيري بين إماراتيين وطبيب النصر. وقال حينها ميرزًا إنه اضطر لتغيير رقمه الهاتفي بسبب تلك الرسائل متأسفًا على حال الأخلاق الرياضية.
وفي القضية نفسها قال محللًا قناة الدوري والكأس القطرية، حمود سلطان وهو حارس منتخب البحرين السابق ومهاجم الكويت الشهير عبدالعزيز العنبري إنهما تضايقا من هذه الرسائل التي طالتهما أيضًا من جماهير النصر، وهدد العنبري حينها مرسلي تلك الرسائل بتصعيد الموضوع لجهات عليا.
ومن يعرف خبايا كرة القدم السعودية وإن استنكر هذه التصرفات إلا أنه يعرف جيدًا مدى قوة وحضور الجماهير quot;الصفراءquot;، فهي تحتل أي واجهة تمس النصر وتتحمس لكل ما يتعلق بكلمة quot;تصويتquot; ولكنها تغيب عند الاستفتاءات الرسمية.
قبل سنتين ومع أول حضور لقناة أبوظبي الرياضية في المشهد الكروي السعودي، أعلنت القناة عن جائزة بالتصويت الجماهيري لأفضل لاعبي الموسم، وبدأت بذلك منذ وقت مبكر من عمر الدوري، وبدأت تنشر مجرى النتيجة في كل وقت من البث، و بغض النظر عن وضع لاعبين اثنين من الهلال مقابل لاعب واحد من النصر وآخر من الاتحاد والأخير من الأهلي، إلا أن التفاعل الأصفر كان طاغيًا على ماسواه، حتى اتضحت بعد أسابيع أين ستتجه الجائزة، ولكن الطريف في الموضوع أن الفائز بتلك الجائزة وهو المهاجم الدولي الأبرز quot;نصراويًاquot; سعد الحارثي كان مصابًا منذ بداية الموسم ولم يلعب سوى في أقل من ١٠٪ من الموسم الكروي السعودي الذي يتكون من ٤ بطولات رسمية، فضلًا عن مشاركات المنتخب والأندية خارجيًا.
ومع هذا الإحراج الكبير غيرت أبوظبي مسمى الجائزة إلى (أفضل لاعب جماهيري). هذا الأمر انطبق أيضًا على الشركة الراعية لدوري المحترفين السعودي quot;شركة زين للاتصالاتquot;، حيث وضعت تصويتًا لأفضل فريق ولاعب لكل جولة في الدوري منذ العام الماضي، وكانت المفاجأة أيضًا quot;صفراءquot;، إذ أن النصر يخسر ويحقق الأفضلية بالتصويت، وقد يطرد لاعب من الفريق وتتفق الجماهير النصراوية عبر منتداها على تتويجه بالأفضلية، حتى وضعت الشركة الراعية نظامًا آخر استبعدت فيه الفريق الخاسر واللاعب المطرود، وتقلصت نتيجة النصر بالأفضلية على الرغم من أنه تصدر في نهاية الموسم نتائج التصويت، لأن نظام التصويت يتيح للفريق المتعادل أن يحققها، والنصر كان من أكثر الفرق تعادلًا.
الحضور quot;التصويتيquot; لجماهير quot;أصفر الرياضquot; لا يبدو وأنه أكثر من حالة خاصة يراها المتابعون للشأن الرياضي السعودي وسط استغراب لحمى الجماهير النصراوية في كل تصويت يعلن حتى وإن كان في موقع إماراتي ربحي، وهذا الأمر ينطبق على كل ما يخص التصويتات المجانية والمدفوعة، ولكن محللين ومتابعين يرون في ذلك حالة نفسية خصوصًا، منها ما هو خاص بالسنوات العجاف الخمس عشرة الأخيرة، التي لم يحقق من خلالها النصر سوى بطولة وحيدة للفريق الأولمبي، ومنها ما يعود إلى بدايات تأسيس الفريق في الخمسينات الميلادية، وهذا وذاك فضلًا عن سبب قوي ومهم، وهو تألق الجار الكبير نادي الهلال الذي وسع الفارق مع النصر على كل المستويات البطولية والجماهيرية والاستثمارية.
وأثر السنوات العجاف لا يمكن إغفاله خصوصًا أن الهلال مثلًا حقق خلال هذه المدة التي ابتعد فيها النصر عن ملامسة الذهب أكثر مما حققه النصر في تاريخه كله، إذ أن الهلال حتى الآن يحتكم على ٥٠ بطولة منها ٦ آسيوية و٤ عربية واثتنان خليجية ويتصدر الرقم القياسي بلقب بطل الدوري والكأس (ولي العهد) المحلي، ويتصدر أيضًا لقب البطولة التنشيطية التي أصبحت أولمبية أخيرًا (كأس الأمير فيصل)، فيما حقق النصر ٢١ بطولة.
وهذا سبب مهم لموجة التواجد quot;الصفراءquot; جماهيريًا على كل المستويات لوضع فريقهم في الواجهة ولو من خلال التصويت.وفي مدرجات الملاعب يتحصل النصر على متابعة حضورية ضخمة ومكثفة في العاصمة السعودية الرياض بالذات، لكنها منذ سنوات تتوارى فقط في مواجهة الهلال في غالب مباريات الفريقين، ربما بسبب إن النصر لم يحقق الفوز على غريمه الهلال خلال ٦ سنوات سوى في لقاء وحيد على مستوى الفريق الأول، أما في باقي مواجهات الفريق quot;الأصفرquot; فإن الجماهير النصراوية تسلب الألباب بحضورها المميز حتى في المباريات أمام فرق المؤخرة.
ومع دخول كرة القدم السعودية ساحة المنافسة الاستثمارية وبخاصة شركات الاتصالات، كان الهلال يتصدر العقود الاستثمارية مع شركة اتحاد اتصالات (موبايلي) فيما يتفاوت نصيب الاتحاد والنصر والأهلي تباعًا بنسب طفيفة فيما بينهم مع شركة الاتصالات السعودية (STC) وبفارق كبير عن الهلال.
هذا الأمر سبب جدلًا جماهيريًا وربما هو مافتح الباب للاستفتاء الأول من نوعه بين الجماهير الرياضية السعودية، وحدث الأمر حينما اتفق رئيس الهلال السابق الأمير عبدالله بن مساعد ورئيس النصر الحالي الأمير فيصل بن تركي وبمساعدة عضو شرف النصر الأمير تركي بن خالد على استدعاء مؤسسة (زوغبي) الأمريكية للقيام بالمهمة المثيرة، وأتت النتائج طبيعية كما وصفها الهلاليون وغير عادلة كما وصفها النصراويون، فيما لم يظهر صوت نمطي موحد للاتحاديين والأهلاويين، وحينها اكتسح الهلال النسبة المئوية ب ٤١ في المائة فيما حاز الاتحاد المركز الثاني وتلاه النصر والأهلي.
هذا الاستفتاء عرّض المؤسسة الأمريكية الشهيرة لحملة نصراوية قد تكون هي الأعنف في تاريخها واتهموها بالتلاعب في النتائج، واللعب لمصلحة الهلال، فيما تبرأ رئيس النصر من نتائجها وقال إنه فقط ممول مع شريكيه الهلالي والنصراوي، ومن هناك أحس الهلال بقيمته المتفردة وذهب في مفاوضات لتعديل العقد مع (موبايلي) وهو ما حصل فعلًا خصوصًا بعدما دخلت الاتصالات السعودية على الخط، وتحصل الهلال من هذه المزايدة على ما يقارب المائة مليون ريال سنويًا لرعايته، فيما عادت الاتصالات السعودية للأندية الثلاثة (الاتحاد والنصر والأهلي) بنفس قيمة عقودهم السابقة التي لا تتجاوز ٤٢ ملوينًا بحسب التسريبات الصحفية في حينها.
ورغم أن شركة راديو وتلفزيون العرب أقرت قبيل أيام من بيعها بأن اشتراكات قناة الهلال هي الأعلى مقارنة بقنوات الأندية الأخرى، ثم تبع ذلك اعلان هيئة دوري المحترفين أن مبيعات منتجات الهلال هي الأعلى، إلا أن الاعتراض الأصفر ظل قويًا، بل وتهكميًا على (زغبي)، حتى قامت شركة (ابسوس) العالمية بعمل استفتاء آخر وجاءت النسب كماهي (لزغبي) مع ارتفاع بسيط لصالح الهلال، ثم تبعه إعلان آخر من شركة سيارات تقول إنها عملته لصالح الاستثمار وجاء الهلال أولًا بالنسبة نفسها تقريبًا.
هذه الأحداث كلها جعلت quot;التصويتquot; هو المعول الوحيد للجماهير النصراوية لتحاول من خلاله إثبات الحضور، ولكنها بالتأكيد كسبت ما هو أهم من ذلك، وهو اعتراف غالبية الرياضيين السعوديين بأنها هي بالفعل جماهير الصبر والوفاء، وسط أصوات أخرى تتمنى بأن يأخذ quot;العالميquot; مكانه بين الكبار منافسًا ومزاحمًا على البطولات والذهب.
التعليقات