نجا سيب بلاتر من عدد لا يحصى من الأزمات خلال السنوات الـ13 من رئاسته للاتحاد الدولي لكرة القدم.
الانهيار المالي والمعارك في المحاكم مع الرعاة الرئيسيين وافلاس الرياضة والترفيه الدولية - الشركة التسويقية السويسرية التي كانت لها علاقة وثيقة مع الفيفا - والخلافات على التصويت لإستضافة نهائيات كأس العالم، والآن فضيحة الفساد التي تورط بها أعضاء في اللجنة التنفيذية للمنظمة الدولية.
وطوال كل هذه الأزمات، أو على نحو ذلك، تمكن بلاتر من الصمود في مركزه، وربما ظهر أقوى حتى داخل عالم كرة القدم.
حتى في ذروة قضية quot;التصويت مقابل النقدquot; التي شملت محمد بن همام، منافسه على رئاسة الفيفا، فإن بلاتر لم يفقد اناقته وتبجحه.
ربما بسبب التأثير التراكمي لهذا كله. ولكن أياً من القضايا المذكورة أعلاه لم تكن لها التأثير النفسي على الجماهير تماماً مثلما عندما ادعى أنه يمكن تسوية الحوادث العنصرية التي تحصل على أرض الملعب بمجرد المصافحة بين الطرفين المعنيين.
وما جعل الأمر أكثر سوءاً هو توضيحات بلاتر، أولاً على التويتر ثم في بيان مكتوب ولاحقاً في مقابلة تلفزيونية، الذي بدا فيها أنه يعتقد بأنه يعزز حقاً ما قاله في البداية.
وبالتالي، مع عدم وجود إشارة لعاصفة تهب نفسها بنفسها، لم يكن لبلاتر أي خيار سوى الاعتذار عندما قابله ديفيد بوند، المحرر الرياضي في هيئة الإذاعة البريطانية.
وبدا تائباً ومصدوماً من الإهانة التي سببتها تعليقاته. وعبر بلاتر عن آسفه ثلاث مرات، مرة في بيان معد سلفاً، ثم مرتين في وقت لاحق عندما سأله بوند عن هذا الموضوع.
ولم يدع بلاتر مجالاً للشك، وأكد بكل وضوح هذه المرة أنه إذا أطلق أي لاعب إهانات عنصرية خلال مباراة فإنه يجب ألا يكون هناك أي مجال للتسامح.
ولكن لماذا أخذ بلاتر كل هذا الوقت ليدرك أن تصريحاته قد سببت الإهانة؟ ولماذا لم يقل ذلك في المقام الأول؟
أجاب رئيس الفيفا في المقابلة المذكورة أنه لم تتضح الأمور بما فيه الكفاية لاختيار كلماته بدقة، وأنه تم تفسير تصريحاته بطريقة سلبية.
وبالتأكيد كان يمكن أن يكون واضحاً وبسرعة كبيرة حالما بثت شبكة سي إن إن وقناة الجزيرة لقائه؟ فهل سيصدق المرء حقاً أن رئيس الفيفا سيكون بعيداً عن الأحداث الكروية التي قد تستغرق يومين كاملين لوصول الأخبار إلى مكتبه في زيوريخ؟
أم أن بلاتر كان يعتقد بأنه سيخرج من هذه العاصفة سالماً مثل الأزمات الأخرى التي واجهها؟
وماذا عن ادعاءاته الأصلية؟ هل يمكن بكل بساطة مسحها من السجلات؟ بلاتر رجل ذكي جداً، صحيح
أن الانكليزية لم تكن لغته الأولى ويكون أكثر ثقة عند التكلم بالاسبانية أو الفرنسية عندما لا يتحدث لغته الأم الألمانية. ولكن بدا واضحاً جداً إصراره إلى حد بعيد على أن العنصرية على أرض الملعب هي مثل أي لغة مشينة.
فهل هذا يعني أن مشاهد العنصرية مازالت تتستر تحت المظهر العام لشخص يملك وجهات نظر عدة والذي قاد حملة المساواة في كرة القدم؟ الشخص الذي وضع رئاسته وسمعته على المحك لأخذ نهائيات كأس العالم إلى جنوب افريقيا والذي كان يدافع عنه بشدة توكيو سكسويل، السياسي من جنوب افريقيا الذي قضى 13 عاماً منفياً في جزيرة روبن؟
ربما لا، ولكن مازال بعض المراقبين غير مرتاحين من كل شيء.
إلا أن ما يثير الاهتمام هو بعد وصول محرر بي بي سي إلى مقر الفيفا لإجراء مقابلة مع بلاتر التي أعدت مسبقاً، خرج رئيس الفيفا من غرفة الاستقبال الرئيسية يصاحبه عضو لجنة الأخلاق من السنغال. مر الاثنان من جانب بوند وفريق عمله، فبعد أن ودع بلاتر السنغالي الذي استقل سيارته استقبل بوند كأنه يريد التأكد بالضبط أن يعلم الأخير مَن كان معه للتو!
فهل كانت هذه الحركة مصادفة؟ من يدري؟ ربما هي نتيجة انهيار الثقة برئيس الفيفا التي تركت بوند يفكر بقتامة الدافع من عمل بريء من المجاملة.
ثم يجب على المرء أن يتذكر دائماً أن بلاتر سياسي محنك الذي نادراً ما يفعل أي شيء من دون النظر في تأثيره.
لذا، هل كان اعتذاره الأخير كافياً لإخماد النار؟ ربما. ولكن هل كان صادراً عن الندم حقاً؟!
مرة أخرى، أنه ممثل بارع ويعرف كيف يصطنع مشهداً جديداً. ولكنه ظهر في مقابلة مع الهيئة البريطانية مرتبكاً بعض الشيء. ولكن في نهايتها تطلع إلى مستشاريه في العلاقات العامة وكان هناك شعوراً من الارتياح في عينيه، إلا أن نظرة التوسل ظهرت كأنه يسألهم: quot;كيف فعلت؟quot;.
الواقع هو أنه، سواء اعتذر أم لم يعتذر، لم يفكر بلاتر اطلاقاً بالاستقالة بسبب تصريحات هذه. ومن الذي سيدفعه إلى الاستقالة؟ جوابه بهذا الخصوص كان العودة إلى بلاتر العجوز والمتبختر، وكان رده quot;لا استطيعquot;. فبالنسبة إليه رئاسة الفيفا هي مهمة وليست وظيفة.
ويقدر ما يشعر به بأنه حصل على تفويض ضخم من الجمعية العمومية لفيفا للاستمرار بمهمته، والآن تنظيف منظمته.
سياسياً، فقط عندما تبدأ أعداداً كبيرة من الجمعيات الوطنية الـ208 التي تشكل الفيفا، بإضاءة لوحة التبديل في زيوريخ معبرة عن الغضب، عندها سيفكر بلاتر بالتقاعد.
وبعيداً عن العناوين الرئيسية حول العنصرية، كان هناك بعض ملاحظات مهمة أخرى لبلاتر.
قال إنه quot;لن يضع يديه في النارquot; لإثبات أن لجنته التنفيذية نظيفة. فقط عندما يبدأ العمل في برنامج quot;اختبار الشخص المناسب واللائقquot; الذي لا يشك فيه.
وكشف عن خططه بنشر الوثائق المتعلقة بقضية انهيار الرياضة والترفيه الدولية التي تعارضه quot;الأطراف الأخرىquot; والتي قد تعوق نشرها. وعلى رغم ذلك، إلا أن بلاتر مصمم على نشر هذه الوثائق في الشهر المقبل.
واعترف أنه، كرئيس، فإنه تقع عليه مسؤولية صورة الأزمة التي يعاني منها الفيفا، على رغم أنه أشار بعد ذلك إلى أن الأزمة كانت بسبب القرار للبت في استضافة نهائيتي كأس العالم في وقت واحد.
وتمكن بلاتر خلال هذا اللقاء من التهرب من الأسئلة حول راتبه والطريقة التي يدار بها الفيفا، ولماذا بعد 13 عاماً في وظيفته يمكن الوثوق به عندما يقول الآن إنه هو المصلح العظيم.
وعندما تهدأ عاصفة العنصرية، هذه هي القضايا والأسئلة التي يجب أن يعود إليها رئيس الفيفا.
وبينما تعليقاته عن العنصرية أعطت المزيد من الذخيرة لمنتقديه الذين يقولون إنه ليس على صلة بالواقع، فإنهم سيحددون إرثه في نهاية المطاف.
الاعتذار هو الجزء السهل. فالمشكلات الكبرى ماتزال ماثلة أمام بلاتر!
التعليقات