تعاني مختلف البطولات والمسابقات العربية الكروية التي ينظمها الاتحاد العربي أو اتحاد شمال إفريقيا من اختلالات كبيرة تتعلق بعدم انتظام تواريخ تنظيمها بشكل دوري، سواء المتعلقة بالمنتخبات أو الأندية ذكورا و إناثا و لكافة الفئات العمرية.

_______________________________________________________________

شعار إتحاد شمال أفريقيا لكرة القدم

باتت المسابقات العربيّة التي ينظها الإتحاد العربي لكرة القدم وإتحاد شمال إفريقيا تعاني من عدم إنتظامها سنويّاً، رغم أنها بطولات عريقة، يعود بعضها لأكثر من أربعين سنة. فبإستثناء البطولات الخليجية التي يتلزم أصحابها بتواريخ تنظيمها إلى حد كبير بل أنها تحولت مونديال مصغر في السنوات الأخيرة وتشهد منافسة شديدة من اجل زعامة الكرة الخليجية ، فإن بقية البطولات تعاني من الدوار .

و تعكس الحالة السياسية التي تعيشها البلاد العربية ، فتواريخ إقامتها غير مضبوطة،عكس البطولات في جميع أنحاء العالم و التي تقام في مواعيد محددة سلفا و غير قابلة حتى للتعديل بغض النظر عن الدواعي ، وهي شبيهة إلى حد كبير بقمم جامعة الدول العربية ، فهي معرضة للإلغاء بحجة أن الظروف الراهنة لا تسمح بإقامتها ، وإذا ما نجت من الإلغاء فان تأجيلها يصبح حتمية لا مفر منها أما بسبب نفس الظروف أو لأن النصاب القانوني لم يكتمل بسبب غياب بعض الأندية التي يعتبر حضورها ضروري و غيابها مؤثر على البطولة ، و بالتالي فلا حياء من تلبية طلب هذا النادي أو ذاك خدمة للصالح العربي كما يعلن عنه عادة للتستر وراء الإخفاق.

أما عن النظام المعمول به في البطولات العربية فان قاعدته الرئيسية هو التخبط الواضح ، فمرة تقام بنظام المجموعات بلقاءات ذهاب و إياب ، و مرة تجرى في شكل بطولة مصغرة ، وفي أخرى تلعب بصيغة خروج المغلوب ، فالنظام على الورق موجود غير أن تطبيقه على الميدان أثناء البطولة يخضع لأهواء و رغبات الأندية أو المنتخبات العربية المشاركة و مدى إجماعها على هذا النظام ، و لان الإجماع العربي في القضايا التي تهمهم جميعا من النوادر ، فان تعديله أو حتى تغييره جذريا يصبح أمرا حتميا لتفادي التضحية بالبطولة نفسها ،لأنه عادة ما يطلب هذا النادي أو ذاك المنتخب معارضته للنظام المعمول و يعدد سلبياته و يغض بصره عن ايجابيته ليقنع الجميع بوجود دوافع لتعديله خاصة الأندية التي توصف بالمؤثرة و التي تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة محليا و عربيا تحتاجها البطولة للنجاح و مرشحة للتتويج بمثل هذه البطولات.

أما الانسحاب فتلك حكاية أخرى اعتاد عليها الجمهور العربي مع بداية كل مسابقة لأسباب أو أخرى تبعثر أوراق الجهات المنظمة التي تضطر إلى إعادة حساباتها في جميع الأمور التنظيمية ، فالأندية و المنتخبات العربية على حد السواء لا يمكن تأكيد مشاركتها إلا في آخر لحظة و قبيل انطلاقة أي بطولة ، و إذا كانت بعض الفرق تفضل الانسحاب فان أخرى تحاول تقنين هذا الانسحاب من خلال مشاركتها بالفريق الرديف أو فريق الآمال حفاظا على ماء وجهها، و بدلا من مشاركة البطل يحل محله الوصيف أو حتى صاحب المركز الثالث و هو ما يؤثر سلبا على المستوى الفني للبطولة ، و تفضل أندية و منتخبات أخرى المشاركة في أي عرس عربي ليس من اجل المساهمة في إنجاحه بل من اجل إفساده من خلال انسحابها أثناء البطولة احتجاجا على أخطاء تحكيمية تافهة يمكن أن تحدث في أي منافسة.

ويتحمل مسؤولية فشل تنظيم البطولات العربية بشكل دوري جهات عدة ، بداية بالواقع السياسي العربي الذي يؤثر سلبا على الرياضة العربية بشكل عام بما فيها كرة القدم فهو يستفيد من الرياضة دون أن ينفعها ، و الحساسيات السياسية لا تزال تطبع مختلف التظاهرات الرياضية العربية آخرها في الدورة ال12 للألعاب العربية الجارية في الدوحة حيث هدد المغرب بالانسحاب بسبب خريطته الجغرافية التي اعتبرها غير كاملة ، و لم تشارك سوريا في هذه الألعاب لأسباب سياسية أيضا بعدما علقت عضويتها في الجامعة العربية .

وتتحمل الأندية و المنتخبات و الاتحادات جزءا هاما من المسؤولية فهي غير ملتزمة بالقدر الكافي و لا تولي اهتماما كبيرا للبطولات العربية رغم الإغراءات المالية السخية و تفضل عليها البطولات القارية الإفريقية و الأسيوية رغم أنها لا تدر عليها نفس الأرباح ، و لا تحترمها فلا تضعها في أجندة المسابقات الخارجية التي تأهلت إليها و كأنها لا تعنيها ، و تحاول إملاء شروطها على المنظمين للمشاركة ، و هو ما رأيناه مثلا في دوري أبطال العرب حيث اعتذرت الأندية القطرية عن المشاركة في هذه البطولة و فضلت البطولتين الأسيويتين رغم أن نتائجها القارية في تلك الفترة لم تكن ايجابية ، كما اعتذر الأهلي المصري لخلاف بسيط مع الاتحاد العربي كان يمكن تجاوزه ببساطة أيضا ، كما تتعامل الفرق العربية بسياسة الكيل بمكيالين فتجدها تشارك في دورات و تغيب في أخرى و خير مثال على ذلكغياب منتخبات الجزائر و المغرب و تونس و حتى مصر عن العاب الدوحة العربية الحالية و لو بمنتخب الرديف أو الاولمبي رغم أن بعضها شارك في بطولة أمم إفريقيا الخاصة باللاعبين المحليين التي أقيمت في السودان مطلع العام الجاريفي تاريخ لا يدخل في أجندة الفيفا.

ويتعامل مدربو و لاعبو عدة فرق عربية بتعال و تكبر على هذه البطولات وعلى منظميها و حكامها مما جعل مبارياتها تسودها حالات عنف و شغب قلما نراه في الملاعب ، كما أن الفرق العربية لا تعمد إلى الفصل بين القضايا السياسية و الرياضية بل أن قراراتها بالمشاركة أو الامتناع تخضع لمؤثرات عديدة مثلما حدث عندما امتنعت الأندية المصرية عن المشاركة في بطولات شمال إفريقيا على خلفية ما جرى بين مصر والجزائر في مباراة أم درمان في تصفيات كاس العالم 2010.

أما الاتحاد العربي و اتحاد شمال إفريقيا المشرفان على تنظيم البطولات فظهرا واضحا أنهما عاجزان عن إيجاد آليات ناجحة لتفعيل مسابقاتهما خاصة في ما يتعلق بتواريخ لعبها ، حيث أظهرت التجارب السابقة أن طول مدة أي بطولة أو تصفيات لا يخدمها فهي تزيد من متاعب النادي المادية و ترهق اللاعب بدنيا و تصيبه بالملل ، فضلا عن ذلك فان احتكار أي شركة لرعاية أي بطولة يجعلها رهينة فإفلاسها يعني توقف البطولة إلى حين إيجاد راع آخر، و الأفضل أن يكون هناك رعاة تجنبا لحالات الإفلاس. و فشلا أيضا في التعامل مع الفرق الخارجة عن القانون لغياب اللوائح أو تفضيلهما للعقوبات التوفيقية الخفيفة و تأثرهما بالضغوطات ، كما لوائحهما تترك الأبواب مفتوحة أمام الفرق لتشارك بالتشكيل الذي بلائمها .و لعب الإعلام الرياضي العربي دورا مهما في تجميد البطولات العربية من خلال تقزيمه لها تارة و تارة أخرى من خلال الانحياز لهذا الطرف أو ذاك و الدفاع عن الفرق التي تنسحب أو تعتذر عن المشاركة، كما أدى دوره في إثارة الفتن و الحساسيات التي تتحول إلى مادة دسمة للمعلق و لكاتب العمود و للمحقق و لغيرهم.

وزاد من تعقيد الوضع عدم إدراج البطولات العربية ضمن رزنامة الاتحاد الدولي رغم عراقتها مما جعل تسريح الأندية للاعبيها الدوليين سيف تسلطه على رقبة المنتخبات و تستخدمه للضغط عليها. و الغريب في الأمر انه في الوقت الذي تجد فيه المسابقات العربية صعوبة كبيرة للاستمرار فان بطولات أخرى في إفريقيا و آسيا تقام بانتظام و دون مشاكل على غرار دورة سيكافا وبطولة الأميرال كابرال و كأس كارين و دورة غرب آسيا و غيرها ، كما أن المشاكل السياسية الخطيرة و الحروب الأهلية التي عاشتها القارة السمراء لسنوات لم تعق إقامة أي من بطولاتها.

وأمام هذا الواضع لم يجد الاتحاد العربي حلا سوى تجميد جل بطولاته أما تاريخ عودة نشاطها فلا يعلمه سوى الله ، فدوري أبطال العرب متوقف منذ العام 2009 بعد ست نسخ فقط و السبب المشاكل المالية التي اعترضت الراعي الرسمي شركة راديو و تلفزيون العرب ، كما توقفت مسابقات اتحاد شمال إفريقيا بعد ثلاث سنوات فقط من بعثها بسبب الأجواء السياسية القاتمة التي تمر بها المنطقة ، أما كاس العرب للأمم الخاصة بالمنتخبات فلم تجرى منها سوى ثماني دورات منذ تأسيسها عام 1963 و هي متوقفة منذ آخر دورة في 2002 و التي احتضنتها الكويت ، و لم تجرى من بطولة العرب للأمم الخاصة بالسيدات سوى دورة واحدة عام 2006 استضافتها مصر و فازت بلقبها الجزائر ، و كاس السوبر العربي متوقفة منذ 2001 ، و الأمر نفسه ينطبق على بطولات عربية كثيرة أخرى.

ووفقا لما يدور في أروقة الاتحادين فان البطولات العربية يرتقب أن تعود بداية من العام القادم 2012 بعدما أزيلت ابرز العقبات المادية و التنظيمية التي اعترضت سبيلها غير أن ذلك يبقى مقترنا بانقشاع الضباب السياسي الذي يظعى على السماء العربية.