شاهد الجميع ابتسامة عريضة دائمة على وجه مدرب منتخب اسبانيا فينسنتي دل بوسكي عندما كانت كاميرات التلفزيون تتجه إليه وهو جالس في مقصورة المديرين في كامب نوليلة تأهل برشلونة لنهائي دوري أبطال أوروبا.

ومع ذلك، قد يتسائل بعضهم ما هي الأفكار الكئيبة التي كانت تدور في مخيلته وهو يتابع المباراة الثانية في الدور قبل النهائي لدوري أبطال أوروبا بين برشلونة وريال مدريد؟ وهل تحول شعر رأسه المتبقي إلى اللون الرمادي قليلاً على مدى الدقائق التسعين من هذه المباراة والتي انتهت بفوز برشلونة 3-1 في مجموع المباراتين ليتأهل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، المباراة التي ستقام على ملعب ويمبلي في 28 الجاري، أم كانت من مخيلة المراقبين؟

ودل بوسكي، مثل جميع الناس، على الأرجح سيقدر مشاق وصعوبة المباريات الأربع في الـ18 يوماً بين ناديان من عمالقة الكرة الاسبانية، خصوصاً في المباراتين الأخيرتين التي سيستمر الحديث عنهما لفترة طويلة حتى بعد نهاية الموسم الاسباني الحالي وتقرير مصير الفائز بدوري أبطال أوروبا، وواحداً من الأعراض التي يمكن أن يكون له تأثيراً ضاراً جداً على حملة اسبانيا في يورو 2012.

في هذه اللحظة، اسبانيا هي فقط واحدة من ثلاث دول التي لديها سجلاً بالفوز مئة في المئة في التأهيلات (الفريقان الآخران هما المانيا وهولندا)، وربما يستطيع دل بوسكي من اختيار تشكيلة من دون أي لاعب من ريال مدريد وبرشلونة لبقية المباريات ويتأهل إلى نهائي يورو 2012.

ومن الطبيعي أن المنافسة ستستمر إلى ما لا نهاية حول ما إذا كانت النتيجة قد quot;سُرقتquot; من النادي الملكي من قبل الحكام خلال مباراتي الاياب والذهاب لدوري أبطال أوروبا، أو إذا كان برشلونة يستحق التأهل للمباراة النهائية.

ومن المفارقات، أن المرء قد نسي فوز ريال مدريد ببطولة كوبا ديل ري والمباراة التي انتهت بالتعادل بهدف واحد لكل منهما والتي منحت لقب الدوري إلى برشلونة، وذلك تقريباً في أعقاب المباراتين المريرتين وسوء المزاج الذي تبعهما، حتى أن صحيفة البلاد الرئيسية quot;الباييسquot; تساءلت بعنوان رئيسي بعد تأهل برشلونة: quot;العدل أم القبضة السوداء؟quot;. وكما هو الحال مع الانتماءات إلى الناديين، فإن النقاش أدى إلى انقسام البلد. وأدت المناقشات الساخنة في بعض الأوقات للوصول إلى نقطة الغليان وتحولت تقريباً إلى شيء قبيح، ما أدى إلى تدخل الشرطة.

وتعاطف بعض المراقبين مع المسؤولية الملقاة على عاتق حكمي المباراتين وولفغانغ ستارك من المانيا وفرانك دي بليكيري من بلجيكا، عندما أصبحت مهمتهما مستحيلة تقريباً بعدما حاول عدد لا بأس به من اللاعبين من كلا الفريقين خداعهما عمداً على مدار المباراتين.

وهذا ما جعل إلى طرح سؤال حول لماذا يصر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على فرض حكام أجانب في مباريات يتقابل فيها أندية من البلد نفسه؟ فحتى لوبوس ميشال الحكم السلوفاكي الذي يملك خبرة طويلة ويحظى باحترام كبير كان عمله شاقاً في نهائي دوري أبطال أوروبا 2008 بين مانشستر يونايتد وتشلسي. فألم يكن اختيار حكم انكليزي الذي يفهم الفروق الدقيقة في الدوري المحلي وأكثر ملاءمة لتلك المناسبة أفضل بكثير من مشاركة حكماً أجنبياً؟ أو ألم يكن زج طاقم تحكيم اسباني في مباراتي ريال مدريد وبرشلونة أكثر حكمة؟

ومع ذلك، فمن الصعب أن يشكو لاعبو ريال مدريد لأن هذه المباريات أصبحت الآن شيئاً من التاريخ وتقدم برشلونة إلى النهائي. فيويفا لن يأمر بإعادة المباراتين، على رغم صيحات الاستنكار الشديدة والمستمرة من النادي الملكي.

وبالعودة إلى دل بوسكي، فإنه تم تسليمه مهمة كبيرة غير متعمدة على المستوى الوطني، حيث جرى دفعه إلى القيام بدور صانع السلام بين اثنين من الجماعات المتحاربة من اللاعبين الذين اختلفوا بشكل مذهل وحاد خلال الأسابيع القليلة الماضية.

الفرحة والمجموعة المتحدة من الـ23 لاعباً التي رفعت كأس العالم في جوهانسبوج ndash; ضمت 4 لاعبين من ريال مدريد و7 من برشلونة ودافيد فيا الذي انتقل بعد ذلك مباشرة من فالنسيا إلى برشلونة ndash; وبعدها موكب ريال مدريد لعرض كأس ملك اسبانيا في باص مفتوح حول العاصمة، فإنه لا يبدو إلى حد بعيد أن هناك جماعة من الإخوة في منتخب اسبانيا. حتى أن دل بوسكي علق بطريقة ديبلوماسية ليلة الثلاثاء الماضي بقوله: quot;لم أحب بعض التعليقات وطريقة حدوث بعض الأمور على أرض الملعب. فقد لاحظ الكثير من الناس ذلك، لذا لا يمكن التفاف حولهاquot;.

فالكراهية المتبادلة وعدم الثقة بين وحدات ريال مدريد وبرشلونة في تشكيلة دل بوسكي ظاهرتان حالياً ويراهما الجميع، خصوصاً بعدما وجه عدد من لاعبي النادي الملكي، بمن فيهم الفائزين بكأس العالم ايكر كاسياس وتشابي ألونسو، انتقادات لاذعة وعلنية حول افراط بوسكيتس وبيدرو في مسرحية اسقاط نفسيهما على الأرض خلال المباراة الأولى. فقد اعترف ألونسو بكل وضوح عقب اقصاء ناديه من بطولة دوري أبطال أوروبا بقوله: quot;تدهورت الأمور بيننا (بين لاعبين برشلونة وريال مدريد)quot;.

ومن جانبهما، فقد أوقد صانعي ألعاب برشلونة تشابي واندريس انيستا نار الحدة الذي طغى على مجموعة من لاعبي الطرفين بعد المباراة الثانية، إذ قال انيستا: quot;هذا النادي كان متفوقاً دائماً وارتفع إلى مستوى المنافسةquot;. فيما اضاف تشابي: quot;ما رأيناه حتى الآن هو عدالة كرة القدم، فالفريق الأفضل تأهل إلى النهائيquot;.

ولدى دل بوسكي الآن القليل من الوقت لترتيب الأمور. وأيضاً كل ما يفعله فإنه يجب أن يكون أفضل كثيراً من معالجة الوضع بالعادة القديمة عندما يتصافح اللاعبين في الملاعب ويعترفون بأنهم آسفين كونهم كانوا وقحين.

ففي الأسبوع الماضي تم الإعلان على أن اسبانيا ستقابل فنزويلا في 1 حزيران في ماراكايبو، وبعدها بثلاثة أيام ستلعب ضد الولايات المتحدة خارج ضواحي بوسطن.

ولم يكن من عادة الاتحاد الاسباني لكرة القدم السماح للاعبيه الكبار من التسكع في مقاعد البدلاء حتى في المباريات الودية. واتضح ذلك من الانتقادات الشديدة التي وجهت إليه في آب الماضي قبل مباراة اسبانيا ضد المكسيك. وحتى مستضيفيه اللذين دفعا مبالغ كبيرة لشرف اللعب ضد بطل العالم يريدان مشاهدة الوحدة الكاملة من لاعبي برشلونة، على رغم أن المنطق يشير إلى أنه قد يكون من الحكمة تركهم خارج تشكيلة اسبانيا نظراً إلى كونهم سيكونون في ويمبلي قبل بضعة أيام من ذلك لمواجهة مانشستر يونايتد في نهائي دوري أبطال أوروبا.

ولاسبانيا مباراة أمام ايطاليا في ميلان في 11 آب. ولكن أي جهود الوساطة التي قد يمارسها دل بوسكي عند هذه المرحلة قد تتراجع بسرعة في الأسابيع التالية عندما تقام مباراة كأس سوبر الاسبانية ndash; رفع الستار التقليدي لبدء الموسم الكروي ndash; والتي ستشاهد مواجهة برشلونة لريال مدريد في مباراتي الذهاب والاياب في أقل من أسبوع.

على الأقل، المباراة الجدية المقبلة لمنتخب اسبانيا ستكون بعد أربعة أشهر، عندما يبدأ حملته للتأهل لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2012 بمباراة سهلة نسبياً ضد ليختنشتاين.

وبحلول ذلك الوقت، قد ينحسر أي اهتياج للأحقاد، مثل شعر رأس دل بوسكي، على رغم أن بعض المراقبين ليس متأكداً من ذلك.