كشفت نهائيات كاس أمم أفريقيا الـ 28 عن المستوى الحقيقي للمدربين الذين يشرفون على تدريب أفضل 16 منتخبا في القارة ، و الذين يفترض أن يكونوا الأفضل أيضا تقنياً ، غير أن البطولة أماطت اللثام عن المؤهلات الفنية الحقيقية لهؤلاء ، و أكدت تفاوت الفوارق التقنية بين مدرب و آخر ، و التي لا تتناسب بالضرورة مع الشهرة و لا مع الامتيازات المادية و العينية التي يحصلون عليها من قبل الاتحادات الأفريقية ، فالدورة كشفت بان مدرب براتب شهري زهيد أو على الأكثر متوسط و بشهرة متواضعة بإمكانه أن يحقق لمنتخبه أحسن النتائج يعجز على تحقيقها مدربون أسمائهم أشهر من نار على علم و مرتباتهم اكبر من تلك التي ينالها كبار المسئولين في البلد علنا و سراً.
الجزائر: أكدت البطولة بالتالي المعايير الخاطئة التي تعتمدها الكثير من الإتحادات الإفريقية في مسالة اختيار الفني الذي يتولى الإشراف على المنتخب الأول و تركيزها على شهرته و على كم سيكلفها من أموال دون بقية الجوانب التي تكتشف أهميتها و تأثيرها مع مباشرته لمهامه.
و إذا كان تجديد عقود المتألقين للاستمرار مع منتخباتهم و إتمام انجازاتهم هو اقل ما يمكن أن يمنح لهم اعترافا لهم بجدارتهم فان إقالة الفاشلين ليست كافية بل الأمر يتطلب محاسبتهم.
يأتي على رأس الفاشلين مدرب المنتخب المغربي البلجيكي إيريك جيرتس الذي اظهر انه مجرد مدرب أندية في أحسن الأحوال ، و أن تاريخه ليس بالحافل مثلما كان يعتقد رئيس الجامعة الملكية المغربية الفهري غداة التعاقد معه صيف 2010 و هو على ذمة نادي الهلال السعودي ، و كان عليه أن يتأكد بأنه لا يفتقد فقط للكفاءة الفنية بل أيضا للمبادئ الأخلاقية التي جعلته مجرد مرتزق يقبل بالعرض الأفضل مادياً، فجريتس- الذي يتقاضى راتبا شهرياً قدره الإعلام المغربي بأكثر من 200 ألف دولار ndash; حول لاعبي منتخب المغرب من أسود إلى مجرد أرانب و لن نسمع في الغابون سوى عواء الثعلب البلجيكي بدلا من زئير أسود الأطلس، و قد تعددت مظاهر الفشل عند هذا المدرب ، بداية بالثقة المفرطة التي أبداها بمجرد أن ضمن التأهل إلى النهائيات بتأكيده بان حسين خرجة سيرفع الكأس مثلما رفعها أسلافه عام 1976، و لم تكن خياراته التكتيكية موفقة بعدما فضل الاعتماد على لاعبين غير جاهزين يفتقرون للطراوة البدنية و الفنية لكونهم لا يلعبون مع أنديتهم الأوروبية في صورة مروان الشماخ و عادل تاعرابت بل أن بعضهم اعتمد على أمم أفريقيا لتجهيز نفسه للعب مجدداً مع ناديه فأصبح المنتخب تحت تصرف الأندية و ليس العكس في زمن الثعلب البلجيكي ، الذي اخطأ أيضا في اختيار مكان التحضير ، عندما فضل الإقامة في مدينة ماربيا الإسبانية في وقت حضرت المنتخبات المعنية نفسها في بلدان خليجية أو افريقية مناخها يشبه مناخ الغابون و غينيا الاستوائية عكس ماربيا الباردة ، و هو ما انعكس سلبا على المردود البدني لزملاء المياغري و تعرض بعضهم لاعطاب مفاجئة لا يمكن تفسيرها إلا بسوء الإعداد ، و أثناء البطولة و في المبارتين المصيريتين ظهر واضحا أن جيرتس لا يحسن قراءة المباريات و المنافسين ، و فشل في زرع الحماس في أشباله و توظيف مهاراتهم الفنية العالية لتعويض نقائصهم البدنية ، و حتى عندما أقصي الأسود و بدلا من إعلان إستقالته الفورية التي كانت ربما تقلل كثيرا من حجم الفاجعة أصر على مواصلة عمله واضعا الإتحاد في موقف حرج جداً حيث خيره بين احترام العقد المبرم معه أو إقالته و الالتزام بالشرط الجزائي الغالي جدا.
كأس أفريقيا رفعت رؤوس مدربين و كشفت آخرين |
و أكثر من ذلك تعمد جيرتس العبث بمشاعر المغاربة فبعدما باعهم وهما و سرابا قبل النكسة راح بعدها يضرب على وترهم الحساس عندما قال بان لا يريد ترك هذا البلد المضياف بعدما اشترى منزلا متناسيا بأنه اقتناه من أموالهم.
و بدوره قاد أمارا تراوري منتخب بلاده السنغال إلى نكسة و هو الذي كان الأوفر حظا لخلافة مصر على عرش القارة ، فرغم امتلاكه أقوى أسطول هجومي من المحترفين في أوروبا الذين ينافسون بشراسة على لقب الهداف في أكثر من دوري إلا انه خرج مطأطئ الرأس بعد ثلاث هزائم و بهدف واحد ، و بدا واضحا بان منتخب اسود التيرانغا لم يكن ينقصه سوى مدربا محنكا يقوده بسهولة على الأقل لتجاوز عقبة الدور الأول ، و تأكد للجميع أن العلامة الكاملة التي سجلها المنتخب السنغالي في التصفيات كانت بأقدام موسى ساو و زملائه و ليس بفكر تراوري ، و لان الأقدام وحدها لا تكفي في النهائيات و تحتاج إلى خطة تكتيكية لاستغلالها أمام منافسين أقوياء حلت النكسة بالكرة السنغالية ، فهل يعقل أن يخسر فريق معزز بترسانة من النجوم على أعلى جاهزية- يحلم بهم أي مدرب في العالم - و قام باستعدادات هامة يخسر من منتخب بلد ظروفه تصعب على الكافر لا يملك لاعبوه سوى الإرادة و العزيمة.
و من حسن حظ السنغال أن إتحاده تأكد بان الإخفاق يتحمل مسؤوليته المدرب تراوري و أقدم على إقالته لإعطاء الوقت لخلفه لترميم ما يمكن ترميه قبل انطلاق تصفيات كاس العالم 2014 في يونيو القادم.
المدرب الصربي لغانا غوران ستيفانوفيتش و رغم وصول منتخب النجوم السوداء إلى المربع الذهبي إلا أن ذلك لم يكن كافيا لان الهدف كان العودة بالكأس الغائبة عنه منذ 30سنة، فغوران ورث عن سلفه و مواطنه رايفاتش فريقا جاهزاً من جميع النواحي كان على وشك أن يبلغ نصف نهائي مونديال 2010 لولا سيئ الحظ جيان ، و مع ذلك يقدم لغانا الإضافة الفنية الضرورية ، و حتى صعوده إلى دور الأربعة لم يكن بأداء مقنع بدليل انه تجاوز منتخب بوتسوانا الضعيف بصعوبة و فاز عليه بهدف وحيد و تكرر السيناريو نفسه مع مالي قبل أن يتعادل مع غينيا ، و ضد تونس في الثمانية كان الأخير الأحسن لولا الخطأ البدائي القاتل الذي ارتكبه حارسه المثلوثي في الوقت الإضافي ، و أمام زامبيا في النصف النهائي افتقد زملاء أبناء أبيدي بيلي للرزانة و عدم التسرع التي عرفوا بها و ظهروا متسرعين فأهدروا فرصا بسبب الغرور و الذي كان على الفني الصربي أن يزيله من نفوسهم ، و حتى إخفاقات المهاجم جيان اصامواه في تسديده لركلات الترجيح يتحمل جزءا كبيراً من مسؤوليتها غوران الذي كان عليه أن يتدخل لمنعه من تسديدها و تكليف لاعب آخر ليست له سوابق سيئة مع الركلات الترجيحية و ما أكثرهم في منتخب يعج بالنجوم.
أما المتألقين فيتقدمهم الفرنسي هيرفي رونار الذي قاد منتخب زامبيا إلى المجد القاري براتب لا يتجاوز ال20 ألف دولار ، رونار اثبت خطأ كل التكهنات التي شككت في قدراته الفنية بداية بالصحافة الزامبية التي عارضت بشدة عودته لقيادة الرصاصات النحاسية التي جعلها رونار ذهبية، و أيضا مولدي عيساوي وزير الرياضة الجزائري الأسبق و عضو مجلس إدارة نادي اتحاد العاصمة الجزائري الذي عارض استمراره معه و عمل كل ما بوسعه لدفعه إلى الاستقالة ، فها هو يؤكد بأنه مدرب من الطراز الرفيع و يتعلم بطولة لأخرى ، و يحسب له انه زرع في نفوس لاعبيه روح التحدي التي ساعدتهم على تحقيق الإنجاز القاري و هم الذين لم يكونوا مرشحين حتى للدور الثاني.
و يأتي بعده مدرب ساحل العاج فرانسوا زاهوي الذي برهن على انه ليس اقل شانا من سلفيه البوسني خاليلوزيدش و السويدي ايريكسون اللذان لم يحققا مع الفيلة أي انجاز رغم ثراء التعداد بالنجوم ، لكن زاهوي الروح الجماعية و التضامن في بينهم حيث الجميع يدافع و يهاجم و يساندون بعضهم البعض ، و على عكس الدورات الأخيرة فان نقطة الضعف حولها زاهوي إلى قوة حيث أصبح زملاء ديديي دروغبا يأخذون المباريات بالجدية المطلوبة و بحضور ذهني كبير و يحترمون المنافس بغض النظر عن اسمه ، و هو تجلى في كان 2012 حيث بلغوا النهائي بأقل مجهود بدني ممكن و دون أن تتلقى شباكهم أي هدف و بحثوا عن النتيجة قبل الأداء ، و بفضل هذه الفلسفة الزاهوية طوى الفيلة صفحة غانا و انغولا و الحقيقة أن الفيلة كانوا الأقرب إلى التتويج لولا أنانية دروغبا الذي بحث عن مجده على حساب مجد بلده. .
و انضم الفرنسي ألان جيراس إلى قائمة المدربين الأوروبيين الناجحين في القارة السمراء بعدما حقق مع منتخب مالي الذي يصنف في خانة المتواضعين أفضل نتيجة في تاريخه بحلوله ثالثا على حساب غانا ،و يأتي هذا الانجاز بعد عامين فقط من قيادته لمنتخب الغابون إلى التألق في دورة انغولا رغم إقصائه مبكرا بفعل لوائح الكاف ، ليؤكد جيراس انه مدرب كبير قادر على تحويل المنتخبات الصغيرة إلى منتخبات محترمة تنافس الكبار دون أي عقدة.
و بدوره أكد سامي الطرابلسي امتلاكه مؤهلات عالية كمدرب و أن تتويجه مع محلي بلاده بأمم إفريقيا الخاصة باللاعبين المحليين لم يكن مجرد صدفة بل نتيجة عمل تكتيكي قام به و سيعطي ثماره أكثر في قادم الاستحقاقات الرسمية بعدما جدد الاتحاد التونسي له ليستمر مع نسور قرطاج ، فالمنتخب التونسي كفر عن خروجه من الدور الأول في الدورة الماضية عام 2010 بتأهله إلى الدور الثاني عن جدارة رغم انه لم يكن مرشحا لذلك في ظل تواجده مع منتخب الغابون المستضيف و المغرب القوي على الورق فقط ، كان قاب قوسين أو أدنى من بلوغ الدور قبل الأخير لولا سذاجة الحارس المثلوثي ضد غانا ، و ظهرت لمسة الكرابلسي واضحة للعيان في هذه البطولة ، بإدراكه جيدا مكن الاختلالات في فريقه و إجادته قراءة نقاط ضعف و قوة المنافسين ، و نجاحه في تغييراته ، و اختياره الخطة التي تتلاءم مع إمكانيات لاعبيه، كما فند ادعاءات بعض الإعلام التونسي الذي اتهمه بعدم السيطرة على المجموعة و هو ما تجلى في قضية اللاعب عادل الشاذلي ، و سيادة الانضباط التام في بعثة النسور طوال مكوثها في الغابون.
المدرب السوداني عبد الله مازدا بدا هو الآخر جديرا بالاحترام و التقدير بعدما حقق نتيجة لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعها حيث وصل بصقور الجديان إلى الدور الثاني على حساب منتخبي انغولا و بوركينافاسو اللذان يفوقونه من حيث التجربة و اللاعبين المحترفين في الخارج ،و أكثر ما يحسب لمازدا انه لم يأبه إطلاقا بالانتقادات اللاذعة التي طالته و طالبته بالاستقالة قبيل أيام من بداية المنافسة ،حيث نجح في معالجة الكثير من السلبيات و النقطة الوحيدة التي خانته و لم يسال عنها هي افتقار زملاء احمد بشير للخبرة في مثل هذه البطولات، و بعدما غادر السودان بوابل من الانتقادات عاد إليها مزهوا بفرحة السودانيين الذي اعترفوا بدور مازدا في الانجاز الذي تحقق في غينيا الاستوائية.
البرازيلي ماركوس باكيتا خرج هو الآخر مرفوع الرأس رفقة منتخب فرسان المتوسط رغم إقصائهم من الدور الأول ، فقد أدوا ثلاث مباريات في القمة و لولا خسارتهم الأولى الساذجة من البلد المنظم غينيا الاستوائية لرافقوا زامبيا للدور الثاني ، لكن يكفي باكيتا فخرا انه عوض القصور البدني و الفني لزملاء سمير عبود بروح قتالية عالية جعلتهم يتعادلون من زامبيا و ينتصرون على السنغال رغم الفوارق الكبيرة في الإعداد و في الإمكانيات المتاحة فكان أدائهم متصاعدا من لقاء لآخر، ليؤكد باكيتا أن ما حققه في التصفيات لم يكن ضربة حظ بل كان عملا تقنيا مستعينا بخبرته.
التعليقات