ترصد إيلاف أداء ونتائج المنتخبات العربيّة الأربعة بعد إنتهاء الجولة الثانية من دور المجموعات في كأس الأمم الأفريقية المقامة حالياً في الغابون وغينيا الإستوائيّة. ونجحت تونس في تحقيق إنتصارين مهميّن في الوقت الذي عاد فيه منتخب quot;أسود الاطلسquot;لجر ذيول الخيبة مجدداً بعد الإقصاء من الدور الأول.
تباين أداء ونتائج الرباعي العربي المشارك في نهائيات كاس أمم إفريقيا الـ28 المقامة حاليا في الغابون وغينيا الاستوائية من منتخب لآخر بعد جولتين من ضربة البداية.
ففي المجموعة الأولى حيث لعب المنتخب الليبي إلى جانب منتخبات غينيا الاستوائية و زامبيا و السنغال ، حصل أشبال المدرب البرازيلي ماركوس باكيتا على تقدير النقاد و الخبراء رغم أنهم خسروا مباراتهم الأولى ضد البلد المنظم بهدف وحيد و تعادلوا في الثانية ضد زامبيا ، وكان بإمكانهم تحقيق أفضل مما تحقق لو توفرت لهم جرعات بدنية أكثر ، و خبرة ميدانية أوفر في مثل هذه البطولاتوجرأة تكتيكية أكبر من قبل المدرب باكيتا.
وظهر واضحا أن الليبيين لم يلعبوا من اجل الانتصار بل كان هدفهم الأول هو تفادي الهزائم الثقيلة بالنظر إلى الظروف التي مروا بها منذ التصفيات بسبب الأحداث السياسية والأمنية التي عرفتها ليبيا وهو ما أثر سلبا على استعداداتهم مما جعلهم يدخلون المنافسة وهم غير جاهزين خاصة من الناحية البدنية بدليل أنهم قدموا الشوط الأول من المبارتين أداء بدنيا جيدا قبل أن يتراجعوا في الشوط الثاني و إتاحة الفرصة للمنافس للأخذ المبادرة و التسجيل.
الحقيقة أن المدرب البرازيلي باكيتا يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية ليس في تجهيز الفريق و لكن في سوء قراءته للمنافسين الثلاث و الذين لم يكونوا في الحقيقة سوى أبطال من ورق ،ففي مباراته الأولى فرط المنتخب الليبي في نقطة تعادل على الأقل لان المستضيف لم يقدم المستوى الذي يجعله يفوز بالنقاط الثلاث بعدما تساوى الفريقان في الفرص والهدف الوحيد الذي سجل كان في الدقائق الأخيرة و جاء من خطأ بسيط في تمركز المدافعين كان بإمكانهم تفاديه لولا سوء التركيز نتيجة للضعف البدني.
أما في المباراة الثانية فقد فرط زملاء الحارس المخضرم سمير عبود في انتصار كانوا الأقرب إليه من زامبيا بعدما كانوا الطرف الأفضل فنيا في المباراة مما سمح لهم بالتقدم في النتيجة مرتين عن طريق اللاعب احمد سعد الذي وقع على ثنائية و لم يعدل أشبال المدرب الفرنسي هيرفي رونار النتيجة سوى بأخطاء دفاعية ليبية بدائية.
ورغم انه حسابيا لا تزال الأمور لم تحسم بعد إلا أن الفوز على السنغال- الذي أقصي رسميا- في الجولة الثالثة قد لا يكفي ليبيا لتحقيق حلمها بالتأهل إلى الدور الثاني من هذه البطولة للمرة الأولى خارج ملعبها و الأولى أيضا في عهد ما بعد أل ألقذافي ، ذلك أن تعادل غينيا الاستوائية و زامبيا يكفيهما للعبور معا بغض النظر عن نتيجة ليبيا مع السنغال.
غير أن تحقيق الفوز و بغض النظر عن قيمته و أهميته سيجعل الجميع يرفع القبعة لأشبال باكيتا الذين يكفيهم فخرا بلوغهم للنهائيات و خروجهم مرفوعين الرأس خاصة في حال حدوث تواطؤ بين زامبيا و غينيا الاستوائية.
وفي الفوج الثاني ظهر المنتخب السوداني بوجه مغاير تماما لذلك الذي ظهر عليه في المباريات الحبية قبيل انطلاقة البطولة سواء في المغرب أو في قطر عندما تعرض لهزائم ثقيلة رافقها أداء باهت لأشبال المدرب عبد الله مازدا دفعت الجميع إلى المطالبة بإقالته حفظا لماء وجه الكرة السودانية.
غير أن صقور الجديان كذبوا كل التكهنات و امنوا بقدرتهم على قلب الموازين بقليل من الحظ و بعض الخبرة ، ففي مباراة الافتتاح ضد ساحل العاج ndash; احد أقوى المرشحين للتتويج باللقب- أسالوا العرق البارد للفيلة بقيادة ديديي دروغبا و كان بإمكان زملاء الحارس معز المحجوب خطف نقطة تعادل لولا عامل التجربة الذي صب في كفة ساحل العاج ، و هو ما اعترف به المدرب مازدا الذي ارجع الهزيمة الخفيفة لقلة خبرة لاعبيه خاصة في بعض أطوار المباراة ،و خاصة عندما يلعبون أمام منتخب متخم بالنجوم المحترفين القادمين من أوروبا ،لذلك طالبهم بالاحتراف في القارة العجوز و خصوصا في الدوري الانكليزي لكسب الخبرة الكافية التي تضاعف من أدائهم.
وفي مباراتهم الثانية أكد زملاء المحجوب تخلصهم من مركب النقص و اثبتوا جدارتهم بالتأهل إلى هذه النهائيات ، حيث حققوا تعادلا هو اقرب إلى الفوز بعدما رد المهاجم سمير احمد مرتين على المهاجم الانغولي مانوشو.
وتبقى لهم مباراة ضد المنتخب البوركينابي في الجولة الثالثة من الدور الأول مطالبون فيها بتحقيق الفوز و بنتيجة عريضة مع انتظار نتيجة لقاء ساحل العاج مع انغولا حيث تبدو الأفضلية للأول لذلك قد يتساوى السودان مع انغولا في النقاط ويتم اللجوء إلى فارق الأهداف العام بينهما لتحديد المتأهل الثاني عن الفوج إلى جانب كوت ديفوار.
و بالتالي فان وضعية السودان لا تختلف كثيرا في هذه المجموعة عن وضعية ليبيا في الأولى. و بغض النظر عن النتيجة النهائية فان المنتخب السوداني الحالي تمكن من تجاوز العقدة الذي ظلت تلازمه منذ أمم إفريقيا 1976 حيث كانت المرة الأخيرة التي يحصل عليها على نقطة و تمكن أيضا من محو صورة إخفاقه المر في نسخة 2008 بغانا عندما مني بثلاث هزائم و بنفس النتيجة ثلاثية نظيفة و بمردود ضعيف.
وفي المجموعة الثالثة تبدو الأمور العربية فيها أكثر وضوحا بعد الجولتين الأوليين، فالمنتخب التونسي حقق العلامة الكاملة و تأهل مبكرا إلى دور الثمانية بعدما فاز في المبارتين ضد المغرب و ضد النيجر المتواضع و بنفس النتيجة هدفين لواحد.
وعلى الرغم منالتخوفات التي أبداها الجمهور التونسي على كتيبة المدرب سامي الطرابلسي إلا أن الأخير اثبت انه صاحب مؤهلات فنية عالية تضاهي أو تفوق تلك التي يتمتع بهامواطنه نبيل معلول الذي كان مرشحا لخلافته قبيل انطلاق المنافسة بأيام قليلة ، فقد عوض النقائص الفنية في فريقه بزرع الروح القتالية عند زملاء القائد كريم حقي واعتمد على الواقعية التكتيكية القائمة على سد الفراغات بغض النظر عن الأداء الذي يأتي مع نجاح اللاعبين في الالتزام بالخطة و الخروج بنتيجة مرضية وهو ما تجلى في مباراتهم الأولى أمام المغرب الذي كان مرشحا فوق العادة لخطف انتصار سهل و عريض لكنه وجد نفسه يدور في حلقة مفرغة ، فهو يسيطر و أبناء ثورة الياسمين يسجلون و يدافعون ببسالة عن تقدمهم حتى النهاية السعيدة.
و أجاد الطرابلسي تطبيق خطة الكل يدافع و كسب المساحات و ترك المبادرة العقيمة للأسود ، مع الاعتماد على المرتدات الخاطفة و السريعة التي أثمرت الهدف الثاني القاتل لمعنويات أشبال المدرب البلجيكي إيريكغيريتس الذين كان بإمكان شباكهم أن تهتز لمرة ثالثة أو حتى رابعة لولا براعة و شجاعة حارسهم نادر لمياغري.و بدا واضحا أن التوانسة وظفوا غرور المغاربة لصالحهم بوضع أقدامهم على الأرض مستغلين اندفاع المنتخب المغربي غير المتوازن و كأنه يلعب مع منافس مغمور ، في وقت سبق لهم أن فاز عليه في مرات سابقة حيث حرموه من كأس ثانية عام 2004 و من نهائيات مونديال 2006 لتحقق بذلك توقعات وزيره للرياضة الجديد طارق ذياب.
و في المباراة الثانية ورغم أن المنافس منتخب النيجر كان اقل شأنا من المغرب إلا أن نسور قرطاج احترموه جيدا و لم يستصغروه و تعاملوا معه أيضا بواقعية سمحت لهم بتجاوز عقبته و جعلتهم أول منتخب في المجموعة يبلغ الدور المقبل بهدفين من المساكني و جمعة ، ليكفر بذلك أبناء تونس عن إخفاقهم في الدورة الماضية بانغولا عندما خرجوا من دورها الأول.
أما المنتخب العربي الثاني في هذه المجموعة فقد دفع الثمن غاليا لغروره أولا فبحث عن العرض أكثر من النتيجة جعلته يخسر لقاء الافتتاح من تونس الذي كان منذ البداية الأسود يعلمون انه مفتاح مواصلة المغامرة الإفريقية بنجاح.
و يتحمل اللاعبون جزءا من المسؤولية مثلما يتحمل إيريك جيراتس الجزء المتبقي خاصة المراهنة على لاعبين غير جاهزين تنقصهم الطراوة الفنية و البدنية بسبب عدم لعبهم بانتظام مع أنديتهم في صورة مروان الشماخ الذي كان عبئا على زملائه. و بدا واضحا أن ترشيحات الخبراء للمنتخب المغربي لينافس على البطولة أثرت عليه ، و جعلته يستعجل خوض المباراة النهائية فسقط في فخ الغرور و استصغار منافسيه في الدور الأول ، ليجد نفسه في المباراة الثانية يخوض مباراة حياة أو موت للبقاء في البطولة أمام منتخب البلد المنظم الغابون ، و لم يستغل زملاء حسين خرجة تقدمهم في النتيجة فأصبحوا يبحثون عن التعديل بأداء كارثي- ساعد الغابون - يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية التحضيرات التي قاموا بها في اسبانيا.
و يطرح أيضا علامات استفهام حول مؤهلات الفني البلجيكي عندما يتعلق الأمر بالإشراف على منتخب و ليس ناد. و بدا واضحا أن المنتخب المغربي لم يتم تقييمه جيدا لا من قبل الطاقم الفني و لا حتى النقاد على اختلاف أطيافهم و الذين اعتمدوا فقط على نجاحه في التصفيات و انتصاره العريض على المنتخب الجزائري المراجع كمقياس للحكم عليه.
و يعتبر هذا الحصاد المر هو الثالث للمغرب على التوالي بعدما خرج من الدور الأول في عامي 2006 بمصر و 2008 بغانا ، وأكثر من ذلك فشل في فك العقدة التي أصبحت تلازمه كلما واجه تونس و الغابون الذي حرم المغرب قبل شهرين من التتويج ببطولة أمم إفريقيا لأقل من 23 سنة رغم أنها جرت على أرضه و هزمه أيضا في التصفيات المزدوجة 2010.
وعلى الصعيد الفردي يحتل المغربي حسين خرجة صدارة ترتيب هدافي البطولة بعد جولتين بعدما سجل ثلاث أهداف هدف ضد تونس و ثنائية ضد الغابون ، مناصفة مع الانغولي مانوشو ، و بإمكان خرجة استغلال المباراة الاخيرة التي ستجمعهم بالنيجر لتسجيل اكبر عدد من الأهداف قد تجعله يعيد سيناريو الروسي سالينكو في مونديال 1994 الذي أقصي من الدور الأول و مع ذلك توج هداف لتلك الدورة رفقة روماريو. بينما يحتل مركز الوصافة كل من الليبي احمد سعد و السوداني احمد بشير و التونسي يوسف ألمساكني و كلاهم سجل هدفين.
التعليقات