يبدو أن أيام مجد بولندا على أرض الملاعب الكروية أصبحت راسخة بقوة في الماضي. فهل ستستيقظ الدولة المشاركة في استضافة كأس الأمم الأوروبية في احياء حظوظ ما كانت تعتبر أمة عظيمة في كرة القدم؟

فقد أظهر إعلان تجاري تلفزيوني لبنك بولندا مؤخراً رجلان جالسان على أريكة يشاهدان مباراة اقيمت في تشرين الأول 1973 في مشهد من الحياة البولندية المعاصرة.
وأظهرت لقطات بالأبيض والأسود على شاشة تلفزيون مسطحة تسجيل المهاجم البولندي يان دومارسكي هدفاً في ويمبلي الذي أقصي انكلترا من التأهل لنهائيات كأس العالم 1974.

وحصلت بولندا على المركز الثالث في تلك البطولة. وكررت هذا النصر في مونديال اسبانيا 1982. ولكن بعدما اطيح بها في الجولة الثانية من نهائيات 1986 لم تتأهل بولندا إلى البطولات الكبرى حتى عام 2002. وتحتل الآن المركز الـ65 في تصنيف الفيفا، أي أدنى حتى من أمثال هندوراس (61) وسيراليون (63).

ولاحق كرة القدم البولندية، كما هو الحال في أمكنة أخرى من أوروبا، الفساد أيضاً على نطاق واسع الذي يتم معالجته منذ 2003. والشغب الذي مايزال يحتل مشكلة على رغم أن الحكومة تحاول تضييق الخناق عليه قبل انطلاق يورو 2012.

وعندما كانت اللعبة البولندية خلف الستار الحديدي، كانت مدعومة من قبل الدولة الشيوعية. فالشركات مملوكة للحكومة أو بلديات تملك الأندية. ورسمياً كان اللاعبون والمدربون هواة الذي يقبضون رواتبهم والمنافع الاجتماعية مثل عمال الصلب أو مناجم الفحم. ولكن في الواقع لم يكن لديهم عملاً باستمرار في المناجم، حيث كان يمكنهم التركيز على مهنتهم الكروية فقط.

وفي تسعينات القرن الماضي كانت هناك تغييرات كبيرة في بولندا، ليس فقط سياسياً، بل في النواحي الاقتصادية أيضاً. لذلك تغير كل شيء. ولسوء حظ عندما تحصل مثل هذه التغييرات الضخمة، فإنه من الصعب جداً تطوير شيء مثل رياضة. فالرياضة هي دائماً آخر شيء يفكر به المسؤولون، كون أن هناك أشياء أكثر أهمية للتطوير.

وبذلك خسرت الأندية رعاية البلديات لها، وكان عليها تأجير الملاعب المركزية من السلطات المحلية التي تملكها، ففقدت الكثير من الملاعب والمدربين، لأنهم فقدوا وظائفهم بسبب عدم وجود أموال، حتى أن معظمهم بدأ يبحث عن وظائف جديدة في المدارس أو رياضات مختلفة، ومنهم من سافر إلى الخارج، كما فعل جيرزي أنجل، المدير الرياضي الحالي في اتحاد بولندا لكرة القدم، عندما ترك منصبه مدرباً لمنتخب بلاده ليدرب قبرص في أواخر الثمانينات.

وكذلك ضاع الكثير من اللاعبين المراهقين الموهوبين، لأنه لم تكن لديهم فرصة ليتم تدريبهم في النوادي بشكل لائق، ولم تكن لديهم ملاعب ليمارسوا رياضتهم المفضلة. وأهملت معظم الأندية مسألة تطوير اللاعبين الشباب.

والمشكلة الأساسية في بولندا هي عدم وجود نظام لتدريب مثل هؤلاء، ولدى مدرب المنتخب الوطني بركة صغيرة للاختيار من بينها، ويمكن ملاحظة الفارق في وارسو حيث بدأت الأكاديميات فيها قبل عشر سنوات، أما الآن فلديها القليل جداً من المحصول.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا دولاً أصغر بكثير من بلدان الكتلة السوفياتية السابقة مثل كرواتيا وجمهورية التشيك ورومانيا استمتعت في التسعينات بنجاح على المستوى الوطني بينما لم تستطع بولندا فعل ذلك؟

يعود ذلك جزئياً إلى أنه كان لدى هذه الدول بنية تحتية أفضل، وفي الجزء الآخر فقدان بولندا للكثير من المواهب التي هاجرت إلى أوروبا الغربية لتكسب المزيد من الأموال واعطاء الموهوبين فرصة للوصول إلى مرافق تدريب متفوقة. وهناك أمثلة بارزة على ذلك مثل تفوق لاعبا منتخب المانيا لوكاس بودولسكي وميروسلاف كلوزه المولودان في بولندا.

إلا أن الصحافي الرياضي باول فيلكوفبسز، الذي يكتب عموداً يومياً في quot;رزيكزبوسبوليتاquot; يعتقد بأن الاختلاف الثقافي هو السبب، حيث يدعي أن جمهورية التشيك وكرواتيا هي أراضٍ رياضية بعكس بولندا.

ويقول في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية: quot;بولندا ليست دولة كروية. كانت لدينا فترى عندما كان الدوري في البلاد متاحاً فقط على شاشة التلفزيون للمشتركين عبر الأقمار الاصطناعية. وبين عامي 2000 و2005 لم يكن هناك بثاً للمباريات أو حتى برامج لتسليط الأضواء عليها على شاشات التلفزيون الأرضي. تصور أنه لو حصل مثل هذا في المملكة المتحدة لكانت هناك انتفاضة جماهيرية، ولكن هنا لم يحصل أي شيءquot;.

من المعتقد بأن هذه الأمور قد تغيرت كثيراً الآن. ويعود أكثر الفضل في ذلك بإستضافة يورو 2012، وأن البلاد تغيرت وازداد الثراء فيها الآن أكثر لوقت الترفيه.

وقرار يويفا في 2007 بالسماح لبولندا وأوكرانيا المشاركة بإستضافة يورو 2012 كان حافزاً للكثير من التغييرات التي حدثت في كرة القدم البولندية. فقد أعطت السلطات المحلية الضوء الأخضر للبدء في بناء منشآت رياضية. ولكي يتأهل البلد لإضافة البطولة، فعلى حكومته أن توقع أكثر من مئة اتفاقية مختلفة مع يويفا.

وتعمل الحكومة البولندية الآن على بناء 2012 ملاعب صغيرة بعشب اصطناعية في المجتمعات المحلية في كل أنحاء البلاد. وتم بناء ملاعب كبيرة بعشب اصطناعية أيضاً للتدريب، بالإضافة إلى انشاء أكثر من 60 ملعباً في السنوات الأربع الماضية، فيما وضع الاتحاد البولندي لكرة القدم قواعد جديدة لتأهيل المزيد من المدربين وتشجيع الأندية للتركيز على تنمية الشباب.

والمشاركة في استضافة يورو 2012 وحدها قد تساعد في تطوير اللعبة، إذ ستكسب بولندا 8.8 بليون دولار (5.5 بليون جنيه استرليني)، مضيفة إلى نسبة اثنين في المئة للنمو السنوي للبلاد حتى عام 2020، وذلك وفقاً لـquot;بي إل 2012quot; الشركة التي أسستها وزارة الرياضة والسياحة، مقارنة مع 1.57 بليون دولار (بليون استرليني) أنفقته البلاد على الملاعب في المدن الأربع المضيفة للبطولة. وكل هذا يمكن أن يساعد بسرعة على تحسن جودة كرة القدم البولندية.

وبشكل عام فإن نقص الأموال هي مشكلة رئيسية، حيث أن الكرة البولندية بحاجة كبيرة إلى الأموال للتعاقد مع لاعبين. والنقطة الحاسمة هي كيف يمكن للأندية من إدارة العائدات المحتملة من الملاعب الجديدة بعد انتهاء يورو 2012 مثل حقوق التسمية وبيع التذاكر في يوم مباريات الدوري المحلي؟