عندما تنازل المنتخب الايطالي عن لقبه العالمي بطريقة مخيبة للغاية بعد خروجه من الدور الاول لمونديال جنوب افريقيا 2010 دون اي فوز، سارع الاتحاد الايطالي لكرة القدم الى الاعلان عن ضرورة التحرك والتغيير.

حلم الايطاليون بتكرار انجاز 2006 عندما توجوا باللقب العالمي للمرة الاولى منذ 1982 والرابعة في تاريخهم من خلال الاستعانة مجددا بخدمات المدرب مارتشيلو ليبي الذي ترك منصبه بعد التربع على العرش العالمي في المانيا قبل اربعة اعوام.

لكن هذا الحلم تحول الى كابوس وتبخر على يد المنتخب السلوفاكي الذي اسقط ابطال العالم في الجولة الاخيرة من الدور الاول بالفوز عليهم 3-2.

ما حصل في جنوب افريقيا دفع رئيس الاتحاد الايطالي جانكارلو ابيتي الى التحدث عن الحاجة الى مقاربة جديدة للامور، وهو أمل ان ينجح المدرب الجديد تشيزاري برانديلي في بث الحياة مجددا في عروق quot;الازوريquot; الذي تعددت اسباب اخفاقه في جنوب افريقيا ولعل ابرزها ضعف خط الدفاع الذي كان نقطة الارتكاز عندما توج بطلا للعالم قبل اربع سنوات حيث لم يدخل مرماه سوى هدفين.

كما ان الثقة العمياء التي وضعها ليبي في بعض المخضرمين الذين توجوا باللقب لم تكن في محلها اذ لم يكونوا في قمة مستواهم في جنوب افريقيا.

كان ليبي واثقا من ان الرعيل القديم المؤلف من الخماسي فابيو كانافارو وجانلوكا زامبروتا وجينارو غاتوزو ودانييلي دي روسي يؤمن الضمانة لكي يحرز اللقب الثاني على التوالي، وذلك على الرغم من خروج جميع هؤلاء من موسم سيء للغاية ربما باستثناء دي روسي، في حين كان معظم الاخرين اسيرين لمقاعد اللاعبين الاحتياطيين او مصابين.

كان من المفترض ان يكون خط الدفاع هو الاساس في صفوف المنتخب الايطالي كما حصل عام 2006. على الرغم من انه لم يكن سيئا للغاية فقد دخل مرماه خمسة اهداف وتحديدا من ركلات ثابتة، في ثلاث مباريات مقابل هدفين في سبع مباريات عام 2006.

والمشكلة التي واجهت ليبي هي انه لم يجد البديل الذي بامكانه ان يرتقي الى مستوى التحدي، فاذا ما نظرنا الى خط الدفاع نجد انه كان هناك لاعبون يفتقرون الى الخبرة والاحتكاك مثل ماتيو كاساني وسالفاتوري بوكيتي وليوناردو بونوتشي المفترض ان يكونوا بدلاء لكانافارو وجورجيو كييليني في قلب الدفاع.

واذا كان المخضرمون فشلوا في الظهور بمستوى جيد، فان الجيل الجديد لم يرتق الى المستوى ايضا ربما باستثناء لاعب الوسط ريكاردو مونتوليفو الذي يجيد صناعة اللعب، او الجناح سيموني بيبي الذي اظهر نشاطا في المباريات التي خاضها.

استمر ليبي في القول بان وحدة المجموعة هي الاهم، ولهذا السبب قام باستبعاد انطونيو كاسانو وماريو بالوتيلي المشاكسين لكي يحافظ على انضباط صفوف المنتخب. قد يكون وجود كاسانو وبالوتيلي خطرا على وحدة المجموعة، لكن كلاهما قادر على تغيير مجرى المباراة في اي لحظة خلافا لالبرتو جيلاردينو الذي كان يحلم به ليبي لكي يكون باولو روسي الجديد.

لم يسجل المنتخب الايطالي سوى اربعة اهداف في جنوب افريقيا احدها من ركلة جزاء والثاني اثر خطا فادح من حارس البارغواي. لا شك بان غياب صانع الالعاب المتألق اندريا بيرلو (شارك في الشوط الثاني فقط ضد سلوفاكيا) كان مؤثرا جدا على النجاعة الهجومية لانه يعتبر الممول الرئيس للمهاجمين.

ويبدو ان رسالة رئيس الاتحاد الايطالي وصلت الى برانديلي بوضوح، اذ رفع مدرب فيورنتينا السابق شعار التغيير وبدأ مشواره باستدعاء كاسانو وبالوتيلي، كما ضم اربعة مدافعين جدد من اصل ثمانية الى التشكيلة في مباراته الاولى التي خسرها وديا امام ساحل العاج صفر-1، علما ان سبعة من المدافعين الذين استدعاهم لم يخوضوا اكثر من ثلاث مباريات دولية، اما الثامن فهو كييليني.

كانت خيارات برانديلي بمثابة المخاطرة لكنه نجح في رهانه بعد ان قاد الايطاليين الى نهائيات كأس اوروبا للمرة الخامسة على التوالي والثامنة في تاريخهم من خلال تصدرهم المجموعة الثالث بثمانية انتصارات وتعادلين من اصل 10 مباريات.

صحيح ان برانديلي (54 عاما) لا يعتبر من المدربين الكبار في الكرة الايطالية كونه لم يشرف على اي من العمالقة يوفنتوس وميلان وانتر ميلان، لكن لاعب وسط يوفنتوس واتالانتا السابق تمكن من قيادة المرحلة الانتقالية في المنتخب بشكل ناجح معولا بشكل اساسي على عنصر الشباب.

رسم برانديلي لنفسه اهدافا واضحة المعالم منذ استلامه دفة المنتخب الإيطالي ووضع مدرب فيورنتينا السابق نصب عينيه اعادة البسمة الى جماهير بلاده ليس فقط من خلال النتائج، لكن بفضل اسلوب كروي ممتع وعروض هجومية تسر الناظرين.

quot;كانت مهمة اعادة بناء الثقة في المنتخب شغلي الشاغلquot;، هذا ما قاله برانديلي لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم حول مهمته مع quot;الازوريquot;، مضيفا quot;كنت على علم تام بان المهمة ستكون معقدة للغايةquot;.

ويتحدث برانديلي عن استعانته بلاعبين مثل كاسانو وبالوتيلي اللذين كانا خارج حساباته سلفه ليبي، قائلا quot;اولا وقبل كل شيء، يجب ان يشعران ويقتنعان بأنهما جزء لا يتجزأ من هذا الفريق. صحيح انك تحتاج دائما للاعبين بشخصية قوية ومهارات كبيرة، كما هو شأن هذين اللاعبين، لكن الاهم هو اقناعهما بان مهمتهما الاولى والاخيرة هي خدمة الفريق الوطنيquot;.

وفي معرض رده على سؤال حول ان الاجيال الجديدة لا تملك نفس القدر من المهارة الفنية مقارنة بالنجوم القدامى، قال برانديلي: quot;ان عملية البناء لا تبدأ على مستوى منتخب الكبار، بل يجب ان تكتمل في فئة الصغار والناشئين. انا واثق من ان الامور تسير على ما يرام، علما بان هذه العملية متعلقة ببرنامج عمل على المدى الطويل ما يستلزم الكثير من الوقت وقدرا كافيا من الصبرquot;.

وستكون نهائيات كأس اوروبا فرصة لبرانديلي من اجل معرفة مدى النجاح الذي حققه في سياسته التجددية، لكن الاختبار القاري لن يشكل نهاية المشوار لهذا الرجل الذي ابتعد عن كرة القدم عامي 2004 و2005 وتخلى عن فرصة الاشراف على روما بسبب اصابة زوجته مانويلا بسرطان الثدي ما ادى الى وفاتها لاحقا حين كان مدربا لفيورنتينا، اذ اكد رئيس الاتحاد الايطالي لكرة القدم جانكارلو ابيتي انه اصبح مقتنعا اكثر بهذا المدرب الفائز بلقب الدوري المحلي كلاعب مع يوفنتوس ثلاث مرات اضافة الى لقب كأس الاندية الاوروبية البطلة عام 1985 وكأس الكؤوس الاوروبية عام 1984 والكأس الايطالية عام 1983، مما كان عليه الوضع عندما قرر التعاقد معه.

وتابع quot;نريد ان نخوض افضل كأس اوروبا ممكنة لكن لا يجب على هذه المسألة ان تؤثر على خياراتنا، نريد ان نحقق الاستمراريةquot;.

الاستمرارية لم تكن من الامور التي لجأ اليها برانديلي منذ استلامه مهامه اذ اجرى الكثير من التعديلات على التشكيلة لكنه لم يمس بالاعمدة الاساسية المتمثلة ببوفون وزميليه في يوفنتوس جورجيو كييليني وبيرلو وكاسانو كما انه حافظ على استراتيجيته بالاعتماد على خط الوسط في المهام الهجومية من خلال الاندفاع من الخلف ومفاجأة الخصم عوضا عن اشراك مهاجم صريح او رأس حربة، خلافا لما كانت الحال مع اسلافه الذين عولوا على مهاجمين من طراز باولو روسي وسلفاتوري سكيلاتشي وبييرلويجي كازيراغي وفابريتسيو رافانيلي وكريستيان فييري وفيليبو اينزاغي والبرتو جيلاردينو وفينشنزو ياكوينتا.

ويبقى ان نعرف اذا سيتمكن برانديلي من اعادة ايطاليا الى موقعها بين الكبار بعد خيبة جنوب افريقيا 2010، وهو يقول بهذا الصدد: quot;اننا نسعى لتقليص الفارق الذي بات يفصلنا عن النخبة، لن الامر لن يكون سهلا. اعتقد ان المفتاح يكمن في الاعتماد على اسلوب كروي مبني على المتعة والمهارة. في اعتقادي، هذا هو الطريق الذي يجب ان نسلكه، اذ تأتي الانتصارات الحقيقية عندما يكون الفريق مقتنعا بضرورة امتلاك الكرة ومشبعا بعقلية الفوزquot;.