في حوارٍ مع الفنان العراقي، حمودي الحارثي، تحدَّث عن حنينه إلى العراقوالتَّمثيل، كما تطرَّق لمشاريعه المقبلة، وحياته في الغربة.


بغداد:عاد الفنان العراقي، حمودي الحارثي، الى بغداد مجددًا، عاد وكما يقول ليتنفس هواء بغداد على الرغم من انه يقيم في دولة اوروبية مشهورة بجمال كل شيء فيها، عاد وما زال يحتفظ بذاكرته الباذخة الحية النابضة بالاحداث والاسماء والارقام وكأنه يتحدث عن يوم امس، واذ لا بد لي ان التقيه ونجلس معًا لساعات، وهو بشعره الاشيب وملامحه التي ما زالت توحي للناس انه (عبوسي)، ذلك الشاب المشاكس في (تحت موس الحلاق) قبل اكثر من خمسين عامًا.

وقال:quot;انا مقيم في المملكة الهولندية وفي رعاية ملكية من الملكة الرائعة بياتريكس، وابنها الامير وليم، وزوجته الرائعة مكسيما، انا في هذا الوسط الجميل، هذه المملكة ذات النفس الانساني البديع، اشعر بأنسانيتي واشعر بأن اولادي يتقدمون الى الامام يوميًا خطوة واحيانًا خطوتين ومن دون تراجع، هكذا انا ارعى اولادي وقريب الى زوجتي التي اصابها مرض والان هي تشافت منه بفضل الله، ومن ثم بفضل الرعاية الهولندية الملكية ورعاية الشعب الهولندي، فأصبحت بصحة جيدة بعد ان وصلت الى حافة الموتquot;.

ما سبب زيارتك الى بغداد ؟
جئت الى العراق لأتنفس هواء بغداد وأرى ابناء وطني واتفقد اصدقائي، جئت ايضًا لكي اراجع اوراقًا في مكتبتي واجمع شتات افكاري لانني الان على طريق فني مفتوح امامي لانتاج اعمالي التي كتبتها، ومنها مسرحية ذات ثلاثة فصول، ومسلسل درامي بثلاثين حلقة، وهناك مسلسل اخر بدأت بكتابته.

من يسمع مديحك العالي لهولندا والراحة التي تتمتع بها، ربما سيقول ان حمودي الحارثي بطران لكي يترك هولندا ويأتي للعراق بكل ما فيه من تداعيات ؟ بماذا ترد ؟
لست بطرانًا، لا والله، انا من هذا القاع، ومن هذا الشعب البديع الذي تربيت وترعرعت في ظله، وهذا قدر العراقيين وانا لست غريبًا عن هذه الاحداث، فمنذ 1958 الى حد الان حدثت احداث كبيرة وانقلابات كثيرة ومجازر كثيرة اصابت شعبنا بكافة طبقاته وكلهم خرجوا خاسرين، واتمنى لهذه التجربة التي يمر بها العراق ان تكون تجربة حية وان يعيش العراقيون في سلام وطمأنينة ومحبة وتسامح، فنحن بحاجة الى ان نتسامح وان نعترف بأخطائنا وبحاجة ان نبني ونساهم في بناء وطن جميل هو العراق الذي يمتلك من امكانات ثقافية وانسانية وفي كل مجالات الحياة الى جانب المجالات المادية والفنية، ويجب ان يستغلها، الا نغار من دول تمتلك امكانات بسيطة ولكنها اصبحت قبلة للعالم في التطور.

هل ضغوطات الغربة تجعلك تأتي الى النقيض الاخر لهولندا مثلاً ؟
في عام 2008 تذكرتني اللجنة العلمية في مجلس النواب وزارتني وكرمتني في هولندا وتلقيت دعوة وجئت الى بغداد، وقبلها لم افكر ان اجيء الى بغداد، لكن كان قلبي مع بغداد، قلبي على اهلي واصدقائي وناسي والمحبين والفنانين والادباء، انا اقرأ عن العراق دائمًا في اعوام الغربة واتابع الاخبار دائمًا، انا معاصر لكل ما يجري في وطني وانا في الغربة، وصدقني انني لم اشعر بالغربة، انا في هولندا اشعر بحرية كاملة وبتفكير غير محدود ولكن عائلتي واولادي مثل كل العراقيين في الخارج قلبهم على بغداد، وان كنت اعترف لك لو ان زوجتي هنا في بغداد وهي مريضة لاكلها الدود من زمان، ولولا الرعاية الهولندية لما عادت اليها صحتها، وجئت الان بعد ان نجح اولادي بتفوق، نجح الحارث كأعلامي شاب متقدم، ونجح البشير الذي رقص معي (الجوبي) في حفل لكاظم الساهر في اميركا.

هل من موقف لك في حفل كاظم الساهر هذا، اقصد هل عرفك ؟
كاظم .. قطع الاغنية التي كان يغنيها في هذا الحفل وحيا الجمهور العراقي الموجود في قاعة الاوبرا الكبيرة، عندما عرف انني وزوجتي واولادي الحارث والبشير والسندباد في القاعة، قال لجمهور الاوبرا: (هل تعرفون يا اصدقائي ويا احبائي، ما احلاه .. معنا هنا رجل شعره ابيض، كان قد اسعد العراقيين لخمسين سنة بالفن الكوميدي الاصيل، رجل مثل في اعظم مسلسل عراقي هو (تحت موس الحلاق)، انه فنان الشعب العراقي الكبير الفنان حمودي الحارثي)، هذه كلمات اسعدتني من هذا الفنان البديع.

ما حكايات الاعمال التي كتبتها ؟
المسلسل الاول عنوانه (حكايات للمدى) اتناول فيه قضية معاصرة وخصوصًا الغربة والطلبة الذي يعيشونها والناس الذين استطابت لهم الغربة، هذا العمل من الممكن ان يصور في الخارج كما يصور في بغداد، وانا رفضت ان يصور هذا المسلسل في سوريا لانني اريد ان اصور احداث بغداد في بغداد.

والمسلسل الثاني لابد ان يصور في الداخل والخارج يتحدث عن حياة انسانة مثقفة وفنانة بالفطرةتعمل موظفة وقد تخطت الاربعين عاما دون زواج ، العمل وضعت له اسمًا اوليًا كأن يكون (فلانة في مهب الريح) وسأكشف الاسم حينما يكتمل المسلسل لانني متأثر جدًا برواية (سلوى في مهب الريح) للكاتب محمود تيمور.

اما المسرحية فقد كتبتها في عام 1995 وعرضتها على الفنان الراحل سليم البصري لانه بطلها، وقد اعطاني افكارًا كثيرة جدًا، وساضيف مشاهد اخرى لسليم البصري سبق ان كتبها في تمثيليات لم تمثل، وهي موجودة عندي وساضيفها الى المسرحية ليكون ضيفًا على المسرحية، وللاسف كانت الظروف غير مواتية في السابق فلم نستطع ان نمثلها، وكانت فيها شخصية (عبوسي) الذي كبر، وشخصية سليم البصري (حجي راضي) الذي لازال في دكانه ويجلس في ركن من اركان الخان، وكان احد ابطالها ايضا الفنان سمير القاضي (دخو) وجبار عباس وراسم الجميلي وطعمة التميمي والممثل الشاب الراحل عبد الخالق المختار الذي فرح كثيرًا واراد ان يساهم في هذا العمل، وعرض عليّ وقتها المخرج الراحل عوني كرومي ان يخرج العمل فقلت له: quot;لا، او طلبت منه ان يكون معي (مخرجا ضيفا)، فقرأ النص وتمنى ان يقدمه في المانيا ولكن مع الاسف المنية وافته، والمسرحية عنوانها (بابا زنكو) وهي منطقة في محلة (باب السيف)، وهي خان موجود هناك حيث تدور الاحداث هناك، والخان هذا قلع في زمن رئيس الوزراء الاسبق طاهر يحيى وتحول الى بناية مديرية التقاعد العامة، هذا الخان المشهور كان يزود كل العراق وخصوصًا بغداد وضواحيها بالحنطة والشعير، كان مكان لجمع هذه المحصولين من انحاء العراق عبر الزوارق الخشبية التي نسميها (الدوبة)، وكان ابطال التفريغ هم الاكراد الفيلية.

هل العمل جاهز للعرض لديك ام انه عرض في مكان ما ؟
جاءتني دعوة من مدينة مشيغان في ديترويت الاميركية ودعوة اخرى من تورنتوفي كندا من الفنانين العراقيين هناك، فاستغليت الفرصة وكان لي صديق هو رجل الاعمال المعروف زهير كرمو، وهو فنان كبير منذ 40 سنة وهو رئيس فرقة بابل الكلدانية، فذهبت وجلسنا معًا هناك وقرأت المسرحية مع مجموعة الفرقة ومع خالد نونو في نادي (شنن) الذي يعد من اعظم نوادي ديترويت الذي بناه المسيحيون الكلدانيون العراقيون هناك، وجرت مفاوضات ولكنني لم اقتنع انا لاشتغله في هذا المكان لان الشخصيات في العمل (12) شخصية وتحتاج الى تفرغ وهم ليس لديهم تفرغ، بل يعملون مسرحيات بسيطة جدًا.

هل قدمتها لجهة معينة لانتاجها وعرضها ؟
لم اقدمها في بغداد لان مؤسسة السينما والمسرح بأدارتها غير جديرة بهذا العمل، وانا ارفض ان اتعاون او اعمل في هذه المؤسسة كما انني ابلغت الوزير السابق بذلك، انا غير مقتنع بعد التجربة التي مرت بها زوجتي المخرجة المسرحية (منتهى محمد رحيم) عندما رفضت المؤسسة اعادتها كما اعادت المفصولين وساكشف الاسرار بأوراق رسمية حينما يحين الوقت المناسب، وقد كان احد اسباب مرض زوجتي هو هذا الموقف اللانساني واللاخلاقي الذي مرت به امام وزير الثقافة السابق والمدير العام لدائرة السينما والمسرح الحالي، والكتب الرسمية احدهما يناقض الاخر .

هل ستظل هذه الاعمال (نائمة) لديك ام تقرر لها وقتًا معينًا ؟
ليس شرطًا ان تقدم الان، ويمكن اعتبارها اعمالاً ادبية، هي الان في مرحلة التقطيع الفني او عمل (الديكوباج) لانني احمل اعلى تخصص سيناريو اخراج سينمائي، فطريقتي هي اعداد العمل ادبيًا وكتابته ادبيًا وكتابة الملخص اولاً ثم اضع التقطيع الفني لكل مشهد، انا متأثر بمدرسة (ديسيكا) و(ليلوش) المخرج الفرنسي المعروف صاحب فيلم (رجل وامرأة) ومن بعدهم المخرج الراحل الكبير يوسف شاهين، الاعمال هذه لم اعرضها على احد ولكن هناك بعض المنتجين وبعض القنوات الفضائية طلبوا مني ان اقدمها فرفضت .

لماذا لم نرك ممثلاً خلال السنوات التي عدت فيها الى بغداد ؟
عرضوا عليّ المشاركة لكنني رفضت، عرضت قناة العراقية حينما جئت عام 2008 ، لكنني لم اقتنع بالنص على الرغم من انهم قدموا لي مبلغ نصف مليون دينار عراقي عن كل حلقة من حلقات المسلسل الثلاثين، وقلت للمؤلف ان العمل لن يضيف لي شيئًا ودعني بعيدًا وانا ما زلت في عزلتي المجيدة، وفي دمشق وعمان عرض عليّ اكثر من مسلسل لكنني رفضت كوني اقامتي هناك كانت قصيرة، ولم اقرأ اي نص صراحة .

هل لديك الرغبة للتمثيل فعلاً ؟
لديّ بالتأكيد، ان كان عندي وقت فراغ، فأنا الان في بغداد لمدة اسبوعين، وعندما يأتي احد بعمل، فهل من الممكن ان (اسلق) العمل في اسبوعين؟ طبعًا لا، الحنين للتمثيل ما زال موجودًا ولكن من الضروري جدًا ان تكون النصوص جيدة .

اعود الى اسماء ابنائك لاسيما (السندباد) منهم، لماذا هذا الاسم ؟
الحارث على اسم جدي الاكبر ، والبشير على اسم جدي الاخر، والسندباد هذا السندباد البديع الذي قطع البر والبحر، هذا الاسم الذي كنت اتهيأ به للخروج من العراق اوائل التسعينيات الى افاق ارحب وحرية غير محدودة، ولد في بغداد عام 1992، انا اسميته السندباد لانني قررت الرحيل، بعد المأساة التي عشناها بعد (احتلالنا) للكويت، وهذا خطأ كبير، كنت احاول ان اخرج منذ عام 1992 الى سنة 1996 ndash; 1997، وقلت لزوجتي ان هذا الاسم سيجعلني سندبادًا حقيقيًا من اجل اولادي، وبالفعل حققت هذه المعادلة الصعبة وصرت هناك، والان السندباء الذي غادر العراق وهو اربع سنوات الان لا يعرف حرفًا واحدًا من اللغة العربية ولكنه يتكلم بطلاقة اللغة الشعبية البغدادية واللغة الفصحى لكنه لا يعرف القراءة والكتابة بالعربية، لان التعليم لدينا فاشل، وانه خلال سنتين استطاع ان يكتب باللغتين الانكليزية والهولندية وتفوق على زملائه حتى من الهولنديين، وهذا هو دليل التعليم الناجح، وابني البشير الان في السنة الثالثة اقتصاد.