بات الطب التقليدي يستهوي الكثير من الجزائريين، ولاعتبارات اجتماعية اقتصادية متداخلة، صار مرضى السكري، ومرضى الروماتيزم والحساسية وغيرهم يفضلون متابعة العلاج عند أطباء الأعشاب، بدلاً من مراجعة الأطباء النظاميين في العيادات والمستشفيات.

كامل الشيرازي من الجزائر: تشير إحصائيات حديثة في الجزائر، إلى قرابة الألفي طبيب تقليدي ينشطون هناك، بينهم 1393 طبيب يملكون مقارًا، وفي حدود خمسمئة طبيب آخر يتنقلون عبر الأسواق والبلدات، علمًا أنّ ممارسة الطب التقليدي في الجزائر تتم بشكل غير مشروع، طالما أنّ القانون الجزائري لا يسمح بما يسميه بعضهم quot;طبًّا بديلاًquot;، ومع ذلك فإنّ نطاق هذا الطب التقليدي يتسع ويعرف منحى تصاعديًا يكاد ينافس العيادات العادية.

ويتوزع الطب التقليدي في الجزائر بين التداوي بالأعشاب، quot;الحجامةquot;، وكذلك quot;استئصال الأمراضquot; (تُعرف محليا بـquot;القطعquot;) هذا الأخير يتم توظيفه لعلاج مرض التهاب اللوزتين والسل، أو بتدليك مناطق متورمة في الجسم.
وأينما توجهت في البلاد، تلاحظ انتشار هذه الأنواع الثلاثة التي تستقطب شرائح متعددة، وتجد بين المرضى المواظبين على التداوي بهذه الطريقة، الصبي والشاب كما الكهل والشيخ، تمامًا مثل الصبايا والعجائز، يعالجون وفق مواعيد مضبوطة تماثل تلك المعمول بها لدى العيادات والمستشفيات.

بضاحية أولاد فايت (20 كلم غرب الجزائر العاصمة)، التقينا بـquot;الهاشميquot; أحد من يمتهنون الطب التقليدي، يقول محدثنا:quot;بعد طول تكوين ودراسة، انخرطت في هذه المهنة العام 2002، ومنذ ذاك الوقت وأنا أمارس التداوي بالأعشاب كأحد فروع الطب البديل، أستقبل يوميًا عشرات المرضى وأعالجهم بمواد طبيعية، بعد استعراض حالتهمquot;.
وردًا على سؤال بشأن كيفية تشخيصه لعلل مرضاه، يشرح الهاشمي أنّه يعتمد بالدرجة الأولى على الإفادات التي يقدمها له زواره، ويقوم بعدها بجملة من الفحوصات، ليقرّر بعدها طبيعة الوصفة الملائمة.

بالمقابل، يفيد حميد أنّه يمارس الحجامة لكنّ في أوقات محددة واعتبارًا لما هو منصوص عليه في الكتب العلمية، رافضًا ما يتم ترويجه عن الأطباء التقليديين واتهامهم من لدن بعضهم بالدجل والشعوذة.
ويفيد سليمان أحد من يشتغلون في مجال طب الأعشاب، أنّ هناك أطباء أخصائيين يعملون في مستشفيات معروفة، يقدمون على ممارسة الطب التقليدي، على الرغم من أنّ عمادة الأطباء تمنع ذلك بشدة.

ويشرح بلقاسم الذي يعمل رفقة والده بمحل متخصص في الأعشاب الطبية، أنّه دأب على تحضير خلطات خاصة يمزج فيها بين مواد عشبية وزيوت وعسل، ما ساعد على شفاء مرضاه من خلال وصفة واحدة، في حين يضطر مرضى آخرين إلى الخضوع للعديد من الوصفات نظرًا لاستعصاء حالتهم المرضية.
ويؤكد عثمان، حمزة، محمد السعيد وغيرهم من ممتهني الطب التقليدي أنهم تمكنوا من معالجة بعض الأمراض المستعصية، على غرار داء السكري والحالات النفسية والعصبية والعقم، وغيرها من الأمراض إلى جانب حالات مرضية بسيطة كنزلات البرد والتهاب اللوزتين.

ولدى زيارتنا عددًا من quot;العياداتquot; التقليدية بوسط وضواحي الجزائر العاصمة، شد انتباهنا عدد هائل من المواطنين الذين أتوا إلى هناك، وهم يمنّون أنفسهم بعلاج يضع حدا لآلامهم، ويأتي هؤلاء المرضى من مختلف المحافظات، ولا يترددون عن عناء الانتظار لأوقات طويلة قبل أن تحين أدوارهم، ويروي سعيد الذي قطع مسافة تربو عن الثلاثمائة كيلومتر، أنّه خضع للفحص الشفوي وجرى نصحه باستعمال عشبة طبيعية ملائمة لداء الروماتيزم الذي يشكو منه منذ أعوام.
ويبرر كريم، علي، سليم، وكذا ربيعة، كريمة وتسعديت وغيرهم من المتهافتين على الطب التقليدي، اهتمامهم بالأخير لكون عللهم استعصت على الأطباء العاديين، وأصبح أملهم معلّقًا على وصفات طبيعية قد يكون مفعولها حاسما بأدوية كيميائية لا تغني ولا تسمن من جوع، على حد تعبير أحد من استجوبناهم.

بيد أنّ المقلق، يكمن في أولئك الدخلاء الذين يزاولون الطب التقليدي، رغم افتقادهم لأي مؤهل علمي، ولا يتحرج هؤلاء بحسب شهادات حية من المتاجرة في الأعشاب الطبية وتحضير وصفات، على الرغم من انتفاء صلتهم بمهنة نبيلة يُفترض أنّها في منأى عن العشوائية والمزايدات.
كما يبدي متابعون احترازهم إزاء عامل النظافة في الطب التقليدي ولا سيما حين يُمارس في الأوسط الشعبية كالأسواق، إلى جانب ما يلف عدم إخضاع المواد العشبية والعقاقير المستخدمة في الطب التقليدي إلى تجارب تثبت سلامتها وعدم تأثيرها سلبًا على مستهلكيها، في وقت تفتقر البلاد إلى فرق رقابة مختصة في هذا المجال، رغم أنّ مراجع محلية تشير إلى حالات عديدة لمرضى عانوا الأمرين بعد خضوعهم لدورات علاجية في الطب التقليدي.
بمنظار ممارسي الطب الحديث، فإنهم يشككون في مقدرة الطب التقليدي على مداواة أمراض هي من اختصاص خريجي الكليات الطبية العليا، بهذا الصدد، يشدّد الدكتور quot;محمد بقاط بركانيquot; رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، على أنّ استعمال الطرق العلاجية التقليدية قد تكون صالحة في حالات بسيطة مثل نزلات البرد أو الحمى، لكنها لا يمكن ndash; بحسبه ndash; أن تشفي المريض من علل معقدة، ويضيف د/بركاني:quot;الأعشاب تكمّل الأدوية ولا يمكن أن تحل محلهاquot;، مبرزا أنّه من الأجدى تطبيق الأساليب الحقيقية والحديثة للطب الذي يجري تلقين أصوله في الجامعات والأكاديميات المتخصصة.

ويحذر د/بركاني مثل الدكتور quot;محمد دوليباquot; وكذا د/quot;أحمد بوبكرquot;، من كون الطب التقليدي ينطوي على كثير من الممارسات المشبوهة التي لا تمت بأي صلة للطب، ويجزم د/بركاني أنّ quot;الحجامة من الناحية العلمية لا فائدة منهاquot;، لذا يدعوا المرضى إلى التوجه إلى الأطباء المختصين للتداوي من الأمراض بطرق علمية متطورة، بدل الخضوع لطب الأعشاب quot;القديمquot; الذي يستحيل اعتباره بديلاً عن الطب الحديث، على حد تأكيد بركاني.
ويُجمع الأخصائيون الثلاثة على كون الأعشاب والمواد الطبيعية يمكن أن تشكل أخطارا على المرضى، تبعا لاحتوائها على مكونات سامة يجهلها الطبيب التقليدي ومرضاه، ويعتبر د/بوبكر أنّ إقبال المواطنين على الطب التقليدي، هو بمثابة quot;فقدان للثقةquot; في منظومة الصحة الرسمية، فيما يدرج الأستاذ quot;رياض ماسيquot; الأمر إلى عارض اقتصادي، حيث يحبذ مواطنوه العلاج التقليدي تبعًا لمحدودية الإنفاق عليه، مقارنة بما هو حاصل في الطب العام وما يرافقه من غلاء الأدوية.