تحديات 2010 فرضت التغيير الحكومي في المغرب |
تزامن التعديل الوزراي في المغرب مع اقتراب محطة اختيار رئيس جديد لمجلس النواب في إبريل (نيسان) المقبل، ومن المتوقع أن تضطر السلطات العليا في الرباط، للموافقة على سابقة تنحية الرئيس الحالي للمجلس مصطفى المنصوري. ولا يستبعد عدد من المحللين السياسيين في المغرب، عودة قوية محتلمة للراضي إلىرئاسة مجلس النواب.
رجحت مصادر متطابقة أن يكون التعديل الجزئي الذي أدخله العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم الاثنين، على حكومة عباس الفاسي، امين عام حزب الاستقلال، وهو الثاني منذ تشكيلها قبل أكثرمن سنتين، تمهيدا لإعادة ترتيب المشهد السياسي في البلاد، مع اقتراب محطة اختيار رئيس جديد لمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) في إبريل (نيسان) المقبل، وانسجاما مع ما أعلنه العاهل المغربي أخيرا بخصوص انخراط البلاد في سياسة الجهوية ( لامركزية) الموسعة، كخيار ديمقراطي تفرضه إكراهاتالحاضر وتحديات المستقبل وآماله .
ولاحظت المصادرذاتها ان السلطات العليا في البلاد، قد تجد نفسها مضطرة للموافقة على سابقة تنحية الرئيس الحالي للمجلس مصطفى المنصوري، من حزب التجمع الوطني الأحرار، الذي فقد تماسكه الظاهري، بعد احتدام النزاع بين جناحين في المكتب التنفيذي للحزب، أحدهمايمثله رئيسه المنتخب، المنصوري، والثاني يتزعمه وزير المالية والاقتصاد، صلاح الدين مزوار، الذي تشبهه الصحافة المغربية بالصاروخ الموجه نحو هدف إزاحة المنصوري من الرئاستين: الحزب ومجلس النواب. وتقوى هذا الاحتمال بعد أن أصبح الرئيس السابق للمؤسسة التشريعية، عبد الواحد الراضي quot;عاطلاquot; عن العمل الر سمي، بفقدانه في التعديل الأخير، منصب وزارة العدل، الذي سبق أن قبله إرضاء لرغبة الملك محمد السادس الذي حرص على أن يكون على رأس القطاع الصعب، شخصية ذات حضور حزبي وازن يمكنها من إنجاز إصلاح القضاء الذي شكل لازمة في عدد من خطب العاهل المغربي منذ توليه الحكم قبل أكثر من عشر سنوات، مثلما أعيا نفس القطاع، والده الراحل الحسن الثاني
ولا يستبعد عدد من المحللين السياسيين في المغرب، عودة قوية محتلمة للراضي إلىرئاسة مجلس النواب، بل يوجد من يرشحه لرئاسة الحكومة في حالة عدم إكمال الفاسي ولايته التي تنتهي دستوريا عام 2012.
ويستند المراهنون على هذا السيناريو، كون الراضي يتمتع بطائفة من الخصال السياسية لا تجتمع كلها في غيره من زملائه النواب، فهو أقدم برلماني، راكم خبرات برئاسته مجلس النواب لولايتين متتاليتين، وقبلها رئاسة الفريق النيابي لحزبه، إذ استطاع أن يتأقلم بسلاسة مع الملك الراحل الحسن الثاني، ويستمر في نفس النهج مع عاهل المغرب الحالي، وأن يكسب المؤسسة التشريعية سمعة في الخارج أكثر من الداخل،من خلال الدبلوماسية البرلمانية التي وظف فيها علاقاته الشخصية والرصيد المعنوي الذي يتمتع بها حزبه quot;الاتحاد الاشتراكيquot; في الخارج
لكن نجاح الراضي الأبرز، إنما يتجلى داخل عائلته الحزبية، حيث تمكن بعد انتخابه أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في أجواء مؤتمر عاصف وبأسلوب ديمقراطي،من الحفاظ على وحدة الحزب والحيلولة دون تشرذمه، بل إنه أفلت بمهارة من القرار الذي الزم به نفسه بالتفرغ لشؤون الحزب، وعدم قبول أي منصب حكومي في حالة نيله ثقة المؤتمر واختياره أمينا عاما.وحينما طلب منه الملك محمد السادس الاحتفاظ بحقيبة العدل، عاد إلى أجهزة الحزب وأقنعها أنه ليس من المصلحة والأعراف السياسية، الاعتذار عن قبول تولي مسؤولية اختاره لها ملك البلاد الذي خص الراضي، أثناء استقبال الوزراء الجدد، بثناء وإشادة خاصة.وهو ما يعني في التقاليد المغربية أمرين:إما التوديع بصفة نهائية، وهو تأويل مستبعد على اعتبار أن الراضي ما زال في صدارة الواجهة الحزبية والسياسيةأوالمكافأة بما هو أفضل.
الى ذلك ،يجب عدم التقليل من الإنجاز الأخر الذي حققه الراضي في حزبه،بإسكاته أو تحييده لأحد الأصوات الغاضبة في القيادة. ويتعلق الأمر بالمحامي ادريس لشكر ،الذي أخفق في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، وهو الذي كان يرأس فريق الحزب في مجلس النواب، ما شكل له مفاجأة صادمة، ترتب عنها استبعاده من أي منصب وزاري، لتكون أزمته وغيرها من التداعيات منطلق المسلسل الدرامي الذي انتهى بإقالة/ استقالة الأمين العام السابق محمد اليازغي، وزير الدولة في الحكومة الحالية.
ويعتبر دخول لشكر للحكومة، كوزيرللعلاقات مع البرلمان، إسكاتا أو تهدئة للأصوات الحزبية الأخرى التي تنادي بعودة الاتحاد الاشتراكي للمعارضة.
وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الجديد quot;لشكرquot; دخل في علاقات غزل سياسي محتشم ، حسب بعض الصحف المغربية،مع الشخصية المؤثرة في المشهد الحزبي المغربي الراهن .أي الوزير السابق في الداخلية ، فؤاد عالي الهمة،صديق الملك ،ورفيق دراسته ، الذي تمكن في ظرف قياسي، من بناء حزب كبير بسرعة على أنقاض تشكيلات صغيرة وفرض مرشحه الصحراوي ،محمد الشيخ بيد الله ، رئيسا لمجلس المستشارين ، علما أن حزب الهمة quot;الأصالة والمعاصرةquot; يمارس دور المعارضة، وإن كانت مبادراته الأخيرة، غطت على ما تقوم به الغالبية الحكومية في بعض القطاعات.
ولا يمكن لهذا الوضع السياسي المرتبك، برأي الملاحظين، إلا أن يكون مؤشرا على رغبة وإرادةفي إعادة ترتيب البيت السياسي الداخلي ، بدءا من المؤسسة التشريعية إلى الحكومة التي يمكن أن تخضع لعملية جراحية ثالثة في غضون الأشهر المقبلة خاصة وأن الدواعي إليها متوفرة
وستجد التغييرات المتوقعة،مبررها وسندها في متطلبات ورش الجهوية(اللامركزية) الكبيرالذي فتحه العاهل المغربي،ما يقتضي إعادة الحياة والحيوية إلى البرلمان بغرفتيه حتى يقام توازن وتكامل جديد في الأدوار بينهما،وهو أمر متعذر حاليا بين الرئيسين،بيد الله،المدعوم من quot;الهمةquot;،والمنصوري،الذي أصبح شبه أعزل، بل يتحدث شخصيا عن نهايته كرئيس لمجلس النواب،بسبب الشرخ العميق الحاصل في حزبه والذي يستعد quot;الهمةquot; لاقتناء أصله التجاري وإضافته إلى عمارة quot;الأصالة والمعاصرةquot;.
يبقى السؤال،هل يقبل الراضي،أن يملأ الفراغ في مجلس النواب أو في غيره،بدون مقابل سياسي كبيرينتفع منه حزبه، لإنقاذه من الوهن الذي اعتراه جراء المشاركة في الحكومة؟
الراجح أن مفاصل مؤثرة في غرفة القيادة صانعة القرار السياسي في المغرب ، باتت أكثر اقتناعا بجدوى استمرار الاتحاد الاشتراكي ضمن قاطرة السلطة،ولذلك سارعت إلى إبعاد ما تبقى ما تبقى من حزب المهدي بنبركة ،عن منطقتي الخطر: المعارضة والنزول إلى الشارع أو التحالف الاضطراري مع حزب العدالة والتنمية الأصولي.
وإذا سارت التطورات في هذا المنحى،فستتأكد الأطروحة التقليدية القائلة quot;لا غنى عن الاتحاد الاشتراكي،قويا أوضعيفا في المعارضة أو الحكم quot;،فهو ملح طعام السياسة في المغرب، التي تخفي بهارات أخرى ستكشف عنها الأيام أو الشهور المقبلة.
التعليقات