هكذا تقلع الطائرات وتهبط والخلل يظهره الصندوق الأسود آثار الكوارث على الجماعة: عوارضها وعلاجاتها لبنان يعود إلى هموم الإنتخابات البلدية بعد الصدمة مأساة الطائرة الإثيوبيّة تضع الخلافات في الثلاجة موقتًا الكارثة وحّدت اللبنانيّين بقدر ما آلمتهم حداد وطني في لبنان وعمليات البحث مستمرة |
بيروت: بدا المشهد مؤثرًا عند دخول رئيس الحكومة سعد الحريري قاعة الشرف في مطاربيروت حيث تجمع أهالي ضحايا الطائرة الأثيوبية، قبل أن ينضم إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ استقبلوه بالدموع والسؤال عن مصير أحبائهم فرد عليهم مواسيًا زارفًا الدمع هو الآخر، معانقًا كل من التقى بهم مدركًا ما يعتمر قلوبهم ونفوسهم من حزن وألم، وهو الشاب الذي خبر هذه التجربة القاسية برحيل الأب والزعيم والرئيس الذي ملأ وطنه والدنيا وشغل العالم.
بدا الحريري متماسكًا على الرغم من حجم المأساة التي حلت بلبنان، فتصرّف كرجل دولة بكل ما تعني هذه الكلمة من تحمل للمسؤولية والاقدام، وانعكس ذلك على سائر الوزراء الذين تواجدوا في المكان حيث بدا كل منهم في سباق مع الزمن وهو يؤدي المهام المنوطة به والعائدة الى وزارته.
لم يكتفِ الطاقم الحكومي ورئيسه بما يفعلونه، فإذ بهم يستقلون طائرة هليكوبتر راحت تحلق فوق المكان الذي سقطت فيه الطائرة بالقرب من الشاطئ اللبناني لمراقبة عملية البحث عن الركاب المفقودين والتأكد من حسن سيرها. من شاهد الشريط المصور الذي التقط داخل الطائرة لاحظ العيون الشاخصة الى البحر وكأنها تسأل عما يمكن فعله وتترقب ان يطفو أحد الناجين على السطح فيشكل ظهوره أملاً يعودون به الى من أصابتهم الفاجعة في الصميم.
أمام تسارع الأحداث وهولها ثمة من تنبه الى خطأ ارتكب بوجود عدد من كبار اركان الدولة معًا على متن طائرة واحدة تحلق في أجواء عاصفة شبيهة بتلك التي أطاحت بالطائرة الأثيوبية. لقد كان هناك رئيس الحكومة سعد الحريري ونائبه وزير الدفاع الياس المر، ووزراء الأشغال العامة والنقل والداخلية والصحة غازي العريضي وزياد بارود والدكتور محمد جواد خليفة، ومعهم قائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي. والعالمون بالتدابير الحترازية والاجراءات الأمنية وما يعرف باستمرارية الحكم يدركون جيّدًا خطورة ما جرى وضرورة عدم تكراره.
هذا ولاقى تحرك الدولة بكل اركانها ومسؤوليها وقطاعاتها، فور تبلغهم نبأ الحادثة، ترحيبًا واسعًا لدى كافة الاوساط السياسية والشعبية التي راحت تتابع منذ الصباح الباكر المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في حضور نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر، وقبله وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي الذي كان اول من تحدث في الموضوع وأدلى بمعلومات أولية حوله.
وأجمعت وسائل الاعلام على التنويه باداء الرئيس الحريري وانسانيته خصوصًا انه يخوض تجربة رئاسة الحكومة للمرة الأولى، كما خص كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس الهيئة التنفيذية لـ quot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع في كلمتيهما اللتين القياهما اول من امس الدولة والحكومة بعبارات المديح والثناء على الجهود التي بذلتها في التعاطي مع الحدث الذي اهتز له لبنان.
واذا كانت المصيبة التي حلت بالوطن جراء حادث الطائرة الأثيوبية ساهمت في ارجاء الجلسة النيابية التي كان يتوقع لها على ان تكون quot;عاصفةquot; بفعل الخلاف الدائر حول تخفيض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة وربطه بأحقية المغتربين الادلاء بأصواتهم، فإن اصداء هذا الخلاف ما زالت تتردد هنا وهناك، خصوصًا بعد ان شاء القدر ان يكون العدد الأكبر من ضحايا الطائرة اللبنانيين مغتربين هاجروا من الوطن بحثًا عن لقمة العيش أو اللقمة المغمسة بالدم على حد قول رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الذي كان أول من أضاء على هذه القضية، والتي لامسها السيد حسن نصر الله بدعوته quot;لأن تكون هذه الحادثة الأليمة مناسبة لإصغاء المسؤولين جميعاً الى مطالب المغتربين وخصوصًا في افريقيا لأن لديهم مطالب محقة ولديهم مشكلات كبيرة تواجه سفرهم وإقامتهم وذهابهم وإيابهم quot;.
وقد كان لافتًا في تناول بعض الاطراف المحسوبة على المعارضة حادثة الطائرة بالوقوف عند الطائفة التي ينتمي اليها الضحايا والمفقودين بعد ان تبين ان 40 منهم من أصل 54 من الطائفة الشيعية، وهناك من تمنى على البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير التنبه لهذا الأمر كونه يردد عند حديثه عن المغتربين بأن غالبية هؤلاء هم من ابناء الطائفة المسيحية الذين غادروا لبنان بعد ان تعذر عليهم الحصول على فرص عمل فيه أو جراء الحروب والاوضاع المضطربة التي مر بها.
هذا وتتوقع اوساط نيابية متابعة للاتصالات واللقاءات الجارية المتعلقة بمصير مشروع قانون تعديل سن الاقتراع ان يعود السجال حوله بعد تراجع العاصفة المأساوية التي أحدثتها قضية الطائرة، وان يثار من جديد تخوف المسيحيين من quot;تعاظمquot; عدد المسلمين في حال اقرار المشروع المذكور والطلب لمجابهته الاستعانة بـ quot;احتياطيquot; المغتربين الذين يُظن ان غالبيتهم مسيحيون فيما لا تملك الدولة حتى الساعة احصاء عن انتماءاتهم الطائفية. كما ان هناك معلومات شبه مؤكدة تشير الى ارتفاع نسبة المهاجرين من أبناء الطائفة الشيعية على غيرها من الطوائف في السنوات الخمس الأخيرة.
واذا ما اضيف الى ما سبق تساؤل النائب وليد جنبلاط قبل توجهه الى لندن عن المعايير التي ستعتمد في التعاطي مع اكثر من 5 ملايين شخص متحدر من اصل لبناني، أي اكثر من عدد سكان لبنان، لظهر المشهد السياسي ضبابيًا ينذر بالمزيد من السجال ذو الطابع الطائفي، الأمر الذي قد يرجئ موضوع البحث في تعديل سن الاقتراع الى أجل غير مسمى آخذاً بدربه اقتراح رئيس البرلمان نبيه بري انشاء الهيئة العليا لالغاء الطائفية، وان كان الأخير مصرًّا على المضي باقتراحه حتى النهاية ليتبين للناخبين الذين اقترعوا للمنادين بالغاء الطائفية من هو الذي التزم بوعده ومن نكث به عند أول امتحان على قوله.
التعليقات