يعد البشير الدخيل من الشخصيات الصحراوية المعروفة. عاد إلى المغرب قبل حوالي عشرين سنة بعد أن كان أحد مؤسسي البوليساريو وأحد قادتها العسكريين. معروف بشجاعة رأيه في ملف الصحراء، لا يهادن ولا يبحث عن ترضية الخواطر، ينشط حاليا في العمل الجمعوي.
في حوار مع القيادي السابق في جبهة البوليساريو، البشير الدخيل، عن انتفاضة الصحراويين في مدينة العيون ومطالبهم الاجتماعية، كما يتوقع فشل مساعي كريستوفر روس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الذي يقوم حاليا بجولة في المنطقة. مواضيع أخرى يثيرها الدخيل متجنبا توظيف لغة الخشب.
-هناك حوالي 14 ألف صحراوي أقاموا الخيام خارج مدينة العيون للاحتجاج على التهميش الذي يطالهم، هل كنتم تتوقعون أحداثا مثل هذه؟
طبعا كنت أتوقعها، فمنذ 35 سنة عاشت المنطقة أحداثا كثيرة فيها الإيجابي وفيها السلبي، اختلطت فيها الكثير من الأوراق. ما يقع حاليا، ولو أن له طابعا اجتماعيا صرفا، برهان على أن الدولة لم تأخذ بعين الاعتبار عدة أمور.
-مثل ماذا؟
كانت هناك بنية اجتماعية مبينة على القبيلة في المناطق الصحراوية، تخضع لتراتبية معينة، كما أنها كان هناك تعايش سلمي، الدولة تجاوزت هذا المعطى بل حاولت القفز عليه. ما يحدث في العيون تأكيد على ما قلته، إنها طريقة احتجاج فريدة من نوعها،.لا بد من التأكيد أن هناك الجيل الرابع في الصحراء بعد حدث المسيرة الخضراء، جيل واع ومدرك لكثير من الأمور، له أمل كبير في الدولة، ومتأكد أنها في صفه. رفض هذا الجيل التجاوزات التي حدثت وتحدث.
-ما طبيعة مطالب هؤلاء الصحراويين؟
إنهم يطالبون بالإنصاف، بالتساوي في الحقوق، هم لا يرغبون في حقوق غيرهم.
-كيف ترى تسييس البوليساريو لهذه المطالب؟
للبوليساريو أجندة خاصة به تركز على استغلال كل وسيلة لتشويه صورة المغرب لدى الرأي العام الدولي، إنه يسعى إلى تحويل كل مطلب اجتماعي إلى مطالب سياسية، إنه يهدف إلى خلق انتفاضات داخل المغرب. البوليساريو يعيش على أخطاء المغرب، هذا لا يعني أن الدولة المغربية لم تقم بأي مجهود إصلاحي، لكنها لم تصل بعد إلى القلب النابض للمشكلة.
-ماذا تقصد بالقلب النابض للمشكلة؟
الرأي العام الصحراوي مهمش إلى حد الساعة، لا أرى داعيا لإقناع المغاربة بمغربية الصجراء، نحتاج إلى إقناع الرأي العام الدولي. في الصحراء هناك كثير من الزبونية وعدم تقدير خطورة الواقع.
-هل تعتقد أن مشروع المغرب بخصوص الجهوية سيكون السبيل إلى حل مشكلة الصحراء؟
الجهوية الموسعة أو الحكم الذاتي ليست حلا لمشكلة الصحراء فقط، بل حل يستجيب لمطالب كل جهات المغرب. نرى أن العالم الديموقراطي (من أستراليا إلى أمريكا مرورا بإسبانيا وألمانيا ....) بني على نوع من الجهوية، فهي مبنية على لا تمركز السلطة وتراعي خصوصية كل جهة على حدة وتشجع على التنافسية.
-تعتقد أن المغرب سيترك للصحراويين حرية تدبير جهتهم دون تدخل؟
إذا كان المغرب يريد حلا سلميا وسليما فلا خيار له عن الحكم الذاتي.
-في هذه الحالة، من سيمثل الصحراويين إذن، هل البوليساريو لوحدها؟
البوليساريو منظمة صحراوية ينضوي تحتها جزء من الصحراويين، في جو ديموقراطي يجب السماح لجميع ممثلي الصحراء بالحق في تمثيل الصحراويين. غير منصف أن تمثل البوليساريو الصحراويين، فلا بد من مراعاة الرأي العام الصحراوي في تعدده.
-نعود إلى قضية اعتقال ولد سلمى، من قبل البوليساريو بعد إعلانه عن تأييده لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب، كيف ترى هذا الاعتقال؟
لقد زاغ البوليساريو عن أهدافه التي كانت وراء إنشائه منذ أن أصبح وسيلة قمعية تأتمر بأوامر القادة الجزائريين. أصبحت الجبهة تعتقل وتعذب المعارضين، وللتذكير ما يزال الخليل ولد أحمد حتى يومنا هذا معتقلا في سجن الباطنة الجزائري، لقد أصبحت البوليساريو قوة إرهابية كبيرة. أنا ذقت من هذه القوة وحوكمت مرتين بالإعدام عامي 1975 و1978، لكنني، على عكس شهداء آخرين، كنت محظوظا لأنني ما زلت على قيد الحياة. لقد قتل أمامي مولاي أحمد البوكرفاوي رميا بالرصاص.
-يقوم حاليا كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء بجولة في كل من الجزائر وموريتانيا والمغرب، هل تتوقع نجاح مساعي هذا الديبلوماسي الأميركي في إجلاس الأطراف على مائدة الحوار ثم التوصل إلى حل على المدى المتوسط أو البعيد؟
هناك قاعدة عند الرياضيين، وهي أن أية معادلة بنيت على باطل فإن نتائجها ستكون باطلة. الأمم المتحدة طرحت فكرة تقرير مصير ساكنة الصحراء عام 1960، بعد ذلك تدخلت الجزائر وبدأت تتحدث عن تقرير مصير الشعب الصحراوي، في إشارة إلى البوليساريو التي تعتبرها الممثل الوحيد والشرعي. هكذا بدأت البوليساريو تحاول وتفاوض باسم الشعب الصحراوي.
هناك نقطة أخرى، وهي أن المغرب قدم أخيرا مقترحا مهما يخص منح الصحراء حكما ذاتيا، بينما لم تستطع البوليساريو اقتراح أي مشروع، ظلت متشبثة بفكرة واحدة وهي تقرير المصير، هذه الفكرة كان قد أكد الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان على استحالتها، لأن الكتلة الناخبة غير معروفة ولا يمكن تحديدها وقد فشلت الأمم المتحدة في هذا الأمر. قبل روس كان مكانه جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وقد انتبه إلى استحالة تحديد الصحراويين المسموح لهم بتقرير المصير، فاقترح خطة ثالثة مبنية على الحكم الذاتي، وهو المشروع الذي رفضته البوليساريو.
كريستوفر روس لم يأت بجديد، دوره الآن مقتصر على تنظيم لقاءات، وأنا متأكد أن روس لن ينجح في مساعيه.
-نعود إليكم البشير الدخيل، كنتم أحد مؤسسي البوليساريو، تقلدتم مناصب في الجيش وفي الإعلام وفي الديبلوماسية قبل أن تقرروا الالتحاق بالمغرب، لكن بعد عودتكم قبل أزيد من 19 سنة لم تسند لكم مناصب شأن كثير من العائدين، هل تشعر بالغبن أو التهميش؟
لا يعجبني لعب دور الضحية. ما أعرفه أن هناك أوساط في الصحراء تتساءل عن المعايير التي تعتمدها المملكة المغربية لاختيار أشخاص في مناصب سامية وحساسة. لقد استجبنا لفكرة quot;إن الوطن غفور رحيمquot;، لم أكتف بدخول المغرب بل قمت بإدماج عائلتي. بعد 19 سنة على عودتي مازلت أتساءل، مثل الصحراويين، عن معايير اختيار مسؤولين دون سواهم. هناك نوايا غير صادقة تحاول أن تنقل صورا غير حقيقية إلى الملك.
-هل هذا يشعرك بالندم على عودتك؟
أنا لا أشعر بالندم على اختياري العودة، وما قلته لا يمنعني من التعبير عن أفكاري والمساهمة في الدفاع عن العيش الكريم لعموم المغاربة صحراويين أو غيرهم، بالإضافة إلى الدفاع عن دولة ديموقراطية تحت قيادة محمد السادس.
التعليقات