يتأرجح مقعد الرئاسة الروسي بين كفتي ثنائي القيادة في البلاد، الرئيس دمتري ميدفيديف، ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من حميمية العلاقة بين الرجلين، الا أن طموح الفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2012 ما برح يغازلهما، لاسيما ان اقتناص المقعد في تلك الانتخابات سيؤهل صاحبه للجلوس على مقعد الكرملين لمدة تتراوح ما بين 6 الى 12 عاماً، ولا يعني ذلك سوى أفول نجم الخاسر. وقد تعطي تلك المعطيات مؤشراً حتمياً لاشتعال المنافسة، التي تبدو خفية حالياً بين حليفي الماضي في المستقبل المنظور.


موسكو: يرصد المراقبون بدقة كل حركة من حركات ثنائي القيادة الروسية: الرئيس دمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين ليفهموا فيما اذا توصل الزعيمان إلى اتفاق نهائي على من سيكون المرشح من بينهما للانتخابات الرئاسية في عام 2012، ويحللون اقوالهم باعتناء ليستكشفوا ما وراء الحروف، ولا يفوت الصحافيون فرصة لإلقاء السؤال في كل لقاء مع احدهما، عما اذا سيرشح كل منهما نفسه لمنصب الرئيس في انتخابات 2012.

وتتطلع القراءات إلى التنبؤ فيما إذا سينفرط عقد التحالف الثنائي (بوتين/ميدفيديف) كما حدث ان انفرط عند فجر عملية اعادة البناء (البيريسترويكا) في منتصف الثمانينات، عقد التحالف بين الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف وحليفه رئيس روسيا الراحل بوريس يلتسين، الذي مهد لانهيار الدولة العظمى، التي كان اسمها الاتحاد السوفياتي. والسؤال الاهم فيما اذا كان بوتين يعد نفسه للعودة الى قصر الكرملين رئيسا لروسيا ولفترة قد تمتد الى 12عاما، ولاسيما ان استطلاعات الرأي العام كلها تشير الى ان شعبية بوتين ما زالت تتقدم على مستويات شعبية كافة الساسة الاخرين، وثقة الناخبين به ما زالت عالية.

بوتين ومنتقدوه

يقول مصدر مقرب من الكرملين :quot;إن روسيا ستشهد قبل الانتخابات الرئاسية عام 2010 تنافسا شديدا حتى بالمقاييس الغربية بين الرئيس دمتري ميدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، وذلك عكس الافتراضِ الخاطئ بأن توافق الثنائي الحاكم لا يسمح بالتنافسquot;. وتتحدث بعض المراكز عن تنامي التنافس بين فريقي ميدفيديف وبوتين.

ويرى خبير الشؤون السياسية ألكسي ماكاركين أن لكلٍ من رئيس الدولة ورئيس الحكومة جمهوراً يختلف عن جمهور الآخر. وكلٌ منهما يعمل لتعزيز مواقعه لدى جمهوره.

وأدرج بعض المراقبين جولات فلاديمير بوتين الاخيرة في المناطق النائية في الشرق الاقصى، والاستعراضات التي قام بها للمحافظة على صورته البطولية في أذهان الناس، جاءت لأهداف انتخابية. ولم يتأخر الرئيس ميدفيديف عن التنافس من أجل إنقاذ شعبيته التي تضررت كثيراً جراء حرائق الغابات. فشارك في فعاليات مسابقة السيارات في بطرسبورغ، ومن ثم أمضى امسية في أحد مطاعم موسكو مع مغني الروك الروسي.

وتقول رئيسة قسم دراسة النخب في معهد علم الاجتماع، التابع لأكاديمية العلوم الروسية اولغا كريشتانوفسكايا في حديث صحافي، ان فصل الانتخابات المرحلية (برايميرز) بدأ في روسيا. موضحةquot; ان زعيمينا ـ مدفيدف وبوتين ـ اتفقا على الترشيح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وانهما تحدثا مرارا عن ان قرارهما سيعود الى الوضع السياسي المترتب والى من سيرغب به شعب روسيا، لاحتلال منصب الرئيسquot;. وعادة ما يتشكل، في عصر الانتخابات المرحلية، حول كل متنافس محتمل على منصب الرئيس فريق من أنصاره بالفكر والبرنامج السياسي.

ويرى الخبير السياسي بافل سفياتينكوف ان :quot;الانتخابات في الدوما (المجلس الادنى للبرلمان الروسي) استعملت في روسيا ليس كأسلوب لتغيير السلطة، لان لدى البرلمان صلاحيات قليلة، بل لغرض الانتخابات المرحلية، حيث ان تنافس القوى السياسية هناك، يعطي مفهوما الى اي جناح يميل الميزانquot;.

ويرى عالم السياسة الكسي فوربيوف ان quot; البرلمان سيكون بمثابة الشاشة التي يمكن من خلالها جس نبض الرأي العام ـ وردة فعله على محاولة فريق ميدفيدف طرحه كمرشح وحيد ووضع حد لوجود خيارين والثنائية في الانتخابات القادمة.

وحسب رأيه فان الرئيس المقبل سيحتفظ بمنصبه من 6 الى 12 عاما، واذا ما فاز ميدفيديف فان هذا سيعمل على إضعاف مواقع بوتين وربما غيابه عن الساحة السياسية، وسيكون من الصعب عليه ترشيح نفسه لمنصب الرئيس بعد ان يترأس ميدفيديف البلاد لدورتين، لان المجتمع لن يعود يتعاطى معه كزعيم للامة.

سيناريوهات مفتوحة

وفي ظل هذا الوضع فان المراقبين يرون بتحركات ميدفيديف وبوتين على انها تأتي في الحملة لتعزيز المواقع، ويضربون مثلا بذلك بسفرة بوتين بسيارة قادها بنفسه على طريق خابروفسك ـ تشيتا في الشرق الاقصى، اما ميدفيديف فقد شارك في سباق سيارات بطرسبورغ ـ كيف في سيارة quot;النصرquot;.

ويمكن ايضا الاشارة الى مراسم تنصيب عمدة موسكو الجديد سيرجي سوبنيان. فقد زار الرئيس المراسم الاحتفائية، اما بوتين فقد قلد حاكم العاصمة وسام quot; ستوليبينquot;. ان هذه الصورة تشير الى وجود تنافس خفي بين مديفيديف وبوتين لإشغال منصب الرئيس في الانتخابات المقبلة، على الرغم من ان سيناريوهات الترشيح ما زالت مفتوحة، ومن السابق لأوانه تأكيد أن احدهما قد حسم نفسه لها كليا.

ومن خلال الحديث المطول الذي ادلى به لصحيفة كوميرسانت الليبرالية، طرح بوتين برنامجه الانتخابي الذي قد يجد قبولا لدى شرائح اجتماعية واسعة تبحث عن زعيم للامة يقبض بيد فولاذية على مقود quot;سفينةquot; الدولة التي تتأرجح في سيرها، ولكنه لم يجد سوى الامتعاض من المعارضة الليبرالية لانها تتوجس من الرجل انه quot;جاء ليبقىquot;. ويرى بوتين أن كيان الدولة الروسية لا بد له ان يكون صلبا في وجه التحديات الداخلية والخارجية. وتابع: quot;إنني ارى أنه علينا تشكيل الآلية الثابتة لكيان الدولة الروسيةquot;

واذا كان بوتين، الذي يتفق الجميع بأن اهم انجاز قام به هو تعزيز اركان الدولة الروسية، واعادة بعض مواقعها على الساحة الدولية، وتحسين البنية التحتية، فضلاً عن التحسن الذي طرأ في عهده على الاحوال المعيشية لشرائح اجتماعية واسعة، ونجح في إحلال الاستقرار فان المعارضة الديمقراطية ترصد ان الاستقرار قد يؤدي الى الجمود، وان المجتمع الذي يخطط له بوتين سيكون مجتمعا مغلقا ولا يقوم على مؤسسات، مدللين على ذلك بقوله انه سيتدخل للحيلولة دون بناء دولة متوازنة من كافة النواحي. وبتخوفهم من الاعتماد على النظام السياسي للمرحلة الانتقالية. ويستثمر انصار ميدفيديف هذا الموقف للقول إن روسيا بحاجة الى طفرة للعصرنة والتحديث، وان الرئيس الحالي قادر على تحقيق هذا الهدف.

وتنتقد اقطاب المعارضة تنتقد بوتين على مغالاته في اقامة نظام مركزي، عطل المبادرات المحلية والاجتماعية وألحق الضرر بمؤسسات المجتمع المدني. ولكن يبدو ان لدى بوتين حقيقة اخرى تؤمن بان المرحلة الانتقالية وتقوية عود روسيا، بحاجة الى مركزية مستنيرة وفترة لإتقان ممارسة الديمقراطية حقة لم تنته بعد. ولكن ميول الرأي العام العريضة تميل اكثر لخطاب بوتين، وتنظر بشكوك لنوايا المراكز الليبرالية.