خبا بريق الاحتجاجات العارمة التي شهدتها فرنسا ضدّ قانون إصلاح نظام التقاعد الذي تقدم به الرئيس ساركوزي، وعكست الأعداد القليلة للمتظاهرين في ما اعتبر آخر احتجاج تشهده مدن فرنسا السبت، الانشقاقات والخلافات التي هزت وحدة الصفّ النقابيّ وأثرت على سير التظاهرات.


باريس: تظاهر الآلاف السبت في فرنسا ضد قانون إصلاح نظام التقاعد، لكن حالة التعبئة ضد مشروع الرئيس نيكولا ساركوزي هذا انخفضت بشكل كبير ما يشير إلى أن حركة الاحتجاج التي ضعفت بعد إقرار البرلمان للقانون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

ومنذ انطلاق أولى المسيرات في الصباح وغالبا تحت المطر، بدا ان التظاهرات اقل حشدا في اليوم الثامن من هذا التحرك النقابي.

ولم يتغير هذا الاتجاه على مدار يوم التظاهرات هذا رغم أنها تأتي في يوم إجازة وبدون دعوة إلى الإضراب.

وبعد ظهر السبت، أعلنت وزارة الداخلية مشاركة 375 الف متظاهر في 259 مسيرة في مختلف أنحاء البلاد اي بquot;تراجع كبيرquot; عن آخر يوم تحرك في 28 تشرين الاول/اكتوبر حيث تظاهر 560 ألف شخص.

وحتى نقابة الكونفدرالية العامة للعمل (سي.جي.تي)، احدى النقابات الرئيسية في فرنسا، التي تكون تقديراتها دائما اكبر بكثير من تقديرات الشرطة، اعترفت بان عدد المتظاهرين انخفض إلى النصف حتى وان بلغ عددهم السبت نحو مليون و200 الف.

ومنذ بداية المسيرة الباريسية توقع برنار تيبو رئيس نقابة سي.جي.تي مشاركة quot;ادنىquot; مؤكدا في الوقت نفسه ان ذلك quot;لن ينال من تصميمنا على التحرك ضد هذا القانونquot;.

ومنذ 28 تشرين الاول/اكتوبر وغداة تصويت نهائي على الإصلاح في البرلمان شهد التحرك انخفاضا كبيرا - حوالي 560 الف شخص بحسب الشرطة، ونحو مليونين بحسب النقابات -، في حين نزل الى الشوارع ما بين مليون وثلاثة ملايين شخص، بحسب المصادر، في أوج حركة الاحتجاج.

وهذا التراجع في أعداد المتظاهرين والذي تزامن مع انتهاء الإضرابات المتكررة في قطاعي الطاقة والنقل الرئيسيين، اعتبر بمثابة نهاية التحرك ضد اصلاح نظام التقاعد.

من جانبها أصرت الأغلبية الرئاسية (يمينية) على عدم تعديل اهم بند في هذا الإصلاح وهو رفع سن التقاعد من 60 الى 62 عاما وهو اكثر البنود عرضة للانتقاد.

والسبت اكد زعماء النقابات الانشقاقات التي ظهرت قبل بضعة ايام بشان الإستراتيجية التي يجب اتباعها منذ الان.

وانتقد رئيس نقابة quot;اف اوquot; جان كلود مايي quot;بعض الارتباك في سير التحركquot; من قبل لجنة التنسيق النقابية، معربا عن الأسف مجددا لعدم القيام بإضراب عام طوال 24 ساعة دعا إليه منذ البداية.

وردا على ذلك استبعد فرانسوا شيريك رئيس نقابة الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي اف دي تي)، النقابة الرئيسية الثانية في فرنسا، الجمعة إمكانية حمل نيكولا ساركوزي على التراجع عن موقفه وقال quot;يبدو مع الأسف أننا نبتعد شيئا فشيئاquot; عن موضوع التقاعد.

إلا ان فرنسوا شيريك أكد السبت ان نقابته quot;ستكون على الدوامquot; حاضرة في quot;هذا التحرك التوحيديquot;، مشيرا إلى quot;يوم جديد من التحرك في نهاية تشرين الثاني/نوفمبرquot; كما قررت لجنة التنسيق النقابية.

الا ان برنار تيبو رئيس الكونفدرالية العامة للعمل (سي.جي.تي) ابدى استعداده لمواصلة الكفاح وحده على آمل quot;خلق علاقة القوىquot; اللازمة للتوصل الى quot;مفاوضاتquot; من الان وحتى تموز/يوليو موعد تطبيق هذا الإصلاح.

ويمكن ان يسود التوتر الاثنين الاجتماع التنسيقي النقابات لتحديد المسار المستقبلي للتحرك.

وقد اعلنت النقابات بالفعل عن تحرك جديد بين 22 و26 تشرين الثاني دون المزيد من الإيضاحات.

واعتبرت زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين اوبري التي شاركت في تظاهرة ليل (شمال) ان quot;صفحة هذا الإصلاح لم تطوquot; لكن quot;بعد نشر القانون، فان التظاهرات سيكون لها بالطابع شكل اخرquot;.

من جانبه أكد الحزب الرئاسي ان quot;النقاش بشان إصلاح نظام التقاعد لم يغلق بعدquot; محيلا في الوقت نفسه الأمر إلى الانتخابات الرئاسية في 2012.

وقال دومينيك باييه المتحدث باسم الاتحاد من اجل حركة شعبية مساء السبت للتلفزيون quot;سنرى جيدا عندها من الذي يضع فيه مواطنونا ثقتهمquot;.

والمشروع ما زال مطروحا أمام المجلس الدستوري الذي لجأت اليه المعارضة الاشتراكية لاتخاذ قرار بشأنه.
وفي حال حصل على موافقة المجلس، سيصبح من الممكن إصدار القانون من قبل الرئيس نيكولا ساركوزي في غضون ال15 يوما التالية.

وفي ذروة الاحتجاجات الشهر الماضي كانت المظاهرات الفرنسية هي الأضخم في أوروبا ضد إجراءات التقشف التي تبنتها العديد من الحكومات لخفض الديون والعجز في الميزانية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية.

وأشارت تقديرات الحكومة والنقابات الى ان عدد المشاركين يوم السبت تراجع بمقدار الثلثين عن منتصف اكتوبر تشرين الاول اذ بلغ 375 ألف محتج مقارنة مع 1.2 مليون حسب تقديرات الحكومة و3.5 مليون حسب تقديرات نقابات العمال.

ورفض الرئيس الفرنسي الإذعان بشان أبرز الإصلاحات في رئاسته رغم ثمانية أيام من الاحتجاجات الحاشدة والإضرابات منذ سبتمبر ايلول والتي سببت في وقت من الأوقات نقصا خطيرا في الوقود وتعطيلا للمواصلات وأعمال عنف متقطعة.