بعد سنة على تشكيلها، تواجه quot;حكومة الوحدة الوطنيةquot; اللبنانية مأزقاً يهدد بتفجرها بسبب الانقسام العميق داخلها حول الموقف من المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والذي ينعكس شللا في عملها على كل المستويات.


بيروت: يشهد لبنان منذ أسابيع مواجهة سياسية حادة بين الفريقين الحكوميين الاساسيين: قوى 8 آذار وأبرز أركانها حزب الله، صاحب النفوذ السياسي القوي والترسانة العسكرية، وقوى 14 آذار بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري.

ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الاميركية عماد سلامه quot;هناك ازدواجية في السلطة داخل الحكومة: دولة ودويلة تواجهان استحقاقا يتعلق بالقانون الدولي ولا تتفقان على طريقة التعامل معه، لذلك وصلنا الى طريق مسدودquot;.

ويشكك حزب الله بمصداقية المحكمة الخاصة بلبنان في ظل تقارير عن احتمال توجيه الاتهام اليه في جريمة اغتيال الحريري العام 2005، ويؤكد ان المحكمة quot;مسيسةquot; وتستند في تحقيقها الى افادات quot;شهود زورquot;. ويدعو الحزب الى وقف التعاون مع التحقيق الدولي، مقابل تمسك فريق الحريري بالمحكمة.

ويذكر سلامه بأن الحكومة الحالية ولدت في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2009 quot;وسط اجواء من عدم الاستقرار والانقسام بدا لبنان خلالها على حافة حرب اهلية، فظهرت وكأنها حكومة خلاص وطنيquot;.
وشهد لبنان بين تشرين الثاني/نوفمبر 2007 وايار/مايو 2008 ازمة حادة تمحورت حول مطالبة قوى 14 آذار بنزع سلاح حزب الله، الامر الذي رفضه حزب الله ولا يزال. وانفجرت الازمة معارك في الشارع بين انصار الفريقين تسببت بمقتل اكثر من مئة شخص.

وانعقد على الاثر مؤتمر حوار وطني في الدوحة برعاية قطرية وعربية اضطرت خلاله قوى 14 آذار الممثلة بالاكثرية النيابية الى تقديم تنازلات. ونص اتفاق الدوحة على انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي ميشال سليمان بعد ان شغر هذا المنصب لحوالى سبعة اشهر، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية استغرق الاتفاق عليها خمسة اشهر وعلى بيانها الوزاري اكثر من شهر.

التركيبة الحكومية وصفة للنزاع

ويرى سلامه ان اتفاق الدوحة quot;لم يؤمن حلا دائما لمسألة انعدام التوازن في السياسة اللبنانيةquot;، والتركيبة الحكومية التي جمعت كل الاطراف quot;كانت بحد ذاتها وصفة للنزاعquot;. ويشير الى ان التقارب الذي حصل بين سعد الحريري وسوريا وجاء بعد سنوات من القطيعة نتيجة اتهام الحريري لدمشق بالوقوف وراء اغتيال والده العام 2005، quot;يبدو اليوم ايضا مهدداquot;.

وتتوالى مؤشرات الازمة في الداخل: فالحكومة لم تعقد جلستها الاسبوعية الاربعاء الماضي، بينما قاطع حزب الله وحلفاؤه جلسة الحوار الوطني الاخيرة المخصصة للبحث في استراتيجية دفاعية للبلاد. في الوقت نفسه، تعجز الحكومة عن البت حتى بالقرارات الادارية العادية والشؤون الحياتية الاساسية للمواطنين.

ويقول الباحث في مركز quot;الدولية للمعلوماتquot; للابحاث محمد شمس الدين quot;فشلت الحكومة فشلا ذريعا في كل المفاصل الاساسية التي تهم المواطنين بسبب غياب القرار السياسي واختلاف الخيارات الوطنية الاساسيةquot;.

ويضيف ان quot;الباب الاول لتفعيل الادارة هو اجراء تعيينات في مراكز الفئة الاولى التي يصل الشغور في بعضها الى خمسين في المئة، وهذا لم يحصل، ما يؤدي الى شلل اداري كبيرquot;. والحكومة التي خصصت فقرة في بيانها الوزاري لما اسمته quot;اولويات الحكومة، اولويات المواطنquot;، لم تنجز شيئا في لائحة هذه الاولويات: لا محاربة الفقر، ولا مكافحة الفساد، ولا اصلاح قطاعي الماء والكهرباء، ولا حتى ازمة السير.

ولم تقر الحكومة بعد موازنة 2011 رغم انقضاء المهلة الدستورية لذلك. اما موازنة 2010 التي اقرتها قبل اشهر، فلم تنجز في المجلس النيابي بعد ان اصطدمت في لجنة المال عند بند تمويل المحكمة الدولية. واثار الاحتقان السياسي قلقا في الشارع حيث بات السؤال الشائع بين الناس: هل ستقع الحرب؟، ما دفع رئيس الحكومة الى الطمأنة اكثر من مرة الى ان quot;الفتنة لن تقعquot;.

دعوات للتهدئة

في الوقت نفسه، تكثفت الاتصالات بين الدول الاقليمية الثلاث المعنية بالوضع اللبناني، السعودية وسوريا وايران، داعية الى التهدئة، بينما صدرت مواقف من الولايات المتحدة وفرنسا والامم المتحدة تؤكد المضي في دعم المحكمة. وزار وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لبنان في نهاية الاسبوع لدعوة الاطراف الى quot;ضبط النفسquot;.

ويرجح المحلل السياسي وسام بو حرفوش ان quot;يحصل الانفجار داخل الحكومة لا في الشارعquot;. ويقول quot;هناك مساكنة حكومية اضطرارية بين معسكرين لا يتفقان على شيء وبينهما حرب مكتومةquot;، مضيفا ان quot;الحكومة اليوم في حالة موت سريري، والخوف ان يسحب احدهم في لحظة معينة انبوب الاكسجينquot;. ويخلص سلامه quot;الحكومة اصبحت رهن القرار الظنيquot;.

المعارضة تنفي استهداف سليمان

هذا ونفت المعارضة اللبنانية أن تكون مقاطعة جلسة الحوار استهدافاً لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، بل لأن الحوار لا يزال يراوح مكانه كما قالت.

وكشفت مصادر أن المعارضة بدأت بتنفيذ خطة مواجهة شاملة، وباتت تعتمد مبدأ الهجوم من خلال توسيع مروحة الملفات لتشمل فضلاً عن ما يسمى بملف quot;شهود الزورquot; والمحكمة الدولية المواضيع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في وقت كشفت مصادر مطلعة أن الخلوة التي عقدت على هامش طاولة الحوار، بين سليمان وبري والحريري، تناولت الموقف السياسي، واتفق الرؤساء على عقد جلسة لمجلس الوزراء رجحت الأربعاء المقبل، مع إعداد ملحق لجدول الأعمال الأساسي على أن يكون بند شهود الزور على جدول أعماله.

وكان بري أكد أن المعتذرين عن عدم المشاركة في جلسة الحوار ليسوا ضد مبدأ الحوار، موضحاً أن بعض المعطيات التي طرأت والمتعلقة بالمحكمة الدولية ولّدت نوعا من quot;النقزةquot; لديهم. وقال quot;في النهاية الحوار هو الملاذ ولا بد منه لمعالجة الخلافاتquot;.

بالتزامن، عقد لقاء موسع تداعت إليه قيادات مسيحية في الصرح البطريركي في بكركي، لدعم مواقف البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، شارك فيه الرئيس الأسبق أمين الجميل، ووزراء وعدد من النواب.

وصدر عنه quot;نداء من أجل لبنانquot; تلاه الجميل، أكد أن البلد quot;في خطر شديدquot;، داعياً إلى quot;وضع حد لازدواجية السلاحquot;. وجاء فيه quot;إن لبنان، كيانا ونظاما ديمقراطياً ومجالا مفتوحا على العالم، هو اليوم في خطر شديدquot;. وأضاف أن هذا الخطر quot;يطال كل اللبنانيين، المسيحيين الذين يخشون أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في العالم العربي جراء سقوط الدولة في بلدانهم وسيطرة التطرف الديني، والمسلمين الذين يخشون أن تنتقل الفتنة إلى الداخل اللبنانيquot;.

ودعا سليمان quot;إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم من خلال تنفيذ أحكام الدستور والعمل على وضع حد لازدواجية السلاح وحصر مسؤولية الدفاع عن لبنان بالقوى الشرعية، وتثبيت حق اللبنانيين في وطن لا يكون ساحة دائمة للحرب من أجل مصالح خارجية أو حزبيةquot;.