الكارثة الكبرى التي حركت الملك عبدالله بن عبدالعزيز فأصدر أمرًا تاريخيًا بتشكيل لجنة لتقصي حقائق كارثة quot;تسونامي جدةquot;، تمر اليوم متجاوزة صفحة عامها الأول، في وقت لا يزال فيه أهالي جدة ينظرون إلى السماء خوفًا من رذاذها الذي جادت به سحابتهم، وقتلت ضحاياها في يوم quot;ترويةquot; حجّ العام الماضي.
جدة: غرق شرق جدة في لمح البصر، فلا تكاد تكتب في أي متصفح عن كلمة quot;جدةquot;، إلا وتبدأ الصفحات تشير إلى حادثة الغرق الكبرى، أو ما يسمى بـquot;تسونامي جدةquot;، فهي الحادثة الكبرى التي عكرت مياه الفرح بنجاح موسم الحج للعام الماضي، وهي الحادثة نفسها التي أعلن فيها العاهل السعودي أمرًا جعل كل مسؤول في حيطة وحذر، بقراره تشكيل لجنة تقصي حقائق الكارثة.
ففي الوقت الذي كان فيه حجاج البيت الحرام يقضون يوم quot;الترويةquot; في رحاب quot;منىquot;، وهي المنطقة المقدسة ضمن المشاعر في مدينة مكة، إلا أن جروحًا quot;ترتويquot; من محنة مصاب جلل يسوق أنواع الألم على سكان مدينة يعشقها كل السعوديين. جدة سجلت تاريخًا لن ينساه أطفالها قبل كبارها في حادثة تعد من أكبر الكوارث التي حلت.
السعودية قبل عام، كانت تشهد في الزمن عينه حربًا مع المتمردين الحوثيين عبر حدودها الجنوبية مع الجمهورية اليمنية؛ ومع نزوح سكان المناطق الحدودية على خط النار، نزوحًا عبر مياه سماوية جرفت حتى المنازل الآوية لسكانها.
فقصص العذاب والفقد كانت أكثر مما كانت عليه في الجنوب، وطال الألم كبير رجال السعودية الأول، الذي قال في بيانه حين تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الكارثةquot;، إنه من المؤسف أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها، ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات، ولا ينتج منها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة، وهو ما آلمنا أشد الألمquot;. واستمر كذلك أمر العاهل السعودي بصرف مليون ريال للضحايا الذين تجاوزوا الـ(130) شخصًا، إضافة إلى عشرات المفقودين الآخرين.
وحملت الكارثة الإنسانية نشاطًا لأقلام الكتاب الصحافيين وألسن المتحدثين الإعلاميين الذين نبشوا أحد الأسباب التي يرون أن الفساد الإداري هو السبب الرئيس، وهي الاستنتاجات نفسها التي آلت إليها استدعاءات اللجنة الخاصة بالتقصي التي رأسها أمير منطقة مكة الأمير خالد الفيصل. وأخذت بعدًا جديدًا في مطالبة شعبية بالتشهير بأسماء المتسببين بالكارثة، إلا أن رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، الذي يعد أحد أعضاء اللجنة، تحفظ عند سؤاله عن إمكانية التشهير بمن تسبب في الكارثة، أن ذلك التشهير يعد عقوبة متعدية تضر بمصالح المشهر به في المجتمع أو بأحد من أسرته.
اللجنة المقررة من الملك عبدالله بدأت عملها بتشكيل حكومي رفيع من حيث الجهات المشاركة فيها، وتمثلت بالمباحث العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، ووزارة العدل وديوان المراقبة العامة، والدفاع المدني، إضافة إلى إمارة المنطقة.
الكارثة التي يراها البعض أنها لا تتناسب مع اسم وأرض مثل السعودية نظرًا إلى الوفرة المالية التي تحبط حوادث الظواهر كافة، إلا أن الفساد الإداري المتهم بهذه القضية كان اسم quot;جرquot; لرؤوس كبرى عملت وتعمل في قطاعات الدولة المختلفة خصوصًا في مدينة جدة، حيث اتجهت لاستدعاء المئات من المشتبه بهم.
وبعد أربعة أشهر من تشكيلها، اتجهت اللجنة إلى الرياض للقاء العاهل السعودي الذي تسلم تقريرها من رئيسها الأمير خالد الفيصل، وأصدرت بموجبها عددًا من الأوامر الملكية في شهر يوليو/تموز من العام الحالي، وتمثلت في ملاحقة المتورطين وإحالتهم لجهات التحقيق، ومن ثم حصر قوائم الشركات والمؤسسات ومكاتب الاستشارات، وإدراجها في قوائم وزارة الداخلية.
ونص الأمر الملكي كذلك على فتح قنوات وتمديد للسيول وتعديل الكثير من الأنفاق والطرق وإزالة العوائق الترابية المحيطة ببعض الأحياء ووقف المخططات والمنح وحجج الاستحكام في الأودية ومجاري السيول، والتخلص تمامًا من بحيرة الصرف الصحي خلال عام واحد، وهو الأمر الذي انتهت منه اللجنة مبكرًا قبل انتهاء العام بأشهر عدة.
لكن اللجنة المقررة كانت تدور اجتماعاتها في صبغة قانونية وسرية، إلا أن حربًا باردة تصعد حينًا إلى الإعلام وتختفي حينًا آخر، وكانت تدور رحاها بين بعض الجهات التنفيذية الحكومية في مدينة جدة ووزارة المالية على جبهة أخرى، حيث أخذت أمانة المدينة، وهي الإدارة البلدية الأولى فيها، تقوم برمي التهم بين حين آخر على مصلحة المياه، وهي الأخرى مسؤولة عن تنظيم أعمال المياه والصرف، التي ترمي كرة التهم إلى إدارة النقل.
وعلى الرغم من أن الكارثة وحدت الصفوف السعودية وشكلت بموجبها أندية تطوعية، لتساهم في التخفيف من الأضرار والمحن التي لحقت بشرق المدينة العروس للبحر الأحمر ولأهلها كذلك؛ إلا أنها لم تسلم هذه الصفوف من الانتقادات من بعض رجال الدين الذي يعتقدون أن اختلاطهم التطوعي بيئة لنشوء الفساد الأخلاقي.
بعد عام من الكارثة تأتي اليوم مدينة جدة متذكرة quot;الأربعاء الأسودquot; الشهير، الذي لم تعد تفرح فيه حتى بمجرد هطول مطر يسقي أرضها، بل جعلت كل سكانها متابعين لنشرات الطقس خلال أيامها، حتى لا يكتب لها فقد فرد تعده للمستقبل ليسهم في حل مشاكل مدينة صنفها الكثير أنها تعج بمشاكل بلدية بـquot;الفطرةquot;، مع اعترافات لجهات حكومية بالتقصير في مدينة تعد أقدم المدن تاريخًا في السعودية.
التعليقات