فقد المغرب خلال أسبوع واحد شخصيتين يهوديتين ساهمتا في الدفاع عن quot;مغرب ديمقراطيquot; وهما السياسي المغربي أبرهام السرفاتي، والكاتب والناقد إدموند عمران المالح، اللذان رفضا في الماضي الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
في أقل من أسبوع فقد المغرب اثنين من أصحاب الديانة اليهودية اشتركا سابقا في دفاعهما الكبير عن quot;مغرب ديمقراطيquot; متنوع يتعلق الامر بالكاتب والناقد إدموند عمران المالح والسياسي أبرهام السرفاتي.
تزامنت وفاة السياسي المغربي اليهودي أبرهام السرفاتي، مع احتفال المملكة المغربية بعيد الاستقلال (يوم 18 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري) وهو الاستقلال الذي ناضل هذا المغربي ذو الديانة اليهودية كثيرا من أجل تحقيقه في المغرب واستمر، بعد عودة الملك الراحل محمد الخامس إلى المغرب سنة 1956، في الدفاع عن مغرب ديمقراطي حديث متنوع ومتسامح، إلى أن توفي في أحد المصحات الخاصة في مدينة مراكش.
وقد ظل السرفاتي في سنواته الأخيرة يتنقل على كرسي متحرك بعد إصابته بشلل نصفي نتيجة لسنوات سجنه الكثيرة في مرحلة صراع القصر الملكي مع الأحزاب في ما أصبح يعرف بquot;سنوات الرصاصquot;.
في سنوات شبابه انضم إلى شبيبة الحزب الشيوعي المغربي وأصبح قياديا في الحزب بعد انتقاله للدراسة في فرنسا في المدرسة العليا للمعادن، وتشبع بالفكر الشيوعي بعد تخرجه مهندسا من تلك المدرسة، ولما عاد إلى المغرب، عمل في المكتب الوطني الشريف للفوسفات، بعدها أصبح عضوا في ديوان وزير الاقتصاد الوطني القيادي الاتحادي الراحل عبد الرحيم بوعبيد.
في الستينات أصبح قائد المنظمة الماركسية اللينينية في المغرب quot;إلى الأمامquot;. ومواقف هذه المنظمة اليسارية الراديكالية جلبت له السجن المؤبد منتصف السبعينات من القرن الماضي.
وبقي السرفاتي مؤيدا لفكرة تقرير سكان الصحراء المغربية لمصيرهم.
زوجته كريستين السرفاتي ناضلت كثيرا من أجل إطلاق سراحه، بعد 17 سنة من الاعتقال أثمرت تحركاتها داخل جمعيات حقوقية في فرنسا وغيرها، وجعلت الملك الراحل الحسن الثاني يطلق سراحه سنة 1991 شرط رحيله إلى فرنسا بدعوى حمله الجنسية البرازيلية، وظل هناك إلى وفاة الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1999 إذ اتخذ الملك محمد السادس قرارا يسمح له بالعودة إلى بلده.
ظل هذا السياسي الذي كون جيلا من السياسيين المغاربة متشبثا بمغربيته رافضا كل طلبات إسرائيل بحمل جنسيتها. عاد على كرسي متحرك، عمل مستشارا عند تلميذته في مكتب للتنقيب على البترول في المغرب أمينة بنخضرا التي تشغل حاليا منصب وزيرة في وزارة الطاقة والمعادن.
ضد إسرائيل
كانت للسرفاتي مواقف ضد إسرائيل، وظل يدافع عن مغربيته، وقد قال في هذا السياق، في حوار مع quot;الجزيرةquot; القطرية quot;أسهمت في حماية ماء وجه اليهود المغاربة الذين كان أغلبهم ضحايا للصهيونية كما تعلمون، وحتى في ما يتعلق بالقضية الأصعب، وهي قضية الصحراء أعتقد -أنا ورفاقي في السبعينات- أننا حافظنا على كرامة بلدنا بتبنينا الموقف الصحيح الذي يبدو الآن راجحا لحسن الحظ، وهو ضرورة تسوية القضية بالوسائل السلمية لا بالقمع، أعتقد من خلال كل ذلك أننا في آن واحد ناضلنا ولم نخضع للقمع، مع الحرص الشديد على مستقبل البلاد، لكن الاستقبالات التي حظيت بها في كل المناطق تتجاوز بكثير ما كنت أتصوره بشأن إسهامنا من أجل أن يرفع الشعب المغربي هامته، ويصبح على ما هو عليه اليوم، أي تربة خصبة لقيام الديمقراطية بفضل اللهquot;.
كاتب مناضل للقضية الفلسطينية
قبل وفاة السرفاتي بخمسة أيام توفي يهودي مغربي متنور، وهو الكاتب والناقد إدموند عمران المالح في المستشفى العسكري في الرباط، وقد دفن في مدينة الصويرة التي عشقها، بناء على وصيته.
ولد المالح في مدينة آسفي سنة 1917 من عائلة كانت تقيم في مدينة الصويرة، أصوله أمازيغية من آيت عمران في الأطلس. قدم المالح أعمالا روائية كثيرة ودراسات نقدية في الفن التشكيلي المغربي.
كما هو الشأن بالنسبة إلى السرفاتي رفض فكرة الهجرة إلى إسرائيل وظل يقيم في الرباط إلى أن توفي فيها، كان يؤكد كلما طرح عليه السؤال quot;أنا مغربي يهودي والديانة ليست من يحدد الوطنquot;. اعتبر، مثل السرفاتي، تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل quot;سرقةquot; تواطأ فيها مغاربة وإسرائيليون.
كان أشد مناهضي الصهيونية، وظل على ذلك إلى آخر أيامه، شارك في مسيرات لدعم الفلسطينيين في تكوين دولتهم وأخرى منددة بإسرائيل وحروبها.
وقد وصفه أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس بquot;صاحب القناعاتquot; الذي حمل quot;اسم المغرب في أبهى حلله وغنى كافة أطيافه، بكل لهجاته وأذواقه الأكثر تجذرا في تاريخ الصويرة، المكان الذي نتقاسمه معاquot;.
بوفاة السرفاتي وعمران المالح يفقد المغرب اثنين من كبار مثقفيه وسياسييه، كانا شعلة اليهود المغاربة ويحظون باحترام كبير من قبل جميع الأطراف بما فيها الإسلامية، فقد كتبت يومية quot;التجديدquot; الناطقة باسم quot;حركة التوحيد والإصلاحquot; المقربة من حزب quot;العدالة والتنميةquot; في عددها الأخير عن عمران المالح في مقال رأي في الصفحة الأولى بعنوان quot;رسالةquot; أن quot;موت عمران المالح خسارة حقيقية للمغربquot; لأنه ظل حتى آخر أيامه quot;يحمل مواقف شجاعة مناهضة للأطروحة الصهيونيةquot; مضيفة انه كان quot;نموذجا للمغربي اليهودي المتفاعل مع قضايا وطنه والمدافع عن قضايا التحرر الوطني وفي مقدمتها القضية الفلسطينيةquot;. نادرا ما تتوافق آراء الإسلامي مع العلماني والليبرالي والحقوقي حول شخص معين في المغرب.
التعليقات