يبدو أنّ الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة اكتسحت كافة الأماكن والفضاءات، حتى تلك التي قد لا تخطر ببال المسؤولين، ففي أحد السجون الفرنسية تمكن شباب من المُعاقبين بموجب قضايا تتعلق بالحقّ العام من الاتصال بالشبكة من داخل زنزاناتهم وبثوا صورا مُحرجة للغاية لإدارة السجن.


باريس: في حادثة تبدو quot;غريبة وخطرةquot; في آن، كشف مسؤولون عن سجن فرنسيّ النقاب عن تمكن مساجين شبان من الاتصال عبر شبكة الانترنت من داخل السجن الذي يقضون فيه عقوباتهم.

وبحسب المشرفين عن سجن quot;فيل نوف لاس ماقيلونquot; فإنّ الأسبوع الماضي شهد أحداثا quot;مقلقة وخطرةquot;، إذ تمّ إلقاء القبض على مشرف على السجن المذكور يبلغ من العمر 30 عاما للتحقيق معه بخصوص ضبط طرد كان موجها لأحد السجناء واكتشف فيما بعد أنه يضم عددا من الهواتف الجوالة.

وتزامن إلقاء القبض على مشرف السجن والهواتف الجوالة التي تمت مصادرتها مع بثّ صور عديدة وفي وضعيات مختلفة لموقوفين من داخل سجن quot;فيل نوفquot; ذاته.

وتنقل في هذا الصدد صحيفة (20 دقيقة) الفرنسية laquo;20Minutesraquo; عبر موقعها على شبكة الانترنت أنّ يوسف 24 سنة وهو شاب سجين بموجب استعماله العنف وممارسة بعض الظواهر المتمردة والعنيفة، قد تمكن من الاشتراك على موقع دردشة وتعارف على شبكة الانترنت انطلاقا من سجنه، كما كشف المسؤولون للصحيفة.

وعبر الموقع المخصّص للتعارف، بثّ السجين يوسف 7 صور له ولبعض الموقوفين في وضعيات مختلفة ومن بينها صور لسجناء يدخنون.

كما بث صورا له وهو عار و في الحمام، ويقول السجين الشاب على صفحته الشخصيّة على الموقع المخصص للتعارف الذي تمكن من الولوج إليه وهو قابع في السجن: أكره فرقة مكافحة الجريمة، أما نقطة ضعفي فهي أنني لست شخصا صبورا.

كما يدرج السجين بعض المعطيات الأخرى عن حياته الشخصية وصفات له كأيّ مشترك آخر التحق بالموقع للتعارف والدردشة.

منذ إنشاء هذا السجن في العام 1990، تقول صحيفة (20 دقيقة) الفرنسية يبدو الحادثان المتعلقان برصد اتصال بالشبكة من داخل السجن ومصادرة الهواتف النقالة حدثين فريدين من نوعهما وسابقة في تاريخ السجن وربما في تاريخ السجون الفرنسية.

ويقول المشرفون على السجن في إفادات لهم:quot; الصور التي تم بثها من داخل السجن تثير مشاكل تتعلق بالحماية، فهي يمكن ان تعرّي جوانب من داخل السجن كما يمكنها ان تساعد بعضهم في الهروب من المعتقلquot;.

تكشف التحقيقات مع بعض المسجونين ممن ثبت اتصالهم بالانترنت من داخل السجن أنهم استعملوا quot;مفتاح 3Gquot; للاتصال بالشبكة، واعترف أحدهم بفعل ذلك خلال التحقيق معه من قبل إدارة السجن.

ويقول باتريك كايول وهو عضو في نقابة حراس السجون الفرنسية: الحصول على الهواتف النقالة تم بطرق ملتوية بالتعاون مع بعض حراس السجن، وربما مع بعض الزوار من خارج السجن، هنالك شعور بالضيق مما حصل وعلى إدارة السجن أن تتحرك بأسرع وقت ممكن فالحصول على هواتف نقالة بهذا الشكل قد يعني الحصول أيضا على السلاح وهذا أمر خطر للغايةquot;.

الأمر لم يتوقف عند الصور الشخصية للمساجين الذين استطاعوا الاتصال بربط الشبكة العنكبوتية، فخلال الأسبوع الماضي أظهرت صور أخرى أنّ بعض المساجين استدعوا رجال الإطفاء بعد أن اندلع حريق في إحدى خلايا السجن، لكن رجال الإطفاء لم يستجيبوا لنداءات المسجونين فتدخل المشرفون على السجن عوضا منهم.

وتقول الصحيفة إنها علمت بانّ السجين الذي بثّ تلك الصور التي قد تحرج إدارة السجن، يقضي الآن عقوبة إضافية في قسم منفرد مخصص للمسجونين الذين يلتزمون بالانضباط والتراتيب المعمول بها داخل السجن.

ورغم ثبوت فتح تحقيق في الغرض، فإنّ موضوع اتصال مساجين الحقّ العام في فرنسا بالانترنت من داخل السجن الذي يقضون فيه عقوباتهم يبدو محرجا للغاية وهو ما دفع مدير سجن quot;فيل نوفquot; الذي جرت فيه هذه التطورات إلى القول للصحافيين: quot;لا يمكنني أن أعلق على هذا الموضوع ... التحقيق سيكشف كل شيءquot;.

وربما يخفي حرج مسؤولي السجون الفرنسية من الصور التي بثت تأكيدا غير مباشر عن أوضاع السجون الفرنسية السيئة، وهي أوضاع أكدتها تقارير سابقة للاتحاد الأوروبي صدرت عام 2006 وذكرت أن معدل الانتحار في فرنسا يبلغ 16 حالة من كل عشرة آلاف سجين مقابل 10 في ألمانيا و9 في إنكلترا وويلز. وذكر تقرير حكومي فرنسي أنه بحلول عام 2008 ارتفع المعدل إلى 17.

وفي حزيران (يونيو) الماضي وصف الرئيس نيكولا ساركوزي السجون بأنها ''عار على الجمهورية''، وقد اتخذت الحكومة خطوات طارئة مثل توزيع ملابس للنوم مصنوعة من الورق لمنع حوادث الشنق. لكن خبراء قالوا إن هناك حاجة إلى إصلاح جذري لمنظومة السجون الفرنسية.

وتظهر بيانات من الاتحاد الأوروبي أن فرنسا تحبس نحو 125 سجينا في كل مكان مخصص لمائة مكان، مقابل 97 في ألمانيا و96 في إنكلترا وويلز.

وزاد عدد سجنائها نتيجة لانتهاج سياسة أكثر صرامة تجاه الجريمة لكن خزائن الدولة المستنزفة بسبب الأزمة الاقتصادية تعني أن هناك القليل من المال للسجون والعاملين فيها.