bull;شرق المتوسط، الكراديب، غربة المكان، نساء المنكر أبرز الأعمال التي صورت عالم السجن.
bull;الزنزانة تشبه القبر عند تركي الحمد والسجن أمر مكان في الدنيا عند سمر المقرن.

عبدالله السمطي من الرياض: ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها طرح موضوع: أدب السجون في السعودية، فالدراسات النقدية السعودية ndash; على تنوعها- التي ترصد خواص الأدب في تحولاته الكلاسيكية والرومانسية والحداثية لم تتطرق لهذا الموضوع، على الرغم من صدور أعمال أدبية وإبداعية تتناوله، أو تشير إليه، أو تتضمن بعض مشاهده،، فلم يرصد هذا المجال قبلا، في نمطيه: الكتابة من داخل السجن، أو الكتابة عن السجن نفسه، وعالم المساجين، وأشواقهم للحرية.
وفي لمحات قليلة يمكن الوقوف عند بعض تبديات هذا الأدب خاصة وأن عددا من الأدباء الذين دخلوا السجن خلال ستينيات القرن العشرين وما بعدها قد كتبوا عن هذا العالم، وهو هنا عالم فريد وغير مطروق بالنسبة للأدب السعودي.
من الروايات المبكرة التي تناولت عالم السجن رواية:quot; شرق المتوسط quot; لعبدالرحمن منيف، وبطل الرواية:quot; رجبquot; الذي يفرج عنه بعد تجربة قاسية في السجن، وبعد أن جعلته عذابات السجن يبوح لسجانه بما يطلبه، وفي خروجه تجرع مرارة تهمة الخيانة لرفقاء دربه المسجونين.
تذكر الرواية برواية الكاتب المصري صنع الله إبراهيم:quot; تلك الرائحةquot; التي كتبها عن عالم السجن، لكن بعد خروجه كان موضوعا تحت المراقبة الدائمة، وكلما تذكر السجن والسجان غرق في لا وعيه ليبوح ويكتب ويتساءل.
رواية:quot; شرق المتوسطquot; من الروايات المهمة التي أسست لأدب السجون، وهي تتناول وثيقة حقوق الإنسان التي لم تطبقها أية دولة خاصة في العالم الثالث. كذلك يصف منيف رواية شرق المتوسط بأنها حازت على شرف التأسيس لأدب السجون، ففي مقدمة الرواية في طبعتها الثانية عشرة يكتب تحت عنوان ldquo;تقديم متأخر لكنه ضروريrdquo; ويذكر: quot; الرواية حين صدرت، قوبلت بموقفين يكادان يكونان متعارضين، موقف القارئ الذي يريد أن يعرف أدق التفاصيل عن عالم السجن السياسي، وموقف السلطات التي رأت مجرد الإقتراب من المحرمات. لقد كان لـ ldquo;شرق المتوسطrdquo;، إلى جانب روايات أخرى، شرف التأسيس لما سُمّي فيما بعد: أدب السجون. وأصبح هذا الميدان واحداً من الميادين الأساسية للرواية العربية.

كراديب هشام العابر
يروي الكاتب تركي الحمد في روايته:quot; الكراديبquot; (دار الساقي، بيروت) أن بطل الرواية هشام العابر تعرض للسجن فترة من الزمن، والكراديب هي السجون التي تقام تحت الأرض، أو بالأحرى الزنازين التي يتم حفرها على شكل بئر مربعة ويلقى فيها بالسجين، ويتم إنزال الطعام والشراب له باستخدام حبل ودلو، وفي مشهد يصور بطل الرواية وهو في زنزانة السجن:
quot; بقي هشام واقفا في مكانه لا يعلم ماذا يفعل... إنه في حالة أشبه بلحظة الاختفاء في بعد آخر: لا مكان ولا زمان ولا إحساس بأي شيء، وكأنه في كابوس رهيب لا يلبث أن ينجلي بعد لحظات. ثم عاد إليه الإحساس بالمكان والزمان ومعه الإحساس بالرعب والرهبة. نظر حوله مستكشفا القبر الذي ألقي به فيه، عبارة عن غرفة ضيقة، بنافذة واحدة ذات قضبان فولاذية غليظة، وسقف مرتفع تتدلى منه quot; لمبةquot; تصدر ضوءا خافتا كئيبا، جلس على فراشه المطوي وهو يتحسس القيود في رجليه، وينظر إلى البوابة أمامه، متوقعا أن يلج منكر ونكير في أي لحظة، ومعهما تلك المرزبة الرهيبة، ولكن الوقت يمر ولا أحد يجيءquot;.
وفي المعتقل ينقل الكاتب تركي الحمد الأحاديث التي تدور بين السجناء، وحالة التأمل التي يكونون فيها حيث يتناقشون في كل شيء في الدين، والسياسة، والثقافة والمجتمع، ويتساءلون عن الحتمية والمذاهب السياسية، والجبر، والاختيار، والمدن، والأماكن، كما ينقل صوت السجانquot; مرعيquot; الذي كان يعتقد أن كل المعتقلين هم من الكفرة والملحدين وأعداء الدين، فكان قاسيا كل القسوة، إلا أنهم لاحظ أنهم يصلون ويصومون، ولكن ذلك لم يكن ليوقفه عند حده quot; / ص.ص 58-59
وفي كتابه:quot; مذكرات وذكريات من حياتي quot; (المؤلف، الرياض، الطبعة الثانية 1998) يسرد الكاتب الرائد عبدالكريم الجهيمان تجربة اعتقاله مدة عامين في بداية عهد الملك فيصل للتحقيق معه ضمن مجموعة كانت تقتني الكتب من مكتبة صاحبها من أهل القطيف كان دائم السفر للبحرين والرجوع منها كتب ومطبوعات، قبضت عليه أجهزة الأمن بعد الاشتباه فيه وأوفته وحققت معه، فذكر جملة من الأسماء التي ترتاد مكتبته ومنها اسم: عبدالكريم الجهيمان، وعابد خزندار وعبدالرحمن المنصور، فقبض على من ذكر أسماءهم في التحقيق كما قبض على أناس في المنطقة الشرقية. ويتحدث الجهيمان عن الناقد الأديب عابد خزندار بقوله:
quot; لا يفوتني أن أتحدث عن أحد هؤلاء الرفاق وهو الاستاذ عابد خزندار ndash; الناقد والكاتب المعروف بصحيفة الرياض- الذي هو الحجازي الوحيد بيننا، فقد كان من حسن حظي أن أسكن وإياه في غرفة واحدة، وأن أعرف جميع حركاته وسكناته وطريقته في الحياة فرأيت ما أعجبني من رجولة ومكارم أخلاق، يضاف إلى ذلك علم غزير ومعرفة بلغتين أو ثلاث أو أكثر من اللغات الحية علاوة على اللغة العربيةquot;.
وفي سيرته الذاتية:quot; غربة المكان quot; القاهرة، الطبعة الأولى 2008 يتناول الروائي إبراهيم الناصر الحميدان تجربة السجن بالتفصيل، حيث يسرد هذه التجربة في الفصول من الثامن إلى الثلاثين في أكثر من تسعين صفحة (الصفحات ( 4-137)) ويروي فيها قصة اعتقاله، وهي قصة طويلة امتدت من الظهران حتى الرياض، كانت بسبب القراءات والكتابات، وبسبب بعض المطالبات في الحياة الاجتماعية، ويسرد الكاتب تجربته مع حياة السجن، والأحاديث وراء القضبان، وتبادل الكتب والأوراق والكتابات الأدبية.

من المطعم والمقهى إلى السجن:
وفي رواية:quot; نساء المنكرquot; ( دار الساقي، بيروت 2008) لسمر المقرن تتناول الكاتبة عالم السجون وفق خصوصية أخرى هي عالم السجن النسوي، حيث نطالع القصص المأساوية للسجينات مثل: نورة، وسميرة quot; فتاة عسيرquot;، وغادة، وغيرهن، وهي قصص أغلبها جاءت نتيجة التفكك الأسري، ومشاهد العنف التي يقوم بها الأزواج، وتصور لنا بطلة سمر المقرن التي اقتيدت إلى السجن بعد إلقاء الشرطة الدينية القبض عليها هي وزوجها وهما يتناولان وجبة، بحجة التبرج والسفور، تصور لنا حالة النفاق الاجتماعي التي تقابل بها السجينة، وطريقة تعامل السجان مع السجينة، والضرب والركل الذي تتعرض له، فضلا عن الإيذاء المعنوي بالكلمات الفاحشة. تقول الكاتبة:

quot; وجوه العالم الحقيقية بدأت تتضح لي أكثر فأكثر، وأنا خلف القضبان، حيث وصل إلى مسامعي مدى التهم التي ألصقت بي وممن؟ إنها من أكثر الناس ترديدا لشعارات الحرية وأحقية المرأة في اختيار من تحب، وحريتها في الخروج معه. رددوا هذه التهم وقذفوني بأسوأ العبارات وهم ملتفون حول كؤوس الخمر، ويد كل منهم تطوق خاصرة زوجة صديقه!! أما المتدينون أو quot; الملتزمونquot; كما نطلق عليهم فالشرف لا شيء لديهم، والقذف أسهل على ألسنتهم من quot; السلام عليكمquot; وبعدها كفارة المجلس وجزاك الله خيرا يا شيخ.. وجه رئيف وحده كان أنيسي في غربتي. في السجن غربة حقيقية، لم يذق طعمها لا من هجر وطنه ولا من اكتوى بقهر اللجوء إلى المخيمات. السجن هو أمر مكان في هذه الدنيا quot; / ص 54

وفي رواية:quot; الإرهابي 20quot; لعبدالله ثابت (دار المدى، دمشق 2006) ينقل لنا الكاتب بعض مشاهد التوقيف المؤلمة، حيث ألقت الشرطة الدينية quot; هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرquot; القبض على بطل الرواية وعلى صديقته حيث كانا يتناولان القهوة في أحد الأسواق التجارية، أي في مكان عام، مع ذلك تم إيقاف الاثنين معهما، واقتيادهما إلى مركز الهيئة ومن ثم قسم الشرطة، ولنصغ لعبدالله ثابت كيف يروي الحدث في روايته:quot; هناك في مركزهم حبسوني في إحدى الغرف، وكنت أسمع بكاء الفتاة الذي لم يستمر طويلا، ثم سمعتها وهي تشتمهم واحدا واحدا، وعرفت فيما بعد أنها خرجت، رغما عنهم، لأنها بكل بساطة أبرزت جوازها الأمريكي وهددتهم إن هم لم يطلقوها فورا أنها ستتصل بالسفارة الأمريكيةquot; / ص 200

ويضيف: quot; وبالطبع كان لابد أن أتحمل كل شيء، فأنا لست أمريكيا، أنا جنوبي جبلي حليق الشنب واللحية، وزيادة على هذا فأنا عندهم كاتب علماني بصحيفة علمانية، وليس أمامهم من شخص غيري ليفرغوا من خلاله حقدهم!
حين نظر أحدهم إلى اسمي في البطاقة، قال:quot; هل أنت الكاتب بالصحيفة العلمانية؟ quot; فسكت لبعض الوقت، أفكر ما الذي سيترتب على إجابتي، وتخيلت للحظة أن الكتابة والثقافة ربما تمنحني شيئا من الاحترام عندهم، فأجبتُ:quot; أجل أنا هو quot;.
فقفز من مكانه قائلا:
-والله لأضربنك ضربا لا تنساه في حياتك أيها العلماني الحقير!
نظرت إليه بحنق ثم انفجرت:
-سأخرج من هنا يوما، ووالله لتدفعن ثمن ما تفعله، فاضربني إن كنت رجلا..
وقبل أن تصل يده إلي وقف الجالسون بيننا ليخرجوه من الغرفة، وليخبروه أنهم سيتدبرون أمري!
بعد نصف ساعة حملوني في سيارتهم، ليسلموني إلى مركز الشرطة المدنية، وهناك أودعوني السجن، دون أن أعرف حتى ما هي التهمة التي ألقوني بسببها في هذا المكان، وهل سيسمونها جريمة شرب القهوة مع صديقةquot; / ص.ص 200-201

وكانت التهمة التي واجهت بطل رواية عبدالله ثابت هي:quot; الاختلاء غير الشرعيquot; ويعلق ثابت في الرواية ساخرا:quot; اختلاء غير شرعي في سوق يتجول بداخله أكثر من ألف شخص.. حقا لقد كان أعضاء الشرطة الدينية على عزم تام بأن يفوا بوعيدهم! quot; / ص 202
هناك كتابات أخرى متعددة، لعدد من الأدباء منهم الشاعر علي الدميني، والكاتب الراحل عبدالله الجفري، والأديب الراحل عابد العابد، وغيرهم ممن مروا بتجربة السجن والاعتقال، وهي كتابات تسعى لمكاشفة سؤال الإنسان، وحقه في الحرية، وفي تمكنه من حقوقه الإنسانية حسب المواثيق والشرائع الدولية.
أدب السجون في الثقافة السعودية موضوع بكر، ويتطلب قدرا من المتابعة والرصد والدراسة المنهجية الرائية المستشرفة.