يثير التصعيد العسكريّ في شبه الجزيرة الكوريّة اهتمام المتابعين، خصوصا من جهة توقيته وأسبابه الحقيقيّة. وفي هذا الإطار حاورت (إيلاف) من طوكيو مُحللين يابانيين، خلصا إلى أنّ تهديد الأمن من شأنه أن يدفع واشنطن وسيول للدخول في اتفاق سلام مع بيونغايانغ.


طوكيو: قبل أن تهدأ الأوضاع بين اليابان والصين، واليابان وروسيا حول قضايا مرتبطة بجزر محل نزاع بينهما، تشهد المنطقة تصعيدا جديدا في شبه الجزيرة الكوريّة بعد قيام كوريا الشمالية بإلقاء مئات القذائف المدفعية على جزيرة يونبيونغ الجنوبية في البحر الأصفر، والمجاورة لمنطقة حدود بحرية محل نزاع بين الطرفين في حدث هو الأول من نوعه منذ نهاية الحرب الكورية عام 1953.

والسؤال المطروح حاليا من قبل المتابعين، والذي تسعى معظم التحليلات للرد عليه هو الأسباب التي دعت كوريا الشمالية إلى هذا التصعيد.

يوجود سبب معلن كما جاء في إعلان وكالة( يونهاب) الكورية الجنوبية التي أشارت إلى أن القصف يمكن أن يعد ردا على تدريبات عسكرية جنوبية.

كما أعلنت وكالة الأنباء الحكومية الشمالية أن كوريا الجنوبية كانت تستعد مع الولايات المتحدة للإعتداء عليها، ووصفت التدريبات العسكرية بأنها quot;عمل إجرامي للإعتداء، وشن حرب كورية جديدة.

ورغم تلك التصريحات يبقى التساؤل واردا حول وجود أسباب أخرى وراء التحرك الكوري الشماليquot;.

السفير تاكايا سوتو

وبنقل هذا السؤال إلى المتخصصين، أكد تاكايا سوتو السفير الأسبق ومدير quot;مركز تعزيز نزع وعدم انتشار السلاحquot;، التابع لوزارة الخارجية اليابانية لـ(إيلاف)على تعدد أسباب التحرك الكوري الشمالي، أولها الإعتراض على التدريبات الكورية الجنوبية- الأميركية كما أعلن بشكل مباشر، بالإضافة إلى الضغط على الولايات المتحدة لاستئناف المباحثات دون انتظار وقف عملية التخصيب، وثالثا تحقيق وحدة داخلية شعبية خلف القيادة السياسية من خلال خلق أزمة خارجية وتجاوز الإعتراضات الداخلية لدى البعض من توريث كيم يونج اون في هيكل السلطة السياسية.

هذه الإعتبارات تتقاطع في جزء منها مع الأسباب التي قدمها لـ(إيلاف) ناروشيجى ميشيشيتا الأستاذ في المعهد القومي للدراسات السياسية في طوكيو والخبير في شئون كوريا الشمالية، حيث أكد على رغبة كوريا الشمالية استخدام التصعيد الحالي للضغط على الولايات المتحدة من أجل توقيع اتفاق سلام، مؤكدا على وجود رغبة لدى الشمالية لفترة طويلة لتغيير اتفاق نزع السلاح لعام 1953 باتفاقية سلام من شأنها إنهاء حالة المواجهة مع الولايات المتحدة.

ويؤكد ميشيشيتا على أن كوريا الشمالية كلما أرادت أن تثير الحديث عن اتفاق السلام تقوم بتصعيد التوتر في بحر الصين كما حدث أعوام 1974 و1999 و2009، فالتصور الكوري الشمالي كما يؤكد، ينبع من رؤية مفادها أن زيادة الصراع في غياب آليات فعالة لمنع التصعيد مع مخاطر تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية للدخول في اتفاق سلام وتأسيس آليات سلام جديدة في المنطقة.

ولتحقيق هذا السيناريو من وجهة نظر كوريا الشمالية، يؤكد الخبير ميشيشيتا على احتمال أن نشهد المزيد من التصعيد الشمالي في الأيام والأسابيع المقبلة، وهو الأمر الذي قد يتجلى من خلال قيام طائرات مقاتلة بالطيران فوق خط الحدود الشمالي مع المطالبة بالحوار مع الولايات المتحدة من أجل التوصل لتسوية.

أما فيما يتعلق بمواقف الأطراف المرتبطة بالصراع وبالنظر للوضع العام في المنطقة يؤكد السفير الأسبق سوتو على أن التحرك الكوري الجنوبي سيعمل على تجنب الحرب، وربما تعمل فيما بعد على إجراء مفاوضات، ولكنها ستقوم بالتأكيد على التحالف الكوري- الأميركي والعمل على تعزيزه وهو الأمر الذي يبدو واضحا منذ الأزمة حيث دعت الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى وقف عملياتها وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة quot;ملتزمة بشدةquot; بالدفاع عن كوريا الجنوبية، وquot;بالحفاظ على استقرار السلام والأمن الإقليمي، كما أعلن عن مشاركة الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية في تدريبات مشتركة بقرب المنطقة محل الخلاف. دون إهمال الدور الصيني وأهميته كحليف استراتيجي لكوريا الشماليةquot;.

الخبير في شئون كوريا الشمالية
ناروشيجى ميشيشيتا

وبالسؤال عما يمكن أن يحدث في مرحلة لاحقة،أكد مشيشيتا على أن ما نشهده الآن أشبه بما سماه quot;لعبة الدجاجةquot;، فكوريا الشمالية تمارس التصعيد لإجبار الأطراف على التسوية، في حين أن تلك الأطراف تفهم مسبقا الأهداف والتحركات الكورية الشمالية، وسيكون على الجميع الإنتظار لرؤية ما ستسفر عنه التطورات في الأيام المقبلة.

وبشكل عام تؤكد الأحداث التي تتصاعد مع وقت لآخر في شرق آسيا على أن المنطقة تظل مهيأة لمزيد من التصعيد، وتظل رهنا بدرجة رشاد الأطراف المختلفة في إبقاء التصعيد ضمن حدود من الممكن التحكم فيها، كما تؤكد هذه التطورات من جديد على أهمية الولايات المتحدة وتحالفاتها في المنطقة خاصة للدول المتحالفة معها، لتكون بحسب متابعين تحالفات واشنطن في المنطقة هي الفائز الأكبر من التصعيد المتكرر.