رأى محلِّلون أنّ البيان الأخير المنسوب إلى تنظيم القاعدة في اليمن يفتح الباب أمام صراع جديد في البلاد، إذ شكّكوا في نسب البيان إلى تنظيم إرهابيّ، معربين أنّهقد يكون لعبة استخباراتيّة تقوم بها دول معيّنة، ساعيةإلى تغيير قواعد اللعبة بين القاعدة والحوثيِّين من جهة، وبين اليمن والسعودية من جهة أخرى.


صنعاء: فتح تنظيم القاعدة في اليمن بابًا جديدًا للصراع والتكهنات، في اعقاب اعلان التنظيم مسؤوليته عن هجوم استهدف الحوثيين في محافظة الجوف شمال اليمن الأربعاء الماضي وأدى إلى مقتل 17 شخصًا وجرح آخرين.

عادل الاحمدي

ويقول التنظيم في بيان منسوب إليه نشر الأحد، إن المجاهدين في جزيرة العرب قرروا البدء بهذه العملية الاستشهاديّة دفاعًا عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ودفاعًا عن إخواننا من أهل السنة.

وحسب البيان المنسوب إلى القاعدة، فإن هذه العمليّة جاءت بعد quot;النداءات المتكررة من أهل السنة لإخوانهم المجاهدين للدفاع عنهم وبعد فشل من وصفها بـquot;الحكومات المرتدّة في صنعاء والرياضquot; مع ما يملكون من جيوش وإمكانيات وأموال هائلة عن التصدي للحوثيين الروافض وتركهم لأهل السنة يواجهون مصيرهم المجهولquot;.

وقالت القاعدة في بيانها إنها ستشكل وحدات خاصة للدفاع عن من أسمتهم بـquot;أهل السنةquot;. وأشارت إلى أنّ هذه الوحدات تأتي ضمن سلسلة quot;استئصال النبتة الخبيثة التي زرعها الشيعة الإيرانيون الروافض، في صعدة وما جاورها بزعامة الحوثيين الروافضquot;.

ودعت أهل السنة إلى الالتحاق بهذه الكتائب، وquot;إذا لم يتداركوا أمرهم، فسيفعل بهم الشيعة الروافض، كما فعلوا بأهل السنة في العراق وأفغانستان.

وهددت القاعدة بمواصلة عملياتها ضد الحوثيين قائلة: quot;لقد أعددنا لهم رجالاً لن يهدأ لهم بال حتى يطهروا الأرض من رجسهم وإجرامهم ضد أهل السنة، وحتى لا تكون فتنةquot;.

الولايات المتحدة وإسرائيل

ورفض الحوثيون التجاوب مع بيان القاعدة، كما رفضوا التعليق على البيان ملقين بالمسؤولية على الولايات المتحدة وإسرائيل بالتخطيط للهجوميـن، وإن quot;العدوان يحمل النمط والأسلوب الأميركي الساعي إلى خلق مشاكل تحمل أبعادًا مذهبيّة وطائفيّة كونه المستفيد الأول بكل الاعتباراتquot;.

غير أنّ السفارة الأميركية في صنعاء بادرت إلى نفي صلتها بهذه العمليات، ووصفت في بيان لها تهم الحوثيين بأنّها quot;مزاعم سخيفة لا أساس لهاquot;.

ودانت السفارة الهجوميـن معبّرة عن أسفها للضحايا المدنيين وتعاطفها العميق مع quot;الأسر والأصدقاء الذين تضرروا بسبب هذه الأعمال البشعةquot;.

حول هذا الموضوع يتحدث لـ إيلاف المحلل السياسي محمد عايش، الذي اعتبر ان ما يحدث يعد quot;انعكاسًا لحقيقة أن القاعدة في اليمن quot;قواعدquot; وليست quot;قاعدةquot; واحدة، وبين هذه القواعد ما هو أذرع أمنيّة لحكومات إقليمية ودوليةquot;.

محمد عايش

ويضيف: من يتعمق في قراءة بيان القاعدة ويقارنه بمجمل الخطاب التعبوي ضد الحوثيين في وسائل الإعلام السعودية وأيضًا وسائل إعلام الحكومة اليمنية، سيجده متطابقًا من ناحية اعتبار الحوثيين، quot;شيعةquot; quot;روافضquot; quot;إيرانيينquot; quot;فرسquot;، quot;يستهدفون أهل السنةquot;، إلخ.

وتابع: quot;أنا أستبعد لأسباب عديدة أن تكون القاعدة، قاعدة أسامة بن لادن، هي من يقف وراء هذه التفجيرات أو وراء هذا البيان، فثمة لعبة أمنية استخباراتية، ولا علاقة للأمر بنظرية المؤامرة، لكن الوضع المعقد جدًّا في صعدة والتعاطي الإقليمي والدولي معه يجعل كل شيء ممكنًاquot;.

ويرى إنه: quot;من غير المعقول أن تكون القاعدة معنيّة في هذه المرحلة على الأقل، بالدخول في صراع طائفي مع الحوثيين وهي تعرف حجم quot;الاحتشادquot; الأميركي والدولي في اليمن لشن حرب عليهاquot;.

ويشير إلى أن quot;القاعدة تعيش حربا ضروسا متعددة الجبهات مع الحكومة اليمنية ومع حلفاء صنعاء في الحرب على الإرهاب من السعودية إلى الولايات المتحدة لذلك هي أبعد ما يكون عن الوقوف خلف العمليتين الانتحاريتين في الجوف وصعدة.

ويعتقد عايش إن quot;مثل هذه العمليات ذات البعد الطائفي شهدناها في العراق وباكستان وتحدثت تحليلات ومعلومات متعددة عن أنها نتاج أعمال أجهزة استخبارات تسعى لخلط الأوراق في البلدين، هاتين العمليتين هما امتداد لهذا النوع من العمليات، التي تشير إلى تورط أجهزة استخبارات بهدف خلط الأوراق في كل ساحة داخل البلدينquot;.

ويقول عايش: quot;دعني أقول باختصار، ومن وجهة نظر تحليلية محايدة، إن هذه العمليات قد تكون استمرارا للحرب بين السعودية والحوثيين، أو هو شكل جديد من أشكال الحرب بين الطرفين، يتم استخدام القاعدة كقناع له، ولا أستبعد أن نشاهد في الأيام القادمة عمليات مماثلة تستهدف مصالح سعودية، مثل حرس الحدود السعودي، من قبل الحوثيين وتتم نسبتها إلى القاعدة أيضًاquot;.

وحول ما إذا كان هناك آلة إعلامية من غير القاعدة تنسب العمليات للقاعدة وهي ليست quot;قاعدةquot;، يقول عايش إن quot;القاعدة ليست تنظيمًا صارمًا، كما أنها لا تمانع أن ينسب إليها أي شيء طالما انها ترى في ذلك إنجازًاquot;.

السعودية متضررة أكثر

على عكس ما ذهب إليه محمد عايش يتحدث الكاتب المتخصص بشؤون الحوثيين عادل الأحمدي معتبرا إن quot;أكثر المتضررين من تبني القاعدة لهذه العملية هي السعودية، لأن القاعدة معروفة بأنها ليست شيعية والمجتمع السعودي هو مزرعة للقاعدة وليس للحوثيين، فالتهديد الحقيقي الشعبوي للسعودية يأتي من قبل القاعدة ولكن التهديد العسكري الإقليمي يأتي من قبل إيرانquot;.

ويضيف الأحمدي لـ إيلاف quot;إن التهديد الفكري يأتي من قبل القاعدة، فعندما تتبني القاعدة مثل هذه العملية فإن السعودية أكثر خشية من أن يتأثر الشباب الذين يبغضون التمدد الشيعي من أن يتأثروا بذلك، لذلك فإن الأطروحات حول ضلوع السعودية في هذا الموضوع طرح بعيد جدًا، عن جدلية الصراع تاريخًا وفكرًا بين المملكة والقاعدة وكذلك من الناحية الجيوسياسيةquot;.

ويرى إن السعودية تخشى من أية بطولة للقاعدة لأن هذا قد يخلق لها عنف داخل المجتمع الذي هو سني بطبيعته، فمهما كانت خشية السعودية من الحوثيين إلا أن خشيتها من القاعدة أكبرquot;.

وحول تفاصيل البيان يقول الأحمدي إن quot;القاعدة إذا كانت الفاعل الحقيقي لمثل هذا العمل فكان يفترض أن لا تعلن مسؤوليتها بالذات في مثل هذا الجانب، ذلك أن أزمة صعدة طوال ست سنوات إنها ضمن التصنيف الشيعي وكانت أزمة بين دولة ومتمردين عليها أيا كان مذهبهمquot;.

ويرى أنّ quot;القاعدة وجدت أنّصورتها قد احترقت بسبب أعمالها ضد المصالح اليمنية والسعودية فدرست المشهد ورأت أن الكراهية للحوثيين بلغت ذروتها، فأرادت أن تعيد لنفسها بعض الشعبية عن طريق تبنيها لهجمات ضد الحوثيين أو حتى قيامها. الأهم بالنسبة إليها جلب الشعبية، بعد أن أحرقت صورتها مثلها مثل الحوثيين، وبيان مثل هذا قد يضمن لها أموالاً من أشخاص يتبنون مكافحة التمدد الشيعي الإيراني في المنطقة.

ويعتقد الأحمدي أنّ quot;القاعدة خدمت نفسها وخدمت الحوثيين أيضا، لكنها قدمت خدمة للحوثيين أكثر من نفسها لأنها نقلتهم من خانة المدان المتمرد إلى خانة الضحية المتعاطف معها، وبالتالي فالقاعدة من دون أن تدري ستدخل الحوثي ضمن حلف مكافحة الإرهاب،بينما الحوثي إرهابي متمرد في الأساس وربما قد يكون ارهابيًّا أكثر من القاعدةquot;.

وأعرب عن أمله في ألا ينحو الصراع في صعدة إلى منزلق طائفي ليجسد قول الشاعر عبدالله البردوني :quot;دخلت صعدةْ بابا ثانيا,, ليتها تدري إلى أين انفتحquot;، فقد نجا اليمن من التوصيف الطائفي خلال الـ 6 سنواتquot;.