ما زال الاحتقان يسيطر على سكان مدينة العيون المغربية،حيث تروج تجارة الأبواب والنوافذالحديدية خشية من تجدد المواجهات التي اندلعت في الثامن من نوفمبر الماضي، كما أن اصحاب العمارات الذين كانوا يفكرون بوضع الزجاج لواجهات محلاتهم،عدلوا خططهم واختاروا الأسمنت.
العيون:حاولت مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية في الجنوب المغربي، أن تلتئم جروح أحداث ثامن نوفمبر الماضي، من خلال مهرجان فني، الجانب الاحتفالي لم ينس الاحتقان بين الصحراويين وغيرهم.
quot;التجارة الأكثر رواجاً في المدينة حالياً، هي تجارة الأبواب الحديدية، هناك إقبال لم يسبق له مثيل في المدينة على هذه الأبوابquot; هذا تصريح لحميد، مواطن من مدينة العيون لجأ هو الآخر إلى اقتناء باب حديدي بعد بين سكان العيون الصحراويين أو غير الصحراويين (القادمون من شمال الصحراء في الثلاثين سنة الأخيرة).
حميد الذي يعمل في مؤسسة عمومية يخشى تكرار ما حدث يوم ثامن نوفمبر تشرين الأول الماضي quot;الهاجس الأمني حاضر بقوة، لذا يسعى السكان إلى أخذ الاحتياطات. هذه الاحتياطات لم تقتصر على اقتناء الأبواب الحديدية ووضع شبابيك حديدية على النوافذ، بل شملت إعادة واجهة بعض العمارات quot;كان أصحاب أكثر من خمس عمارات في شارع السمارة يرغبون في وضع واجهات زجاجية، لكن بعد تلك الأحداث حل الإسمنت محل الزجاجquot;، يقول مسؤول محلي بالمدينة.
أصحاب العمارات يخشون، كذلك، تكرار أعمال التخريب الكبيرة التي شهدتها المدينة من قبل شباب قالت السلطات المغربية إنهم نفذوا خطة معدة سلفا من قبل البوليساريو (الجبهة المطالبة باستقلال المحافظات الصحراوية) بدعم جزائري. وقد كانت الخسائر الكبيرة في عمارات زجاجية كتلك العمارة المتواجدة بشارع السمارة، آثار ذلك التخريب مازالت بادية على واجهتها رغم مرور شهرين تقريبًا.
بالنسبة للمنتخبين هناك تحسن كبير وبداية نهاية الاحتقان، هذا ما يؤكده، حمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، فأحداث ثامن نوفمبر من الماضي والتعايش بين الصحراويين وغير الصحراويين يعود تدريجيًا.
وكانت الأحداث قد عرفت خروج مواطنين ينحدرون من مناطق مغربية تقع شمال الصحراء الغربية حاملين الرايات المغربية وداهموا ظهر ثامن نوفمبر تشرين الأول منازل صحراويين انتقاما للدمار الذي سببه شباب صحراوي انفصالي من خسائر في مؤسسات تابعة للدولة وأملاك لسكان العيون غير الصحراويين، وقد ذهبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى الحديث عن تجنيد quot;القوات المساعدة و رجال الأمن... شباب من المدنيين، لمداهمة المنازل ونهب ممتلكاتها بحثا عن المشتبه بهمquot;.
وأكدت كجمولة بنت أبي، عضو في مجلس النواب بالبرلمان المغربي ذلك في حوار سابق مع quot;إيلافquot;. وتحدثت البرلمانية عن تجنب المدينة مذبحة كبيرة عندما لزم الصحراويون بيوتهم ولم يواجهوا غير الصحراويين. منذ تلك الأيام والأجواء الاحتقان سائدة. مهرجان quot;روافد أزوانquot; المنظم من 24 إلى 26 ديسمبر كانون الأول 2010 كان محاولة لتلطيف الأجواء، لكنه لم ينجح كثيرا في مسعاه.
الفن لتجاوز الاحتقان
لم تستسغ بعض جمعيات المجتمع المدني في العيون تنظيم مهرجان فني في هذه الفترة، وقد أصدرت بيانات ونشر بعض الموالين لجبهة البوليساريو قبل يوم من انطلاق المهرجان دعوات لمقاطعته. ومبررات هذه الجمعيات، وإن اختلفت بين وحدوية وانفصالية، إلا أنها ذهبت إلى أن الاحتفال بعد شهرين عن أحداث ذهب ضحيتها 13 شخصا منهم 11 فردا من القوات العمومية فيه استهتار بمشاعر السكان.
بعض الانفصاليين اعتبروا حتى رفع العلم المغربي من قبل الجمهور quot;مظهر من مظاهر الاستفزازquot; لأنه quot;يذكر بأعلام رفعت ظهر ثامن نوفمبر من قبل سكان العيون غير الصحراويين بدعم من قوات الأمنquot; يقول أحد الانفصاليين. بالنسبة للمنظمين فإن هذا المهرجان سيساعد في عودة السلم الاجتماعي ويرجع المدينة إلى ما كانت عليه قبل ثامن نونبر، كما يؤكد حمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء.
وتذهب حجبوها الزوبير، رئيسة جمعية quot;ائتلاف الساقية الحمراءquot;، الجهة المنظمة للمهرجان، وتعتبره وسيلة لإعادة الفرحة إلى المدينة. كما ردت على منتقديها، وقالت لquot;إيلافquot; إن بيانات الجمعيات المنتقدة لها غير ذات معنى موضحة أن من يريد العمل عليه أن ينزل إلى الميدان، بخصوص منتقدي التدبير المالي للمهرجان، قالت إنها مستعدة لمراقبة مالية الجمعية، وأنها لا تخشى شيئًا.
وحسب معطيات حصلت عليها quot;إيلافquot; فإن ميزانية الدورة الحالية الأقل قيمة مقارنة بالدورات السابقة، بلغت 5 مليون درهما (قرابة 520 ألف أورو). سهرات المهرجان شهدت إقبالا محدودا من قبل السكان، وظلت مساحات فارغة في ساحة المشور التي احتضنت الدورة، وحسب شهادات لـquot;إيلافquot; فإن الحضور اقتصر على السكان غير الصحراويين quot;لم أشاهد سهرات المهرجان لأننا لم ننس بعد أحداث ثامن نوفمبر الماضيquot; تقول حليمة، شابة صحراوية.
وظهر حضور غير الصحراويين خاصة في سهرة اليوم الثاني إذ لم يتم في بداية الحفل التفاعل مع فرقة موريتانية للراب، بل طالب الجمهور مغادرتها واستمرار فرقة quot;أودادنquot; الأمازيغية في تقديم أغانيها.
لكن ما يثير في حضور الجمهور هو نسبة الشباب الكبيرة، فغالبية الجمهور كان من الشباب الذي يعيش في مدينة تفتقد مرافق ثقافية وفنية. من النقاط التي ركز عليها منتقدو المهرجان صرف أموال كثيرة في حدث فني عارض وترك المجال فارغا، كما يؤكد ناشط حقوقي بالمدينة. هذا الناشط يؤكد أن مثل هذه السياسات تسبب الاحتقان في المدارس.
المدرسة الخطر الكبير
كانت المدرسة العمومية أكثر تمظهرا لحالة احتقان الصحراويين وغير الصحراويين، فبعد أحداث العيون، بدأ التشنج في مدرستين عموميتين. دخل تلامذة صحراويون في صدام مع تلامذة غير صحراويين، ثم اندلعت احتجاجات داخل بعض المدارس ورفع العلم المغربي، هذا الأمر اعتبر استفزازا، فقرر الوالي الجديد خليل الدخيل منع استعمال العلم في المدارس، الوالي أكد على ضرورة تطبيق القانون الذي يسمح بتحية العلم كل صباح.
ورغم ذلك مازالت الأجواء متوترة quot;أكثر الحصص خلقا للتشنج هي حصة التربية الوطنية، تخلق نقاشا حادا بين التلاميذquot; يقول أستاذ في إحدى المدارس العمومية بالعيون. السلطات المحلية بدأت تشعر بخطورة الوضع في المدارس، لذا عقد الوالي والمنتخبون ومندوب وزارة التعليم بالعيون ورؤساء جمعيات آباء التلاميذ اجتماعا الخميس 23 ديسمبر كانون الأول لتدارس الوضعية، وقد حذر، حسب معطيات توصلت بها quot;إيلافquot;، عدد من المتدخلين من الاستغلال السياسي خاصة من قبل الانفصاليين للمدراس، كما أعلن عن ضرورة وضع خطة تتوخى تنشيط المدارس عبر أنشطة فنية وثقافية ورياضية لتجاوز الوضيعة الحالية.
تبدو المدينة متفائلة، رغم حالة الاحتقان بالمستقبل، لذا بدأت تفكر في سياسة تخص الجيل المقبل، لكن هذا غير كاف فعدد من الملاحظين بالمدينة يؤكدون على ضرورة إشراك الصحراويين وغير الصحراويين في تقرير مستقبل المدينة، مشددين أن استثناء طرف ما سيكون وبالا على الجميع. وهذا ما يريده سكان العيون البالغ عددهم أكثر من مائتي ألف نسمة.
التعليقات