باريس: بعد خمسين عاما من استقلال مستعمراتها الافريقية، لم تعد فرنسا الشريك الحصري لهذه البلدان ولا الوصي الذي مثلته لعقود طويلة ومع ذلك فان هذه العلاقة القديمة مستمرة بالاستناد على روابط قديمة وتبحث عن صيغة جديدة لها.
فبكين على سبيل المثال هي التي قدمت مركز المؤتمرات المقبل للاتحاد الافريقي في اديس ابابا الذي سيتم فيه مناقشة مستقبل القارة. والزمن الذي كانت باريس تسيطر فيه بدون منازع على غرب افريقيا ووسطها، قد تغير.
ويقول الصحافي انطوان غلاسر المشارك في تاليف كتاب quot;كيف خسرت فرنسا افريقياquot;، ان quot;النظام الفرنسي-الافريقي كان مندمجا بشكل كامل: سياسيا وعسكريا ومالياquot;. وتابع غلاسر ان quot;فرنسا كانت تدير هذه الدول مثل مستعمرات جديدةquot; مشيرا الى التدخل العسكري واختيار القادة الافارقة والوصول الى الموارد.
واضاف ان الاندماج الفرنسي-الافريقي الذي ولد في ستينات القرن الماضي استمر بفضل الحرب الباردة حين quot;كانت فرنسا مكلفة الحفاظ على مصالح الغربquot;.
ومع سقوط جدار برلين quot;خففت فرنسا نسبيا من روابطها الاقتصادية مع افريقيا متجهة نحو اوروباquot; كما يقول فيليب هوغون من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
وبعدما كانت نسبة التبادل التجاري الفرنسي مع افريقيا تبلغ حوالى 40% في الستينات فانها لم تعد تبلغ سوى حوالى 2% حاليا. كما خففت فرنسا عدد عناصرها في تلك الدول مؤكدة انها لم تعد تريد ان تكون quot;شرطي افريقياquot; وتعيد التفاوض الان حول اتفاقات الدفاع التي وقعتها مع ثماني دول افريقية.
لكن اعتبارا من العام الفين اصبحت افريقيا وجهة مرغوبا فيها اكثر فاكثر للقوى الناشئة وفي مقدمها الصين بسبب ثروات هذه المنطقة لا سيما النفط. وقال هوغون quot;لقد انتقلنا من علاقات ثنائية مميزة تلت حقبة الاستعمار الى تنوع في الشراكاتquot;.
وبحسب مراجع التوثيق الفرنسية فان الصين اصبحت ثاني شريك تجاري لافريقيا، متقدمة على فرنسا وخلف الولايات المتحدة، لكن الشركات الفرنسية لا تزال مهمينة في بعض المجالات مثل السدود والاسلاك تحت البحر.
وعلى الصعيد السياسي فان فرنسا شهدت ازمات لا سابق لها مثل حوادث دامية في ساحل العاج عام 2004. وفي العام 2007 كشف خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في دكار الذي واجه انتقادات شديدة، عن شعور قسم من الافارقة بالحقد تجاه القوة المستعمرة سابقا واخذوا عليها بشكل خاص القيود المفروضة على تأشيرات الدخول.
وجاء انذاك في تقرير للدبلوماسيين الفرنسيين في افريقيا ان صورة فرنسا quot;تترنح بين الجاذبية والرفضquot; لا سيما بسبب دعمها لانظمة موضع جدل.
ولا تزال باريس تملك ثلاث قواعد عسكرية دائمة في القارة وتشارك في عمليات محلية او متعددة الجنسية. وقال غلاسر ان quot;العلاقة الفرنسية-الافريقية هي مثل سفينة كبيرة لا تتوقف فجأةquot; مؤكدا اهمية الجاليات الفرنسية في تلك الدول (200 الف نصفهم يحملون الجنسيتين).
وتابع هوغون انه في المفاوضات الدولية تعتبر باريس quot;احد ابرز المدافعينquot; عن افريقيا كما ان quot;فرنسا بحاجة لها لكي تحظى بثقل اكبر في الامم المتحدةquot;.
ويقول ايف غونين مؤلف quot;فرنسا في افريقياquot; ان quot;البنى التحتية الفرنسية الافريقية تبقى حتى مع مرور الزمن، ستتطبع بدلا من الزوالquot;. واضاف quot;هناك تغيير في الجيلquot;، فquot;السياسيون المحنكون الذين كانوا يتحدثون للافارقة بصيغة خالية من اي كلفة وهو دليل صداقة لكن ايضا ابوة، حل محلهم اشخاص جدد يعتبرون افريقيا منطقة مثل غيرها وبعد سنوات سيعتمدون لهجة رسمية اكثر مع افريقياquot;.
وقال quot;انها علامة احترام لكنها دليل ايضا على اخذ مسافةquot;.
التعليقات