استبعد الدكتور أحمد رشيد ملك الخبير في شؤون شرق آسيا أن يثمر الحوار الذي اطلق اخيرا بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان نتائج ملموسة. كما رأى ان الهند قبلت بالعودة الى طاولة المفاوضات من اجل تأمين مصالحها الاقتصادية.

اسلام اباد: تعد منطقة جنوب آسيا من اكثر المناطق المشتعلة في العالم وهي تعاني من قضية كشمير إحدى أكبر وأقدم القضايا العالقة ؛ لكن كلما يظهر أمل في التقرب إلى حل لهذه القضية يحدث أمر يعيد الأمور الى سابق عهدها. ورغم أن الجارتين النوويتين الهند وباكستان أجرتا أدوارا من الحوار في الماضي القريب والبعيد لكن مع الأسف أنها لم تؤد إلى أي نتيجة.

وترى باكستان أن المفاوضات لا تثمر بسبب التعنت الهندي إزاء القضايا العالقة، في حين ترغب الهند في رفع مستوى التجارة أو الحصول على إذن العبور إلى منطقة وسط آسيا عن طريق الأراضي الباكستانية مع تأجيل الحوار عن كشمير أو عدم التفاوض عنها. وهو أمر ليس مقبولا لدى الجانب الباكستاني.

وقد دفعت الأسباب المختلفة الهند إلى الجلوس إلى مائدة الحوار مع باكستان رغم رفضها لاستئناف المفاوضات الشاملة التي توقفت فجأة بعد هجمات مومباي في 26/11/2008 بعد استمرارها لأكثر من أربعة أعوام.

و يرى الدكتور أحمد رشيد ملك الخبير في شؤون شرق آسيا والباحث في معهد إسلام آباد للدراسات الإستراتيجية ان الهند تحاول عبر العودة اخيرا الى طاولة المفاوضات مع باكستان، ممارسة الضغط على الأخيرة وبالتالي لن تكشف المفاوضات عن أي نتيجة تذكر.

ويقول الدكتور أحمد رشيد ملك في حديث مع ايلاف إن الصقور الهنود هم الذين عرقلوا طريق التفاوض مع باكستان رغم أن منموهن سينغ كان قد أكد استئناف المفاوضات في شرم الشيخ خلال لقائه نظيره الباكستاني.

يذكر ان الدكتور أحمد رشيد ملك ألّف أوّل كتاب يتناول العلاقات بين اليابان والمنطقة التي تسمى الآن باكستان، باحثا في جذور تلك العلاقات عندما كانت مدينة quot; تيكسلاquot; الباكستانية مهدا للبوذية وحتى العصر الحاضر.

في ما يلي نص المقابلة:

س: استأنفت باكستان والهند المفاوضات بينهما بعد توقفها إثر هجمات مومباي. هل ترى أنها سوف تكشف عن نتيجة أم هي مثل مثيلاتها في الماضي؟

ج: أنا أرى أن هذه المفاوضات هي مفاوضات من أجل المفاوضات وليس أكثر من ذلك؛ لأن الهند قد حاولت دفع باكستان إلى العزلة مبررة ذلك بهجمات مومباي وقد مارست الضغوط على باكستان مع رفضها لاستئناف المفاوضات. وبالتالي فإن القضايا العالقة سوف تبقى كما هي.

س: لماذا منعت الهند من التفاوض مع باكستان رغم تأكيد رئيس وزرائها في شرم الشيخ بأن الهند ستعود إلى التفاوض؟

ج: الصقور الهنود هم الذين عرقلوا طريق منموهن سينغ للتفاوض؛ لكن الآن عادت الهند إلى مائدة الحوار لأنها بدأت تشعر بمخاطر توقف التفاوض؛ لأن باكستان والهند دولتان نوويتان ولا فرق بين دولة نووية صغيرة وأخرى كبيرة في هذا الصدد لأن السلاح النووي يبقى نوويا والخسائر الناجمة من استخدامه هائلة.

س: هل ترى أن باكستان قامت بمسؤولياتها إزاء الاتهامات الهندية عقب هجمات مومباي؟

ج: للأسف أنا لا أرى أي دور حيوي للحكومة الباكستانية في هذا الصدد. كما وأن وسائل الاعلام والمجتمع المدني قصروا في دورهم ولم يدافعوا عما يجب الدفاع عنه. مثلا أعلنت الهند أخيرا أن مواطنا هنديا يسمى (أبو جندل) قد يكون أكبر ضالع في تلك الهجمات؛ لكن لم نسمع أي أصداء لهذا الاعتراف في باكستان. وقد أثرت هذا الموضوع مع عدد من المسؤولين والصحافيين لكنني لم أجد ردا شافيا وتبريرا لالتزام الصمت وعدم الترويج لهذا الاعتراف.

س: في رأيك ما هي الأسباب وراء عودة الهند إلى مائدة الحوار؟

ج: هناك عدة أسباب. منها أن الأوضاع المتوترة مع باكستان تضر الهند اقتصاديا؛ لأنها لا تقدر على الوصول إلى دول وسط آسيا وإلى الخليج برا إلا عن طريق التراب الباكستاني. كما وأن توتر العلاقات ألقى بظلاله على مشروع الغاز الهندي مع إيران إضافة إلى تأثرها من الوضع الاقتصادي الدولي. إلى جانب ذلك ترغب الهند في أن تسمح لها باكستان بالعبور إلى أفغانستان؛ لكن كيف يمكن ذلك لباكستان من دون إجراء المفاوضات الشاملة.

وما يزيد الطين بلة أن الهند ضالعة في تأزيم الوضع في باكستان وهناك دلائل تشير إلى ذلك. وقد تقدمت باقتراح بإثارة هذه القضية في الأمم المتحدة. وأرى ان الدول الكبرى سوف تؤيد الموقف الباكستاني لأنها تعارض الإرهاب وتحاربه.

س: قبل أيام دعا وزير الداخلية الهندي الكشميريين الذين نزحوا إلى كشمير الحرة- باكستان- بعد استهلال الحركة المسلحة في التسعينات للعودة إلى بيوتهم، في حين أشار وزير الصحة الهندي إلى أنه ليس من السهل التمييز بين الإرهابيين والمسالمين العائدين من باكستان... هل هذا الإعلان سيغري الكشميريين على العودة رغم تواجد الشكوك حول مصيرهم؟

ج: أبدا. لا أرى أن أي واحد من الكشميريين سيعود إلى كشمير المحتلة حيث لا يزال 700 ألف جندي هندي يتواجد؛ لأن الأوضاع الآن هي كما كانت في الماضي. والهند لم تتمكن من زعزعة عزم الكشميريين رغم قتل 100 ألف منهم. أنا مستاء من هذا العرض الهندي. وعلى المجتمع الدولي أن يؤدي واجبه إزاء الشعب الكشميري حسب وعود وقرارات الأمم المتحدة.

س: بعد العلاقات الهندية الباكستانية نعود لنستعرض الوضع السائد في البلاد ولاسيما أجواء الصراع بين الحكومة والقضاء. ما هو تقييمك لهذا الوضع؟

ج: من صميم قلبي أنا أرى أن الصراع بين السلطة الإدارية والقضائية مفيد؛ لأن هذا الصراع دفع باكستان إلى الطريق الديمقراطي. وأرى أن الصراع مؤكد لأن باكستان عاشت نحو عقد من الزمن تحت وطأة الدكتاتورية وستحتاج إلى وقت لسلوك طريق الديمقراطية. والصراع مع القضاء يحدد لها معالم الطريق؛ لأن الصراع في النهاية كشف عن النتائج التي يرغب فيها 180 مليونا من الشعب الباكستاني وأمامكم قضية إعادة القضاة إلى مناصبهم وقضية تعيين القضاة في محكمة التمييز قبل أيام.

س: ألا يشكل القضاء الحر خطرا على السلطة الإدارية كما يقول البعض؟

ج: لا. والعكس صحيح؛ لأن القضاء الحر يعزز الديمقراطية ويجلب الاستثمار الأجنبي إلى البلاد؛ لأن المستثمر عندما يتأكد أنه يستطيع الحصول على حقه عن طريق القضاء فهو يقبل على الاستثمار. وهذا أكبر أسباب الاستثمار الخارجي في ماليزيا وسنغافورة وبعض الدول الأخرى. وعندما كنت مستشارا لشركة (دايوو) الكورية كتبنا في الاتفاقية أنه ستتم مراجعة محكمة لندن في حالة نشوء أي خلاف بين الطرفين المتعاقدين.