إستبعد تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن تؤثر الإنتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية المقبلةفي توزيع السلطة في البلاد، إذ إنالنتائج معروفة سلفاً.

القاهرة: تعّد مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي - ومقرها الولايات المتحدة - تقريرا ً تحليليا ً مطولا ً، تبرز فيه حقيقة التحول الذي بدأ يطرأ على مصر في الآونة الأخيرة، وبداية تحولها من كيان شبه سلطوي إلى مجتمع ذي بُعد واحد. ويستبعد التقرير في البداية أن يكون لأي من الانتخابات التي ستشهدها مصر خلال العام الجاري ( انتخابات مجلسي الشعب والشورى ) والعام المقبل ( انتخابات الرئاسة ) أي تأثير على توزيع السلطة في البلاد.

ويشير التقرير، استنادا ً إلى عشرات اللقاءات التي أجريت مع مجموعة من المحللين والسياسيين وأعضاء منظمات المجتمع المدني، إلى أن الكل يتوقع ألا تُحدِث تلك الانتخابات فارقا ً. فالنتائج معروفة سلفا ً في واقع الأمر، حيث ستكون الغلبة في نهاية المطاف للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، كما هو حاصل الآن، كما يُنتظر أن تحظى المعارضة بتواجد أقل، بسبب إخراج جماعة الإخوان المسلمين من حلبة المنافسة بعد إلقاء القبض على كثير من قادتها.

فيما يرى التقرير أن هناك بعض الشكوك حول الانتخابات الرئاسية، وأن النتائج المحتملة في هذا الإطار ستكون نتائج محدودة: تتمثل في فوز الرئيس مبارك بولاية جديدة، حيث يبدو عازما ً على خوض غمار الانتخابات مرة أخرى، أو ربما انتخاب نجله جمال أو أحد المسؤولين الصوريين في الحزب الوطني الديمقراطي، في الوقت الذي تُحكِم فيه الأجهزة الأمنية سيطرتها بحزم على مقاليد الأمور في ما وراء الكواليس.

كما يمضي التقرير ليؤكد أن نتائج تلك الانتخابات متوقعة للغاية، لأن احتمالية إجراء منافسة حقيقية عملية مستبعدة، في ظل اختفاء أحزاب المعارضة. ويلفت التقرير في السياق ذاته أيضا ً إلى أن مصر تحولت بالفعل من الناحية السياسية إلى مجتمع ذي بُعد واحد ، حيث لا يوجد بديل حقيقي للمؤسسة الحاكمة الحالية. ويلفت التقرير في هذا الجانب إلى أن المصريين غير راضين عن الوضع الراهن، وأظهروا عدم رضاهم من خلال التزايد السريع في عدد الإضرابات والتظاهرات التي يقومون بها، لكن المنظمات السياسية التي يمكنها تحويل هذا السخط إلى واقع بديل للحكومة الحالية لم يعد لها وجود.

ويلفت التقرير أيضا ً إلى أن التكهنات التي تشهدها القاهرة الآن لا تدور حول عدد المقاعد التي ستفوز بها الأحزاب المختلفة، وإنما تدور حول عدد المقاعد التي ستمنحها لهم الحكومة من أجل المحافظة على الرواية التي تتحدث عن أن مصر لم تعد إلى نظام الحزب الواحد. كما ينوه التقرير بمنهجية الصمت المتزايد التي باتت تلتزمها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، في مواجهة الإغلاق الصارم للفضاء السياسي في مصر، وما تتعرض له جماعة الإخوان المسلمين والخصوم الليبراليين من مضايقات.

ويقول التقرير إنه حتى وإن أقدمت الولايات المتحدة على تقديم مساعدتها للأحزاب السياسية، فإن ذلك لن يكون بالأمر المجدي، حيث لم يعد يتبقى على الانتخابات سوى أشهر قليلة، وهو ما يتواكب مع حالة الاحتضار التي تعيشها الأحزاب الليبرالية واليسارية، وكذلك الانقسام العميق الذي يهيمن على جماعة الإخوان المسلمين، التي يحتجز كثير من قادتها في السجون، وبدء إطلاق بعض من أقوى المدافعين عن المشاركة السياسية دعوات لوقف المشاركة. ومن خلال التزامها الصمت، يرى التقرير أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تبعث بذلك رسالة تعني أن الولايات المتحدة تقبل الصورة الزائفة للديمقراطية التي تمثلها تلك الدورة الانتخابية.

ثم يمضي التقرير ليقول إن انتخابات عام 2005 مثلت انتصارا ً وتراجعا ً على حد سواء لجماعة الإخوان المسلمين، لأن مثل هذا النصر الذي حققته الجماعة آنذاك في انتخابات مجلس الشعب ( بفوزها بـ 88 مقعدا ً ) فاق بكثير الحد الذي كان يبدي النظام استعداداً للتغاضي عنه. كما جاءت نتائج تلك الانتخابات لتظهر فشل المنظمات الليبرالية واليسارية ونهوض جماعة الإخوان. ونتيجة لتحول مصر إلى بلد ذي بُعد واحد، فهي تدخل بذلك الموسم الانتخابي الجديد بلا معارضة منظمة قادرة على البقاء. كما يرى التقرير أنه ما زالت هناك أصوات للمعارضة في البلاد، ويُصغى إليها بشكل أفضل مما كان في السابق، بفضل نمو الصحف المستقلة وغير الحكومية، وكذلك المحطات التلفزية التي تبث مناظرات سياسية مباشرة. بالإضافة إلى المدونين الذين ينتمون إلى جميع التيارات العقائدية، ونشوء إحدى حركات الاحتجاج التي تضم شبانا ً صغارا، يستعينون بوسائل الإعلام الاجتماعية لتنظيم وتنسيق أنشطتهم.

ثم يمضي التقرير ليؤكد أن نقص الثقة في المعارضة الرسمية قد تجلى في موجة الدعم المفاجئ لمحاولة الترشح لانتخابات الرئاسة من جانب الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي يستبعده التقرير من الترشح، لأنه يغيب عن مصر منذ عام 1980، ولا يحظى بخبرة سياسية مسبقة، ولم يسبق له وأن صرح برغبته في الترشح. وفي مواجهة هذه المجموعة من الأحزاب السياسية الواهنة، والمنظمات المنقسمة، والمرشحين المستبعدين، يقف الحزب الوطني الديمقراطي، الذي يستفيد من الحصول على موارد الدولة، وعلاقاته الوثيقة بأجهزة الأمن، والدستور والقوانين الخاصة بالانتخابات والأحزاب السياسية التي تهدف إلى حماية شاغليها من المنافسة.

وهنا، يقول التقرير إنه ولجميع الأغراض العملية، تحولت مصر إلى بلد ذي بُعد واحد على الصعيد السياسي، حيث تمكنت المؤسسة الحاكمة من تقويض المعارضة إلى الدرجة التي يبدو فيها نظام التعددية الحزبية في واقع الأمر نظام الحزب الواحد. وبالتزامها الصمت مع بدء تحرك مصر صوب دورة انتخابية بلا معنى، تضر إدارة أوباما بمكانتها في أعين المصريين، وبشكل أعم، الرأي العام العربي من دون الحصول على أي شيء في المقابل. ومن جهة أخرى، لن تتمكن الإدارة من بذل الكثير للتأكد من أن الانتخابات المقبلة ستكون ذات جدوى. فبعد عقدين من الفشل، لن تتمكن الأحزاب السياسية الحالية من إعادة بناء أنفسها في غضون بضعة أشهر، أو في أي وقت.

ويخلص التقرير إلى أن أي محاولة لاستئناف عملية التحول الديمقراطي في مصر ستكون في حاجة إلى رؤية طويلة الأمد، تمتد لما هو أبعد من الحلقة الانتخابية المقبلة، ويتوجب أن تحظى بالعديد من العوامل، التي يأتي في مقدمتها إصدار بيان خاص ببعض المبادئ التي تُبيِّن إيمان واشنطن بضرورة العملية الديمقراطية، وتقديم تقدير أمين للحقيقة التي تقول إن افتتاح الدورة الانتخابية في مصر لن يمت بصلة للديمقراطية. وكذلك ضرورة أن تقوم إدارة أوباما بحث موظفي السفارة الأميركية في القاهرة على اكتساب معرفة متعمقة بجميع المنظمات السياسية والحركات الاحتجاجية، لا لدعمها، وإنما لأن مصالحها تحتاج لفهم طبيعة القوى السياسية في البلاد. وأن تقوم واشنطن في الوقت ذاته بفتح قنوات للتواصل مع الحكومة المصرية.

وفي الختام، ينتقل التقرير ليقول إن التواصل مع نظام الرئيس مبارك يجب أن يتكون من شقين: أولهما: الدخول في مناقشة صريحة جدا ً عن القيود المفروضة على النشاط السياسي والتي لا يمكن تبريرها من الناحية الأمنية. وثانيهما: متعلق بضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بالنظر في إجراء عملية التشاور الأساسية، ليس فقط مع مصر، وإنما مع كافة الدول الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، حول المبادئ التي ينبغي لها أن تحكم سياسات جميع البلدان في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة. وتختم المؤسسة حديثها بالتأكيد أن الوقت قد فات في ما يتعلق بإمكانية التغلب على عقبة البُعد الواحد التي طرأت أخيرا ً على المشهد السياسي في مصر. وأنه إن لم تُتخذ خطوات الآن لمواجهة هذا التحول، فإن البلاد ستكون على موعد مع دورة جديدة من الانتخابات عديمة الجدوى بعد خمس سنوات من الآن.