أحد اجتماعات الحكومة الإسرائيلية |
يؤكد استاذ القانون في جامعة حيفا يوسف جبارين أن إسرائيل تحاول خلق مبدأquot;اليهودي اللاجىءquot; وفق معادلة تقوم على مبدأ نحن نتنازل عن التعويض والعودة وفي المقابل ايضا انتم تتنازلون عن عودة اللاجئين الفلسطينيين من الخارج.
حيفا: بالتزامن مع الأصوات الفلسطينية التي علت مؤخراً محذرة ومستنكرة قيام حكومة إسرائيل بسن قانون يلزم أي حكومة إسرائيلية باستنفاذ ملف quot;حقوق اللاجئين اليهودquot; من البلدان العربية، واعتبار هذا القانون الجديد بأنه خطوة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة أو التعويض أكد أستاذ القانون، ومدير معهد دراسات، المركز العربي لدراسات القانون والسياسة يوسف جبارين،في حديث خاص مع إيلاف، أنه لا يمكن في ظل الوضعية القانونية الحالية الالتفاف على قرار الأمم المتحدة 194 الخاص بعودة اللاجئين والتعويض، من جهة.
كما بين جبارين أن إسرائيل لن تستطيع عند ساعة الامتحان موازاة نصوص قرار 194 بشأن العودة، أو التعويض مع quot;قضية اليهود العربquot; خوفا من أن تعرض الدول العربية على يهودها العرب العودة إلى موطنهم الأصلي، ولأن هؤلاء لم يطردوا من مواطنهم الأصلية ولا هجروا منها، بل هاجروا بمبادرتهم وبمساعدة الوكالة اليهودية التي ثبت في السنوات الأخيرة، وباعتراف عدد من أقطابها، أنها كانت وراء افتعال كثير من quot;الأحداثquot; التي دبت الرعب والخوف في نفوس يهود بعض البلدان العربية.
وقد أجرت quot;إيلافquot; الحوار الآتي مع الدكتور يوسف جبارين، تناول فيه كل الإشكاليات والأبعاد القانونية للقانون الإسرائيلي الجديد.
أقرت الكنيست مؤخرا بموافقة الحكومة الإسرائيلية، قانونا يلزم أي حكومة إسرائيلية بضرورة استنفاذ موضوع quot;حقوق اللاجئين اليهود في البلدان العربيةquot; قبل التوقيع على اتفاقية سلام، ما هي قانونية هذا القانون أولا، وهل يمكن لحكومة أن تلزم حكومات قادمة بمرجعيات وقيود تكبل يديها في المفاوضات؟
من الناحية القانونية فإن هذا القانون ساري المفعول فقط داخل إسرائيل، داخل المؤسسات الإسرائيلية نفسها، وهو يعطي رئيس الحكومة الإسرائيلية صلاحية تنفيذه والإشراف عليه. والقانون يبقي عمليا صلاحية تنفيذه بيد الشخصية السياسية الأولى في إسرائيل.
ولكن لو أخذنا فحوى هذا القانون وأسقطناه على مستوى العلاقات المصرية الإسرائيلية مثلا، حيث ترتبط البلدان بمعاهدة سلام منذ عشرات السنين، وعند توقع المعاهدة لم تطرح إسرائيل هذا الملف لا في المفاوضات ولا في النصوص، فهل يمكن لها اليوم أن تطالب بذلك بأثر رجعي، أي تعويض اليهود المصريين الذين هاجروا إلى إسرائيل عن ممتلكاتهم التي خلفوها وراءهم؟
ما دام تنفيذ هذا القانون وضع تحت إشراف السلطة والتنفيذية، وهي عمليا السلطة السياسية في البلاد، فمن الواضح أن السلطة السياسية في مثل هذه الحالات، في المفاوضات مع دول ثانية، تستطيع دائما أن تقول إن هذا الموضوع سياسياً من الدرجة الأولى، موضوع مفاوضات ولذلك هي ارتأت، عدم تطبيق هذا القانون أو عدم السير بموجبه بسبب الوضعية السياسية. فالقانون الإسرائيلي نفسه فتح المجال أمام السلطة السياسية لكي تناور في هذا المجال.
ومن هنا نرى أن الحكومة نفسها وافقت على هذا القانون، ويبدو أن موافقتها جاءت من منطلق واضح هو أن القرار سيبقى في نهاية المطاف لها، ولأن القانون من الناحية السياسية، سواءً أكان داخليا أم على المستوى العالمي فإن هذا القانون لا يضر الحكومة الإسرائيلية بل قد يفيدها، وهي بالتالي أجرت حساباتها وارتأت المصادقة عليه.
أرى أن هناك من ربط بين هذا القانون، وبين حق التعويض للاجئين الفلسطينيين، أنت من جانبك، هل ترى ما يمكن له أن يبرر هذا الربط سواء من الناحية القانونية أم السياسية؟
من الواضح أن الدوافع وراء هذا القانون وإقراره، سياسية من الدرجة الأولى، وليست قانونية، كما أن توقيت سن هذا القانون لم يكن عفويا، إنما جاء في ظل تزايد المطالبة الإسرائيلية للفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة شرطا أوليا قبل الدخول في المفاوضات وحتى قبل التوصل لأي تسوية معهم. ومن الواضح أيضا أن هذا القانون جاء ليخدم الحكومة الإسرائيلية في هذا السياق فهو يخلق ما يُسمى quot;باللاجئ اليهوديquot;، فهو يعرف ما يسمى باللاجئ اليهودي العربي، المهاجر إلى إسرائيل من الدول العربية.
باعتقادي فإن خلق هذه التسمية جاء ليخدم إسرائيل على المستوى الإعلامي، ويقول إن إحدى أهدافهم المركزية هو سد الطريق أمام عودة اللاجئين الفلسطينيين. وبالتالي فإنهم الآن وبعد خلف ما يسمى باللاجئ اليهودي، يريدون تصوير الموضوع وكأنه مقايضة: نحن نسد الطريق أمام عودة الفلسطينيين، في المقابل فإن اللاجئ اليهودي العربي، حسب التسمية الجديدة لن يعود إلى الدولة التي هاجر منها وهو أيضا له الحق في التعويض. نحن إذا أمام محاولة مقايضة تقول: إنكم تتنازلون عن التعويض والعودة ونحن في المقابل سنتنازل، أي طرح الموضوع وكأنه مقايضة سياسية.
طبعا من الواضح أن هنالك مغالطة سياسية تاريخية في الموضوع. فاليهود العرب من الدول العربية جاءوا إلى هنا وفق مخطط واضح من المؤسسة الصهيونية (الوكالة اليهودية)، وتم إحضارهم إلى هذه البلاد بعد افتعال أحداث وتفجيرات ضد عناوين يهودية في البلدان العربية بهدف دب الخوف والرعب في قلوب السكان اليهود في البلدان العربية وتشجيعهم على الهجرة إلى دولة إسرائيل. لذلك كان هذا جزءا من مخطط لجلب اليهود إلى إسرائيل، بينما ليس هذا هو حال اللاجئ الفلسطيني الذي طرد من أرضه ووطنه.
لو سلمنا بمبدأ المقايضة الذي تريد إسرائيل فرضه أو تسجيله هنا، فهل يمكن مثلا لحكومة لبنان أن تقايض حقوق وأملاك ليهود من لبنان هاجروا إلى إسرائيل أو هجروا من لبنان، بحقوق فلسطينيين لا تمثلهم الدولة اللبنانية، مثلا؟
عمليا هذا هو السؤال الأساسي. فالإسرائيليون يريدون خلق هذا النوع من المقايضة السياسية ولكن في الواقع فإن هذه المقايضة لا تحمل أساسا قانونيا، لا في القانون الإسرائيلي نفسه ولا في القانون الدولي. فعلى مستوى القانون الدولي فهناك القرار 194 الخاص بحق الفلسطينيين بالعودة أو التعويض، وهذا حق خاص بهم وحق شخصي للاجئ، وحق للشعب الفلسطيني.
ولا يمكن للاجئ الفلسطيني في أي دولة عربية أن يتحمل مسؤولية ما يمكن أن تكون الدولة التي يعيش بها بسبب ظروفه التاريخية، فمن الناحية القانونية لا يوجد أي رابط بين الموضوعين. ونحن نعرف أيضا أن الإسرائيليين يعرفون بعدم وجود رابط قانوني بين القضيتين، خصوصا وأن القانون الإسرائيلي الجديد هو في صلبه جاء ليخدم أهداف إعلامية وسياسية.
من الناحية الحقوقية أو القانونية فإن الحق الأول للاجئ قبل التعويض هو الحق بالعودة، فلذلك إذا كان الإسرائيليين جادين في مسألة التعويض فعلى اليهودي أن يطلب بداية العودة (إلى موطنه الأصلي) وعندما ترفض الدول العربية عودته فقط يمكنه المطالبة بالتعويض.
كما نعلم فإن قسمًا كبيرًا من الدول العربية مثل (العراق والمغرب) رحبت في فترات معينة وفي أكثر من مناسبة بعودة يهودها إليها...
نحن لا نسمع أصلا طلبا يهوديا بذلك، وإذا كانوا صادقين فليطلبوا أولا العودة إلى ديارهم، وفي حال قبول الدول العربية بعودتهم ستكون هذه قمة الإحراج. المقايضة الوحيدة الممكنة هنا هي أن يطلب الفلسطينيون العودة إلى موطنهم مقابل عودة هؤلاء اليهود العرب إلى موطنهم الذي جاءوا منه، فهذه هي المقايضة الحقوقية الممكنة، فإذا كان هناك إطار حقوقي للمقايضة والمساواة بين الحالتين فهي في مطالبة كل شق من هذه المعادلة بأن يعود إلى موطنه.
هل تعتقد أن إسرائيل قد تسعى لاستصدار قرار أممي يقوم على مبدأ تعويض يهود البلدان العربية، لمن يثبت منهم أنه طرد وترك أملاك وممتلكات خلفه، على فرض أن قسما منهم اضطر إلى مغادرة موطنه الأصلي بفعل الظروف التاريخية وخاصة في فترات الصراع الحرجة، وبالتالي فإن منهم من يكون قد شعر بأنه لم يعد آمنا في بلده، سواء كان ذلك في سوريا أم العراق أو غيرها من البلدان العربية؟
لا نستغرب إذا كان هناك مخطط لدى الإسرائيليين لإيصال هذا الموضوع إلى المحافل الدولية، لأنه كما ذكرت قد يساعد في العملية الإعلامية الإسرائيلية، وكما نعرف هذه هي المحاولة الإسرائيلية الأولى على المستوى الدولي لسد الطريق أمام حق اللاجئين الفلسطينيين.
قد يطرحون هذا الملف على الهيئات الدولية مقابل ملف اللاجئين، ولكن باعتقادي فإن الدول العربية والعالم العربي سيكونون أذكى من مثل هذه المحاولة ويجب أن يكونوا كذلك. بمعنى أن يقفوا الموقف الحقوقي القائل بأن الحق الأول للاجئ هو حق العودة، وأننا لا نمانع بعودة اليهود الذين يثبتون أن لهم أملاكا في الدول العربية مقابل السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين.
هذا هو المنطلق الذي يحرج إسرائيل وقد يعيد الكرة للملعب الإسرائيلي، وبذلك عمليا قلب الموازين وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وبالتالي تفنيد هذا المصطلح الجديد الذي تريد إسرائيل زرعه في الخطاب السياسي والدولي وأعني مصطلح اللاجئ اليهودي من البلدان العربية.
التعليقات