أجرت إيلاف تحقيقا من جزئين حول مدينة كركوك العراقية حيث تحدثت عن تاريخ إنشاء المدينة القديم والحديث وصولا إلى مرحلة الانتخابات الراهنة، فهذه المدينة وضعت على خارطة أكبر مصدر للنفط مطلع القرن الماضي قبل اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية.
عبد الرحمن الماجدي من كركوك: بعد نصف ساعة من تجاوزنا نقطة تفتيش آلتون كوبري بانت لنا من جهة اليمين النار الأزلية التي لايعرف تاريخ اشتعالها في حقول بابا كركر النفطية التي وضعت كركوك على خارطة أكبر مصدر للنفط في العالم مطلع القرن الماضي قبل اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية. فلم يتنبه السكان من عرب وكرد
حقل بابا كركر النفطي والنار الأزلية |
وتركمان وآشوريين الذين صاغ أجدادهم أساطير شتى حول هذه النار التي كان يجلب الرعاة أغنامهم قربها في الشتاء لطرد البرد الذي حاصرهم في ما كان يظنونه سبخة تخرج ناراً مقدسة.
تعددت أسماء باحة الضوء هذه، ولعل اسم quot;الأب الغاضبquot; الأقرب لها والأكثر شبها بمدينة كركوك التي جلبت لها نيران بابا كركر الأزلية بلاء الزيت والغاز المحترق ليل نهار حتى يومنا هذا فاحرق معه أبناء المدينة الذين يرون أنفسهم الأكثر حرمانا من خيراتها حتى قبل تدفق النفط في حقولها عام 1927 حيث كانت الدولة العثمانية تستخرج كميات قليلة منه بطرق بدائية قبل أن تستدل الفرق الجيولوجية من خلال النار الازلية على وجود كميات هائلة من النفط والغاز فيها، لتصبح نهباً لطمع البعيد والقريب بها وسط دهشة أبنائها وهم يرون تراثهم يؤكل أمام عيونهم. مكتفين بتنبيه من يريد زيارة النار الازلية على كتف كركوك ان ينتبه لاتجاه الريح خشية ان يصفعه quot;الأب الغاضبquot; بدخانه السام.
ويقترب اسم الأب الغاضب لبابا كركر من معنى اسم مدينة كركوك المتجاذبة في تحديد معناها وفق
لغات قوميات سكانها. فهي الأرض الحارة أو (كرمكان). ولعل الكثير من التسميات يمكن تاويلها لهذه المدينة الملتهبة.وسط مدينة كركوك عدسة إيلاف
قرب بابا كركر بنت شركة نفط العراق للمهندسين الانكليز والعمال بيوت ودار سينما وملعب غولف ومطار ودار استراحة وفندق فخم لم ينعم بأي منها أبناء المدينة حتى اليوم حيث يبدو مجلس المحافظة متردداً في بناء مطار دولي على انقاض مطارها الانكليزي، الذي حوله نظام صدام حسين لقاعدة عسكرية جوية دخلتها قوات التحالف عام 2003 بعد اسقاط نظام صدام حسين جاعلة منه مقراً غاردته مؤخراً، خصوصاً وان مجلس المحافظة مشتك من قلة ميزانيتها السنوية التي بلغت هذا العام 125 مليون دولار فقط حسب ما أبلغ به إيلاف عرفان كركولكي عضو مجلس المحافظة ونائب رئيس اللجنة الأمنية فيها.
حين دخلنا مدينة كركوك باتجاه مركزها و قلعتها الشهيرة التي يعتبرها المؤرخون أول ما بني في هذه المدينة التي يمتد عمرها لأكثر من خمسة آلاف سنة، وتعاقب على حكمها أقوام شتى من بينهم الكوتيون الذين يعتقد أنهم بنو القعلة وفق رقميات قديمة وجدت في كركوك.
ويعتقد آخرون أن القلعة بنيت في عهد الملك الاشوري اشورناصربال الثاني بين عامي 850 و 884 قبل الميلاد، وكانت حتى سنوات قريبة مسكونة من قبل مئات الأسر من التركمان. قلت لمرافقي الكردي هل هذه هي كركوك الأغنى في العراق والتي وصفها الكرد بقدسهم وتشبث بها التركمان كمرجع لا فكاك منه لتاريخهم في العراق ويعلن بلا كلل عربها أن لهم فيها تاريخ كما غيرهم قبل ان يلوذ الآشوريون بصمت جليل تجنباً لدخول معارك خاسرة سلفا بين أبناء المدينة الذين قيل أن قلوبهم عليها وعقولهم ضدها دون وعي منهم وهم ينجرون خلف الساسة الناظرين لمصالحهم فقط فيها.
هذه كركوك الخاوية على عروشها، كمدينة خرائب تئن تحت وطأة الحرمان بكل أشكاله. فالغبار يجلل الطرقات والأبنية وحتى أحاديث الناس. وامتد الاهمال ليشمل مقر الحكومة المحلية التي باتت quot;منطقة خضراءquot; من حيث التشدد في الاجراءات الأمنية.جانب من مدينة كركوك
قال أبو هاشم وهو يتففن في استنشاق دخان سيكارته قرب مجلس المحافظة وسط المدينة quot;كركوك بيتنا كلنا والخير قادم لنا بقدوم حكومة جديدةquot;. لكن كلام أبو هاشم تبدد حين وجدنا بنايات مجلس المحافظة شبه خالية حتى من المحافظ الذي أبرمنا معه موعداً بعدما قطعنا شوطا من رحلة تفتيش جسدي بطريقة بدائية دامت نحو ساعة ونحن نقدم ما لدينا لفحصه بالأكف الغليضة لحراس لم يزل بعضهم يضع لثاماً خشية ان يتعرف عليه quot;علاسquot; يشي به للإرهابيين المتربصين بالمدينة ومن يدخلها.
قال عدد من رجال حماية أحد أعضاء مجلس المحافظة من التركمان أن اشد سنوات الإرهاب وطأة عليهم كانت عام 2005 حين كانوا يخدمون في لواء التدخل السريع وقد قتل الكثير من أبناء هذه المدينة خصوصاً من الشرطة والجيش. لكن اليوم بالرغم من أن الوضع بات أكثر أمناً من السابق خصوصاً وسط المدينة حسب كلام الجندي الذي نبهنا أن نبتعد عن التجمعات ونقترب من نقاط وسيارات الشرطة في المدينة تجنباً من نيران قناص أو عين واش quot;علاسquot; قد يبيع خبر قدومنا لارهابيين لهم طرقهم في مادهمتنا في وقت ومكان هش.
لايكسر الوان خرائب المدينة سوى اعلانات مرشحي الانتخابات البرلمانية من القوميات كافة وكل يعد أبناءها بالخير مع ضحكات تكاد تسمع لهؤلاء المرشحين من خلف ورق وخشب وقماش الملصقات المزركشة لهؤلاء المرشحين الذين يقول عنهم كاكا نوزاد أنهم لايهتمون الا بمقاعد البرلمان التي ستوفرها كركوك لهم والبالغة 12 مقعداً.
ابو محمد الجبوري |
لكن الحاج محمد الجبوري من أهالي قضاء الحويجة جنوب كركوك ذي الأغلبية العربية يرى أن أفضل ماشعر به هو تخلصهم من تنظيم القاعدة الذي اشتدت وطأته عليهم عامي 2006 و 2007 الذي كان يطالبهم مسلحوه باتباع طريقتهم في الحياة من ثوب قصير للرجال وعودة لعصور بدائية في استخدام الاشياء ونقاب كامل للنساء دون أن يهتم لهم كمشاركين لهم بنفس الطائفة، وفق تأكيد الجبوري، الذي أضاف لإيلاف أن تدخلات القاعدة في شؤون حياتهم جعلتهم يبتهجون حين هرب مسلحو التنظيم نهاية عام 2007 من الحويجة التي يقول أنها تستعد لانتخاب رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي رأى أنه خير من يصلح كرئيس، حسب تعبيره.
لكن رأي الحاج الجبوري الذي كان يتفحص وجوهنا وهو يتحدث ملقياً اسئلة استكشافية عن مسقط رأس محدثه ربما ليحدد وجهة حديثه نحو ما يرضي السائلين.
فرأيه يخالفه شيعة كركوك من العرب الموزعين بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون وحتى الائتلاف الوطني. ومثلهم التركمان بين الجبهة التركمانية والعراقية ودولة القانون وبعضهم مع التحالف الكردستاني الذي يتحالف معه حزب الشعب التركماني بعد انسحابه من الترشح للانتخابات، وينتقد الجبهة التركمانية والمتحالفين معها لاقترابهم بشكل كبير من تركيا كما قال لإيلاف الأمين العام له عرفان كركولكي الذي تنتقده الجبهة وبعض الأحزاب التركمانية بالتبعية للتحالف الكردستاني.
لكنه أمل ان يتحد جميع أحزاب وناشطين التركمان في كركوك كي لاتذهب اصواتهم شتى، مؤكداً على تمني الفوز حتى لخصومه في الجبهة التركمانية الذي يشترك معهم في القومية الواحدة وفي كركوك التي لايجد ضيراً في تطبيق المادة 140 حتى لو انضمت لاقليم كردستان الذي يرى فيه جزء من العراق الفيدرالي. وهو مايختلف معه فيه خصومه من التركمان والعرب الذين يرون في سعي الأكراد لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي لضم كركوك للاقليم تمهيدا لاعلان الدولة الكردية بعد ذلك وهو ماينفيه القادة الكرد. (يتبع)
التعليقات