واشنطن تتحدّى أنقرة وتعتمد عبارة quot;الإبادةquot;

اسطنبول: بدأت تلوح في الافق بوادر أزمة دبلوماسية بين أنقرة وواشنطن بعد وصف لجنة فى الكونغرس الأميركي ما حدث للأرمن على يد الدولة العثمانية أوائل القرن العشرين بأنه ابادة جماعية وهو الأمر الذي ردت عليه تركيا على الفور عبر استدعاء سفيرها في واشنطن.

وفي بيان صادر من رئاسة الوزراء التركية في أول تعليق رسمي على القرار جاء فيه أن تركيا تعرب عن قلها الكبير من اعتماد لجنة في الكونجرس الأميركي في تصويت أجرى الخميس المذابح التي تعرض لها الأرمن بالابادة الجماعية على الرغم من الضغوط الدبلوماسية الأميركية والتركية على حد سواء لعدم صدور القرار.

واستدعت تركيا سفيرها في واشنطن نامق تان احتجاجا على القرار الأميركي في تطور من شأنه أن يوتر العلاقات التركية الأميركية التي تشهد حالة من المد والجزر منذ رفض البرلمان التركي في الأول من مارس 2003 السماح للقوات الأميركية عبور الأراضي التركية لشن الحرب على العراق. وتعتبر تركيا ان ما جرى للارمن يعود الى الفوضى التي سادت السلطنة العثمانية في سنواتها الأخيرة وليس حملة ابادة.

وأقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي الخميس قرارا يعتمد عبارة الابادة لوصف المجازر التي لحقت بالارمن في ظل السلطنة العثمانية ما دفع تركيا على الفور الى استدعاء سفيرها في واشنطن للتشاور.

وعلى الرغم من معارضة البيت الابيض وانقرة للتصويت، تبنى 22 من أصل 23 عضواً في اللجنة القرار الرمزي الذي يمهد لطرح القرار للتصويت امام المجلس باكمله. ويدعو القرار الذي ليست له صفة القانون الرئيس الاميركي الى استخدام كلمة quot;الابادةquot; لوصف quot;التصفية المنهجية والمتعمدة لمليون ونصف مليون ارمنيquot; في عهد السلطنة العثمانية بين 1915 و1923.

وردت تركيا التي حذرت من العواقب الخطيرة لمثل هذا القرار على العلاقات الثنائية بادانته واستدعاء سفيرها. واعلن بيان حكومي في انقرة مساء الخميس quot;اننا ندين هذا القرار الذي يتهم الامة التركية بجريمة لم ترتكبهاquot;. واضاف quot;على اثر هذا التطور، تم استدعاء سفيرنا في واشنطن نامق تان الى انقرة للتشاورquot;.

وقبيل التصويت، حثت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب على عدم التصويت على القرار لما سيكون له من اثر على مسيرة المصالحة بين تركيا وارمينيا. وقالت كلينتون للصحافيين في كوستا ريكا quot;لا نعتقد ان الكونغرس باكمله سيتخذ موقفا او عليه ان يتخذ موقفا بشأن القرارquot;.

وأدانت الولايات المتحدة على الدوام المجازر التي تعرض لها الارمن بين 1915 و1918 لكنها تجنبت استخدام عبارة quot;الابادةquot; لوصف ذلك حرصا على عدم توتير علاقاتها مع تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي والحليف الرئيسي في الشرق الاوسط.

وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي مايك هامر في بيان ان كلينتون اتصلت الاربعاء برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هاورد بيرمان لمحاولة اقناعه بعدم التصويت على القرار. وكان الرئيس السابق جورج بوش اوقف في 2007 القرار قبل طرحه للتصويت في مجلس النواب.

وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية فيليب كراولي للصحافيين ان الولايات المتحدة ملتزمة quot;باعتراف عادل وصريح بالوقائع المرتبطة بالاحداث التاريخية لعام 1915quot;. ولكنه قال بشأن القرار، quot;نحن قلقون بشأن تاثيره المحتمل على العلاقات مع الدول المعنيةquot;. واضاف quot;نعتقد ان عملية التطبيع هي الالية المناسبة لمعالجة هذه المسائل. سنواصل العمل بصورة جدية، بكثير من الجدية على هذا الامرquot;.

وضاعفت انقرة الضغوط للحؤول دون تمرير القرار. واتصل الرئيس التركي عبد الله غول مساء الاربعاء بنظيره الاميركي باراك اوباما لبحث هذه المسألة، فيما حض وزير خارجيته احمد داود اوغلو النواب الاميركيين على رفض القرار. وصرح داود اوغلو في انقرة quot;اتخذنا خطوات بالغة الاهمية باتجاه تطبيع كامل في القوقاز. ينبغي تجنب زعزعة هذه الجهودquot;، في اشارة الى عملية التطبيع الحساسة للعلاقات التركية الارمنية.

وتدعم واشنطن بقوة عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وارمينيا بعد عقود من العداوة، ووقع البلدان في تشرين الاول/اكتوبر اتفاقا لاقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود. وتوعد اوباما خلال حملته الانتخابية بانه سيعترف بالمجازر التي تعرض لها الارمن باعتبارها ابادة لكنه اثار استياء الارمن الاميركيين عندما اغفل استخدام العبارة في رسالة بمناسبة احياء ذكرى الضحايا العام الفائت.

وقال هامر ان اوباما اعرب للرئيس التركي عبدالله غول الاربعاء عن quot;تثمينه للجهود التي يقوم بها هو ورئيس الوزراء (رجب طيب) اردوغان بهدف تطبيع العلاقات بين تركيا وارمينيا وشدد على ضرورة الاسراع في تصديق البروتوكولاتquot;.

وفي هذه الاثناء، وصف بيرمان في كلمة قبل تصويت اللجنة صباح الخميس تركيا بانها quot;حليف حيوي ووفي بكل معنى الكلمة للولايات المتحدة في منطقة مضطربةquot;. ولكنه اضاف ان quot;لا شيء يبرر تجاهل تركيا حقيقة الابادة الارمنيةquot;. واضاف quot;يتعين على كل امة ان تتصالح في مرحلة ما مع تاريخها. وهذا كل ما نطلبه من تركياquot;، قبل ان يحث النواب على تبني القرار.

ومارس الارمن ضغوطا من اجل اعتبار المجازر وعمليات الترحيل التي تعرضوا لها بين 1915 و1917 ابادة، حيث ادت بحسبهم الى مقتل اكثر من مليون ونصف مليون في صفوفهم. غير ان تركيا تعترف يمقتل 300 الى 500 الف فحسب، لا بسبب حملة تصفية، بل بسبب ما قالت انها الفوضى التي سادت في السنوات الاخيرة من حياة الامبراطورية العثمانية. وترفض تركيا قطعا مفهوم الابادة الذي اقرته فرنسا وكندا والبرلمان الاوروبي.