حقل نفطي في كركوك

تحوّلت الثروة النفطيّة التي تتمتّع بها مدينة كركوك العراقيّة إلى نقمة، خصوصاًوأن العديد من دول الجوار وغير الجوار، والدول العربيّة تطمع بثرواتها، وعلى الرغم من الأجندات الموضوعة لها، إلا أنها لم تشهد يوماً أي مبادرة إنمائيّة من قبل هذه الدول .

عبد الرحمن الماجدي من كركوك: وقوع مدينة الذهب الأسود كما تلقب كركوك وسط بغداد وأربيل جعلها نهباً لتطلعات الحاكمين بتغيير ملامح جغرافيتها وحتى تأريخها وخليطها الاجتماعي. فبعد أن كانت العقبة الكؤود للحؤول دون نجاح أي مفاوضات بين الكرد والحكام في بغداد حيث يعلق الكرد عليها مستقبلهم السياسي والاقتصاديرافضين تقديم أي تنازلات حولها خلال أي مفاوضات مع بغداد. خصوصاً بعد حملات التعريب التي حاول نظام صدام حسين أن يغير بها طابع كركوك السكاني ففتح باب الانتقال والعيش فيها لمن يشاء من العراقيين مقابل منحة مالية قدرها عشرة آلاف دينار في الثمانينات من القرن الماضي مع دار سكنية. بل تم اسكان البعض منهم في دور الهاربين من الكرد الذي تلاحقهم تهم العمل في صفوف البيشمرغة الكردية وقتئذ.

فكان رد فعل الكرد بعد سقوط نظام صدام حسين انفعاليا وهم يدخلون كركوك عام 2003 لتبدأ مأساة جديدة للمدينة طالت جميع ساكنيها من كرد وتركمان وعرب والقلة المتبقية من الآشوريين. حيث استغلت الجماعات الارهابية التجاذب الخطير بين الساسة حول كركوك لتنفذ عملياتها.

لايخلو التجاذب حول كركوك من أجندات خارجية. من جميع الجوار وغير الجوار العراقي، فلا تركيا التي تقول إنها تسعى لحماية تركمان المدينة ومثلها إيران المدافعة عن شيعتها والدول العربية التي يريد العرب أن تكون ظهيراً لهم في العراق وكركوك خصوصاً، لكن لاأحد من هذه الدول التي تمتلك معظمها استثمارات في العراق بمليارات الدولارات اليوم لم تبن مستشفى واحدا في كركوك. ففي إقليم كردستان هناك عشرات المشاريع الضخمة التي تبنيها تركيا على مقربة من كركوك الخاوية على عروشها يسمع العرب والايرانيون أناتها دون أن يتقدم أحد بيد العون لها. بل إقليم كردستان العراق الساعي إلى ضم كركوك له ضمن تطبيق المادة الدستورية 140 لم يشمل كركوك بعطفه العمراني المنتشر في محافظات الإقليم. كأن كل منهم ينتظر الخطوة التي سيخطوها خصمه ليفكر في خطوته، وسط صراخ إعلامي على كركوك من خارجها وإهمال كبير لداخلها.

كركوك مدينة خرائبٍ مبتلاة بالنفط والقوميات القلقة 1-2

عضو مجلس محافظة كركوك عرفان كركوكلي الذي لم نجد سواه في بنايتها الذي تتوفر فيه جميع قوميات المدينة وقد شملت عدالة الاهمال أبنيتها ايضاً ايضا فهو من أب تركماني وام كردية وجدة عربية الذي كان من أوائل الذين عملوا في المدينة بعيد سقوط نظام صدام عام 2003. يقول لقد قام النظام السابق بتهجير الكثير من العرب والتركمان، وإنه احد أعضاء لجنة تنسيق إعادة السجلات المنقولة من كركوك فكان في السجل إشارة بخط أحمر تحت إسم كل مهجر من المدينة .

ـ لكن في عام 2003 تم إحراق دائرة النفوس التي تحوي سجلات سكان المدينة الأصليين.

عرفان كركوكلي، عضو مجلس المحافظة
+ لقد تم حرق جزء من البناية وأنقذ الأهالي السجلات من الحرق ونقولها لبيوتهم حيث أعادوها بعد ذلك للمحافظة. ومايجري اليوم من عودة للمهجرين وفق هذه السجلات. ولم يتم إدخال أحد من خارج المدينة أو من اكراد سورية أو تركيا كما يشاع اليوم لكركوك، حسب كلام كركوكي نائب رئيس اللجنة الأمنية في كركوك.

ويضيف بأن مايحصل اليوم في كركوك هو بقاء من أسماهم بجماعة العشرة آلاف دينار في كركوك؛ موضحاً بانهم من عرب الوسط والجنوب جلبهم نظام صدام ضمن حملة تعريب المدينة في ثمانينات القرن الماضي. وتملكوا بيوتا وأراض زراعية يقول إنها لاتعود لهم ولما يزالوا فيها لايستطيع أحد إخراجهم منها تجنباُ لكسر الهدوء الهش في كركوك، بانتظار تنفيذ المادة 140 التي تمنحهم مبلغ عشرين مليون دينار. وقد غادر بعضهم فعلاً حسب تأكيده. وحين سألته إن كان يحق لي أنا العربي من التملك اليوم في كركوك قال quot; حسب الدستور العراقي يحق لك مواطن التملك في كل مكان في العراق الفيدراليquot;.

لكن واقع المدينة القلق اليوم يجعل غير الكردي أو التركماني يتردد كثيرا قبل ان يفكر في السكن فيها. خاصة بعد أن باتت تسمية جماعة العشرة آلاف دولار تلاحق الكثير من العرب الذين وفدوا اليها قبل سقوط نظام صدام حسين وربما شملت بقية العرب من سكان المدينة الأصليين أو اطرافها.

عرفان كركوكلي الذي يتزعم أيضاً حزب الشعب التركماني أيضاً ويتحالف مع التحالف الكردستاني يشكو من اهمال الحكومة المركزية لكركوك التي يقول إنها تساهم في خلق ميزانية الدولة ولاتتلقى سوى النزر القليل سنويا من الميزانية التي لم تتجاوز حتى الان سقف الـ 125 مليون دولار. مشيراً إلى أن إقرار دولار واحد عن كل برميل نفط يوميا يذهب لكل مدينة منتجة للنفط قد أفرح الحكومة المحلية في كركوك والمواطنين كذلك. وأضاف بأن كركوك تنتظر مابعد الانتخابات لتفي الحكومة وزارة المالية بقرار مجلس النواب هذا لتنطلق حملة الإعمار الحقيقية في كركوك، حسب تعبيره.

واكد على أن مجلس المحافظة وحكومة إقليم كردستان ساهما في بعض المشاريع في كركوك واطرافها والخطوة المقبلة ستكون باتجاه بناء اكبر مستشفى فيها واعادة تأهيل مطار كركوك ليكون مطارا دوليا بعد ان تم تسلمه من قوات التحالف مؤخرا. اما الاستثمار فقال كركوكي أن السبب هو النزال المستمر على الأرض فهيئة نزاعات المكلية لما تزل تراوح في مكانها بخصوص كركوك الامر الذي يجعل أي مستثمر يهرب حين يعلم أن الأرض التي احتارها ليقيم مشروعه عليها محل نزاعات قومية.

أجواء الحملة الإنتخابيّة في المدينة

قلق المدينة ينعكس على وجوه سكانها وإيقاع الحركة فيها بل حتى على إعلانات المرشحين للانتخابات البرلمانية فيها. واصبح هم المواطن الكركوكي المحافظة على الأمن الهش في هذه المدينة العريقة التي تعرضت لغزوات عبر التاريخ لما تزال آثارها ماثلة في المدينة. اما نهر الخاصة الذي يمر فيها فهو الاخر لحقه قلق المدينة فجفت مياهه سوى بعض بقع جاءت بها امطار الأيام الاخيرة من شهر شباط الماضي. وأصبح في جزء منه أقرب للمزبلة منه للنهر الذي يعرفه كل مواطن كركوكي.

وبالرغم من أن كل مواطن يؤجل جوابه عن رأيه في مايجري في كركوك لما بعد الانتخابات، لكنه يستذكر التفجيرات التي عاثت في المدينة قبل نحو ثلاث سنوات ولما تزل تتربص بها وبأهلها فرصة للتنفيذ. فيفضل السكوت على انتقاد أي طرف متسبب بما آل إليه وضع اغنى مدينة في العراق وأفقرها في ذات الوقتن خشية أن يكون السؤال فخ له من غريب يستدرجه لجواب لاوقت له الآن كما رد مواطن ستيني في وسط المدينة وهو يتفرس وجوهنا مفضلاً مواصلة طريقة على الاجابة حتى على سؤال quot;أين الطريقquot;.

بل ضاعت في وسط المدينة وقرب مجلس محافظتها حتى ذاكرة الكثيرين الثقافية فكركوك قدمت للعراق والعرب جماعة كركوك الشعرية التي تركت بصمة كبيرة في الواقع الشعري العراقي في القرن الماضي. في طريق العود نحو أربيل اقتربنا من نقطة تفتيش ألتون كوبري فقال لي مرافقي الكردي أن زوال هذه النقطة العسكرية من هذا المكان كفيل بتدفق الاعمار والأموال لكركوك حين تعود لإقليم كردستان. لكنه رأي شخصي لايشاركه فيه جميع سكان كركوك المتوزعين كما أحزابها وكما احزاب كل قومية فيها ومحاصرين بقلق المنتظرين.

نزهات عائليّة

صورة عامّة للمدينة