لم تحصل أي كتلة عراقية على الأغلبية في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، ما يعني أنه لن يكون بإمكان أي كتلة تشكيل حكومة منفردة وعلىجميع الأطرافالدخول في مفاوضات ونقاشات عسيرة تتطلب تنازلات ومحاولات ترضية والاتفاق على عدد الحقائب الوزارية التي ستمنح مقابل الاتفاق على تكتلات موحدة.

ينتظر ان تشهد عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة صعوبات وزمنا قد يتراوح بين شهرين او ثلاثة لصعوبة تكتل كبير واحد من ائتلافات عدة لإنجاز هذا التشكيل وهو أمر سيتطلب إجراء مباحثات وتقديم تنازلات والتعرض لضغوط اقليمية ودولية بما يتيح اختيار رئاسات ثلاث للجمهورية والحكومة والبرلمان بآليات جديدة حيث لن يكون هناك مجلس للرئاسة وانما رئيس واحد للبلاد من دون نائبين ورئيس للحكومة بنائب واحد وليس باثنين في وقت تنتظر الكتل السياسية حاليا اعلان النتائج النهائية للانتخابات للبدء باتصالاتها حول شكل الحكومة المقبلة .

آليات جديدة لاختيار الرئاسات الثلاث
وبحسب ما تشير اليه النتائج الاولية غير الرسمية للانتخابات التشريعية التي جرت الاحد فإن أيًّا من الائتلافات الخمسة الكبرى التي خاضت الانتخابات التشريعية وهي الثانية منذ سقوط النظام السابق عام 2003 لم تحصل على الاغلبية المطلقة التي تؤهلها لتشكيل الحكومة منفردة . وهذا الوضع سيستدعي الدخول في مفاوضات ونقاشات عسيرة تتطلب تنازلات ومحاولات ترضية والاتفاق على عدد الحقائب الوزارية التي ستمنح مقابل الاتفاق على تكتلات موحدة تشكل ضمانا للتصويت في مجلس النواب بالاغلبية لاختيار رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة . وسيكون هذا الامر اختبارا حقيقيا للرغبة التي يعلن عنها القادة العراقيون للخروج على نهج المحاصصة الطائفية الذي سارت عليه البلاد في اختيار الشخصيات التي احتلت المناصب العليا وخاصة في الرئاسات الثلاث للجمهورية والحكومة ومجلس النواب خلال السنوات الست الماضية وهو امر دفعها لتشكيل ائتلافات مختلطة خاضت بها الانتخابات تمثل جميع مكونات الشعب العراقي بقدر ما تسمح به quot;التطلعاتquot;.

فقد شهد العراق خلال الفترة الماضية تكريسا مقيتا للطائفية فرض اختيار رئيس كردي للجمهورية ونائبين له احدهما شيعي والاخر سني واختيار رئيس حكومة شيعي ونائبين له سني وكردي ثم رئيس مجلس نواب سني بنائبين كردي وشيعي .

لكنه وفقا للدستور فإنه لن يكون هذه المرة هناك مجلس ثلاثي للرئاسة وانما رئيس للجمهورية فحسب .. اما رئيس الحكومة فلن يكون له اكثر من نائب واحد . وحين يتم اختيار من يملأهذه المناصب ستكون المحاصصة الطائفية والمناطقية التي عادة ما يدعو القادة العراقيون للخروج منها لدغدغة مشاعر المواطنين فإن هذه الدعوات ستكون امام امتحان حقيقي في مدى صدقيتها وجديتها .

وبعد ان تم الاتفاق على زيادة عقد مقاعد مجلس النواب من 275 مقعدا الى 325 مقعدا تماشيا مع ازدياد عدد السكان العراقيين خلال السنوات الست الماضية حيث وصل الى ثلاثين مليون نسمة يتمتع بحق للاقتراع منهم 18 مليونا و600 الف مواطن فإن اختيار كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب يتطلب ثلثي اصوات النواب اي 216 نائبا.

وبحسب المادة 54 من الدستور العراقي الجديد المصادق عليه عام 2005 يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة المتوقع بنهاية الشهر الحالي وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ولا يجوز التمديد لأكثر من هذه المدة التي ستكون منتصف الشهر المقبل .
وبحسب المادة 67 اولا من الدستور فان مجلس النواب ينتخب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية باغلبية ثلثي عدد اعضائه واذا لم يحصل أيٌ من المرشحين على الاغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات ويعلن رئيساً من يحصل على اكثرية الاصوات في الاقتراع الثاني.

اما المادة 73 من الدستور فتنص على ان يكلف رئيس الجمهورية المنتخب من النواب مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً بتشكيل الحكومة الجديدة خلال 15 يوماً من تاريخ انتخابه ثم يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية اعضاء وزارته خلال مدةٍ اقصاها 30 يوماً من تاريخ التكليف على ان يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح جديد لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يوماً عند فشل رئيس الحكومة المكلف في تشكيل وزارته .

ثم يقوم رئيس الحكومة المكلف بعرض اسماء اعضاء وزارته وبرنامجها الوزاري على مجلس النواب ويعتبر حائزاً ثقته عند الموافقة على الوزراء منفردين وبرنامج حكومته بالاغلبية المطلقة وهو امر قد يستغرق اسابيع . ثم يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة خلال 15 يوما في حالة عدم نيل الحكومة الثقة.

وفي ما يتعلق بانتخاب رئيس الوزراء ومجلس الوزراء فإن الدستور يشترط اغلبية النواب الحاضرين وليس اغلبية الثلثين اي ان تشكيل الحكومة يمكن ان يتم بموافقة 82 عضوا فقط اذا كان عدد الحضور 163عضوا مثلا .

لكن انتخاب رئيس مجلس النواب سيكون بالاغلبية المطلقة اي اكثر من نصف عدد اعضاء مجلس النواب . وبما ان عدد اعضاء المجلس النواب المقبل يبلغ 325 عضوا فإن موافقة 163 عضوا فقط ستكون كافية لتعيينه .

تقديرات أولية لنتائج الانتخابات
وتشير التقديرات الاولية إلى نتائج الانتخابات كما يلي :
- ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي (400 مرشح في 15 محافظة)، جاء في الطليعة في المحافظات الجنوبية الشيعية التسع (النجف وواسط وذي قار والديوانية والبصرة وكربلاء والمثنى وميسان وبابل). كما حل ثالثا في كركوك. وتشغل هذه المحافظات 119 مقعدا في المجلس.

- القائمة العراقية (او الكتلة الوطنية العراقية) بقيادة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي الشيعي العلماني (530 مرشحا في 15 محافظة)، حلت في الطليعة في محافظات العرب السنة الاربع (الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى). وتتمثل محافظات العرب السنة بسبعين مقعدا.
كما جاءت في المرتبة الثانية في ثلاث محافظات شيعية (بابل والمثنى والبصرة) وكركوك.
- الائتلاف الوطني العراقي (547 مرشحا في 15 محافظة): جاء في المرتبة الثانية في ست محافظات جنوبية (النجف وواسط وذي قار والديوانية وكربلاء وميسان) وفي المرتبة الثالثة في ثلاث اخرى (البصرة والمثنى وبابل).

- التحالف الكردستاني (365 مرشحا في 11 محافظة): تصدر النتائج في محافظة كركوك التي يتنازعها الاكراد والعرب. وتشغل المحافظات الكردية الثلاث (اربيل والسليمانية ودهوك) 41 مقعدا في البرلمان.

التحالفات المطلوبة لحكومة جديدة
وبما ان المؤشرات الاولية لنتائج الانتخابات تشير الى تصدر ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والكتلة العراقية علاوي الا ان المؤكد ان ايًّا منهما لن يحقق الاغلبية المطلقة بالفوز بعدد مقاعد برلمانية يبلغ 163 التي تؤهله لتشكيل الحكومة منفردا فإن مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة ستتطلب إرضاء الكتل الخاسرة وكسب رضاها حيث يتوقع ان يحصل المالكي على حوالى 100 مقعد برلماني وعلاوي على 80 مقعدا .

وازاء ما تفرزه العلاقات بين الكتل العراقية بالقرب او البعد في ما بينها فيمكن ان تتحقق تحالفات تنجح في انجاز انبثاق الحكومة المنتظرة .. فمن الممكن ان ينبثق تحالف بين كتلة العراقية والائتلاف الوطني العراقي برئاسة عمار الحكيم ثم يتفق معهما التحالف الكردستاني وهو ما من شأنه تشكيل الاغلبية المطلوبة . لكنه يبقى احتمال ان تمارس ايران ضغوطا على ائتلافي الحكيم والمالكي كما حصل قبل الانتخابات لكنه لم ينجح انذاك في تشكيل كتلة كبيرة تؤهل انبثاق الحكومة بالاشتراك مع التحالف الكردستاني .

كما يمكن ان يلعب التحالف الكردستاني دورا في تشكيل كتلة الحكومة الجديدة حيث ستكون شروطه لمثل هذا التكتل الاتفاق على تنفيذ المادة الدستورية 140 المتعلقة بكركوك والمناطق التي يطالب الاكراد بضمها الى اقليمهم الشمالي .

ومن الواضح ان التكتل المطلوب لتشكيل الحكومة المنتظرة لايمكن ان يتحقق الا بتحالف أكثر من ائتلافين فائزين وهو ما سيتطلب لتحقيقه نقاشات وطرح شروط وتنازلات صعبة الامر الذي سيؤدي الى اطالة الامد لانبثاق الحكومة وهو امر سيؤدي الى شلل الحياة في البلاد لان الحكومة الحالية ستكون لتصريف الاعمال فقط وهي اوضاع قد تؤدي الى انهيارات امنية خطرة .

وفي هذا الاطار يقول القيادي في حزب الدعوة بزعامة المالكي النائب علي الاديب quot;من المبكر الاعلان عن التحالفات التي يقوم بها ائتلاف دولة القانون مع بقية الكتل قبل صدور النتائج بشكل نهائي لأن الاستحقاق الانتخابي الخاص بالانتخابات يكون واضحا لكل الجهات وفكرتنا بامكانية التشكيل هو بما يحقق ضمانة اكيدة لتحقيق الثوابت المعلنة في ائتلاف دولة القانونquot;. واشار الى انه quot;لم يجر اي اتصال إلى الآن، جميع الكتل تتحقق من النتائج حتى الآن يتم فرز اصوات الانتخابات الخاصة وبعدها نتائج انتخابات الخارج وهذه الاصوات تدخل في اعداد الناخبين في المحافظات وإذا تم الحصول على النتائج النهائية في حينها تبدأ الاتصالات مع بقية الكتلrdquo;.

دعوات لتحمل الفائزين مسؤولياتهم والابتعاد عن الطائفية
وازاء هذه الاوضاع فقد دعت قائمة التوافق العراقي من جهتها القوائم التي تحتل الصدارة في الانتخابات الى أن تتحمل المسؤولية كاملة إزاء شعبها بوجوب محاربة الفساد وإعادة المهجرين ومعالجة مشاكل الأرامل واليتامى والمعتقلين والمفقودين والبطالة والخدمات وتصحيح بناء الدولة وأجهزتها الأمنية وحسم مشاكل دول الجوار كي يتعافى العراق وينهض مستفيدا من موارده البشرية العملاقة وثرواته الطبيعية .

وقالت في بيان اليوم quot;لم نكن نخفي عنكم حجم التحديات التي واجهناها ونواجهها منذ احتلال العراق ولحد الآن. وكان أولها رفض العملية السياسية من قبل جمهور واسع من العراقيين، الذي ترتبت عليه نتائج سلبية كبيرة واجهناها بصدور عارية وقدمنا فيها كوكبة من آلاف الشهداء من خيرة الناس. وكان أولهم الشيخ إياد العزي الذي ذهب إلى محافظة الأنبار ليقنع الناس بالمشاركة السياسية في انتخابات 2005 فنال الشهادة في واحدة من قراها quot;.
واضافت quot;اننا واجهنا كذلك مؤثرات دولية تدخلت بأشكال شتى لصياغة مستقبل العراق وفق مصالحها. ولولا تضحياتنا وجهودنا والدماء الزكية التي سالت ودموع الأرامل واليتامى لما زحف يوم أمس نحو صناديق الاقتراع الملايين ممن رفضوا العمل السياسي سابقاquot;. وقالت quot;ان قائمة التوافق بعد أن خاضت الانتخابات الحالية متحملة كافة الصعاب وقدمت في يوم الاقتراع أكثر من عشرين شهيدا جاءت النتائج مبشرة في ثلاث محافظات وفق الأرقام الأولية وبقيت التوافق واحدة من القوائم الرئيسةquot;.

واشارت الى انها quot;على الرغم مما جرى فإننا سنستمر في متابعة عمليات احتساب الأصوات والشكاوى والطعون يوما بيوم وساعة بساعة . وأولها التزوير والمشاكل الأمنية والإدارية ومشاكل الآلاف من مهجرينا الذين لم يسمح لهم بالتصويتquot;. واوضحت quot;ان العراق الذي لا يمكن أن تحكمه اغلبية سيبقى بحاجة الى شعار التوافقquot;.

وفي لندن دعت الحكومة البريطانية الى حكومة عراقية تعمل على أساس وطني حقا لا على أساس طائفي .
وقال وزير الخارجية ديفيد ميليباند في بيان صحفي quot;أن بريطانيا وشركاءها الأوروبيين سيكونون منصفين وصريحين في تقديراتهم النهائية للانتخاباتquot;. واضاف quot;ان الحكومة البريطانية تابعت الانتخابات في العراق عن قرب. وكان عزم الشعب العراقي على التصويت كبيرا إلا أن أعمال العنف والضحايا في الأرواح تبين حجم التحديات التي يواجهها الشعب العراقي. وإننا ندين جميع الهجمات الإرهابية دون تحفظquot;.

واشار ميليباند الى quot;ان الانتخابات البرلمانية جرت اليوم بعد حملات انتخابية سادها الحماس والحيوية وهي تؤكد التقدم الديمقراطي الكبير الذي تحقق في أنحاء البلاد اذ أوضح الشعب العراقي بتصويته بالملايين بأنه يريد حكومة فاعلة وتمثل الجميع ويمكن مساءلتها عن أعمالها حكومة تعمل على أساس وطني حقا لا على أساس طائفي وبهذا يستحق منا الشعب العراقي التهنئةquot;.

واضاف quot;ان من المبكر جدا التوصل إلى استنتاج حول حرية ونزاهة الانتخابات أو نسبة الناخبين المقترعينquot;. واعرب عن امله في أن quot;يتم تشكيل حكومة بعد تأكيد النتائج من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تكون أهدافها خدمة كافة أفراد الشعب العراقيquot;.