لندن: أصبح النواب في العراق بلا حصانة برلمانيّة الان حيث انتهت الدورة التشريعيّة لمجلس النواب بعد أربع سنوات من أداء شابه الضعف والغياب المستمر لاعضائه واللهاث وراء مكاسب وامتيازات خاصة والعجز عن سن قوانين مهمة وسط استياء الناخبين الذين أولوا أعضاءه ثقتهم لكنهم لم يكونوا أهلا لها وسط تطلع للمجلس الجديد الذي سينبثق من الانتخابات الاخيرة بعد ان اسقط الناخبون العشرات من النواب السابقين وحرموهم من مقاعد في البرلمان الجديد عقابا لهم على عدم ايفائهم بوعودهم.
وابتداء من اليوم اصبح العراق من دون سلطة تشريعية ورقابية يمثلها مجلس النواب الذي لن يستطيع بعد الان عقد اي جلسة وان كانت استثنائية وحتى رئيس الجمهورية لن يستطيع دعوته لمثل هذه الجلسة بعد انتهاء اربع سنوات تقويمية من عمره التي نص عليها الدستور واثر اجراء الانتخابات التشريعية الجديدة حيث يتعرض عدد من النواب الى المحاكمة في قضايا متنوعة الان بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم.
وقد باشر مجلس النواب الذي انتهت ولايته بعمله في السادس عشر من اذار (مارس) عام 2006 اثر الانتخابات التي جرت اواخر عام 2005 حيث اختيرت رئاسته استنادا الى المحاصصة المطبقة على جميع المناصب السياسية الرسمية العليا خلال المرحلة السابقة. فقد ترأس مجلس النواب الذي ضم 275 نائبا وفي بداية عمله محمود المشهداني (سني) وانتخب له نائبين هما خالد العطية (شيعي) وعارف طيفور (كردي) لكن مشكلات بين المشهداني وبعض النواب أرغمته على الاستقاله عام 2008 ليحل محله اياد السامرائي (سني).
وقد رفعت الحصانة البرلمانية الان عن جميع النواب البالغ عددهم 275 عضوا مع احتفاظهم بالمرتبات والحراسات الخاصة وجوازات السفر الدبلوماسية لمدة 8 سنوات لهم ولافراد عائلاتهم فيما سيبقى رئيس مجلس النواب يمارس اعماله الادارية لحين تشكيل المجلس الجديد حيث سيغادر الاسبوع المقبل الى واشنطن بدعوة من مجلس الشيوخ الاميركي. وبرفع الحصانة الدبلوماسية عن النواب فقد اصبح بمقدور القضاء العراقي تفعيل قرار اعتقال عشرة نواب متهمين بالإرهاب كان مجلس القضاء الأعلى طالب في وقت سابق برفع الحصانة عنهم. وتشير معلومات نواب الى ان هناك عشرة نواب على الاقل متهمون بقضايا تتعلق بالارهاب.
واعتبر الخبير القانوني العراقي محسن عبد الاله في حديث هاتفي من بغداد مع quot;ايلافquot; اليوم ان هذا الفراغ الرقابي الذي دخلته البلاد في الساعات الاخيرة ومع بقاء صلاحيات الحكومة يشكل خطورة على الدولة في غياب سلطة تراقب عمل الحكومة وتحاسبها في حال وجود اي خلل خاصة وانها (الحكومة) ترفض التحول الى حكومة تصريف اعمال ومصممة على أن صلاحياتها كاملة استنادا إلى الدستور.
واوضح ان quot;الدولة العراقية تبنت النظام البرلماني في الحكم استنادا إلى المادة الأولى من الدستور ولكنه لم يعالج مشكلة انتهاء الدورة البرلمانية التي تم تحديد أمدها بأربع سنوات تقويمية حسب المادة 56 من الدستور إذا استجد أمر طارئ كما حدث بتأخر إجراء الانتخابات عن وقتها الدستوري المحدد بخمسة واربعين يوما قبل انتهاء مدة الدورة البرلمانية حسب المادة نفسها. واشار الى ان هذه المادة تنص على quot;لرئيس الجمهورية أو لرئيس مجلس الوزراء أو لرئيس مجلس النواب أو لخمسين عضواً من اعضاء المجلس دعوته الى جلسةٍ استثنائية ويكون الاجتماع مقتصراً على الموضوعات التي اوجبت الدعوة اليهquot;.
وحول امكانية تمديد عمر مجلس النواب حتى انعقاد الجلسة الاولى للمجلس الجديد اوضح عبد الاله قائلا انه لايمكن لمجلس النواب ان يمدد عمله الا بموافقة المحكمة الدستورية وهو امر لم يحصل بسبب التباين في مواقف القوى السياسية من هذا الامر.
وقال ان الدستور نظم في مادته 52 امر انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد المنبثق من الانتخابات التي جرت في السابع عشر من الشهر الحالي حيث انها نصت على quot;يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الاعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ولا يجوز التمديد لاكثر من المدة المذكورة آنفاquot;.
واكد أن أعضاء مجلس النواب الحالي سيطلق عليهم من الان تسمية أعضاء مجلس النواب السابقين ونزع جميع الامتيازات والحصانات المقررة باستثناء ثلاثة امتيازات نص عليها قانون مجلس النواب رقم 50 لعام 2007 وهي الحمايات والجواز الدبلوماسي والراتب التقاعدي. واوضح ان الوقت المنتظر لانعقاد اول جلسة للمجلس الجديد هو منتصف الشهر المقبل استنادا الى توقعات المفوضية العليا للانتخابات التي اعلنت ان النتائج النهائية الرسمية المصادق عليها من المحكمة الاتحادية ستعلن بنهاية الشهر الحالي.
ويأخذ المواطنون العراقيون على مجلس النواب عجزه عن تشريع قوانين مهمة في مقدمتها قانون النفط والغاز المثير للجدل واجراء التعديلات الدستورية المنصوص عليها في الدستور نفسه في مادته 142 اضافة الى المادة 140 المثيرة للجدل حول مصير المناطق المتنازع عليها وقوانين الخدمة العامة وحماية الصحافيين وحوالى 50 مشروع قانون تم ترحيلها الى الدورة البرلمانية الجديدة.
ولاحظ المواطنون باستياء حالات التغيب المستمر لكثير من اعضاء مجلس النواب عن حضور الجلسات وقضاء معظم اوقاتهم خارج البلاد في السفر والاستجمام والالتحاق بعائلاتهم المقيمة هناك. وقد لعبت المحاصصة التي قام على اساسها المجلس دورا كبيرا في عجزه عن حسم الكثير من القضايا بسبب التفاهمات بين القوى السياسية من خلال تبادلها التستر على تجاوزات او تقصير نوابها وحتى الاستجوابات التي جرت للوزراء الامنيين لم تسفر عن اي نتائج ولم تتخذ اي اجراءات عملية لمحاسبة هذا المسؤول او ذاك عن الانهيارات الامنية الخطرة التي شهدتها البلاد منذ الصيف الماضي.
وفي مقابل ذلك شهد مجلس النواب التصويت بالإجماع ولثلاث مرات متتالية على قانون منح أعضائه وعوائلهم جوازات سفر دبلوماسية لمدة عشر سنوات واقرار قانون يمنح النواب حق تملك ارض في اي مكان يرغبون فيه.. اضافة الى ما يتقاضاه النائب من مرتبات ومخصصات عالية حيث يتقاضى تسعة ملايين وستمائة الف دينار quot;ثمانية الاف دولارquot; شهريا اضافة الى مرتبات عناصر حمايته وعددهم 30 حارساً 30 مليون دينار quot;25 الف دولارquot;.
وقد اثارت هذه الامتيازات استياء شعبيا عاما دفع بالمرجعية الشيعية العليا الى دعوة النواب للابتعاد عن المصالح الشخصية والعمل على إقرار القوانين المهمة المعطله. وقال ممثل المرجع الشيعي اية الله السيد علي السيستاني في كربلاء احمد الصافي ان quot;نسبة كبيرة من اعضاء مجلس النواب تصل الى ثلاثة اخماس يصوتون على امتياز خاص بهمquot;. وتساءل quot;ماهي المصلحة بان يكون لدى عضو مجلس النواب جواز سفر دبلوماسي له ولعائلته لمدة ثماني سنوات قادمة؟quot;.
ومن جانبه قال النائب عن التيار الصدري بهاء الاعرجي ان quot;معظم النواب ليسوا بحاجة الى ثلاثين رجل حماية ولكنهم يتسلمون مستحقاتهم رغم ذلكquot; مشيرا الى ان quot;هناك نوابا اخرين لديهم اكثر من ثلاثين عنصر حمايةquot;.
وازاء الانتقادات الواسعة لهذه الامتيازات فقد نأى مجلس الرئاسة بنفسه عنها موضحا في بيان له قال فيه quot;سبق ان صوت اعضاء مجلس النواب على مشروع قانون يمنحون أنفسهم بموجبه امتيازات وجوازات دبلوماسية مدى الحياة وتم نقض المشروع للمرة الأولى من قبل مجلس الرئاسة لاعتراضه على هذه الامتيازات....وصوت مجلس النواب مجددا على المشروع واعترض مجلس الرئاسة على مشروع القانون للمرة الثانيةquot;.
واضاف ان quot;مجلس النواب قام اخيرا بالتصويت على المشروع (للمرة الثالثة) بأغلبية ثلاثة أخماس اعضاء المجلس ونظرا لاعتراض مجلس الرئاسة على مشروع القانون لمرتين متتاليتين وبما انه لا يحق لمجلس الرئاسة نقض القانون للمرة الثالثة استنادا للدستور، اعتبر المشروع نافذا ولم يبق لمجلس الرئاسة سوى إرسال مشروع القانون للنشر في الجريدة الرسميةquot;.
وفي تصريحات له يلخص النائب الكردي المستقل محمد عثمان معضلات مجلس النواب بقوله quot;ان سبب ضعف أداء البرلمان يعود إلى تدخل الحكومة كثيرا فيه وإلى الغيابات الكثيرة والمتكررة عن الجلسات لاعضائه اضافة الى العطل الكثيرة فهناك 20 يوماً للحج ومثلها بمناسبة رأس السنة الميلادية ومجموع الأيام التي يداومها عضو البرلمان قليل وهناك أعضاء لم يحضروا الجلسات، والمفروض أن رئاسة البرلمان تتخذ إجراءات بحقهم، هناك إجراءات تقررت في البرلمان وهي خصم نصف مليون دينار من كل عضو لا يحضر أي جلسة، وحتى هذا الإجراء يتم التلاعب عليه ثم اقترحنا إجراءً آخر وهو أن العضو إذا لم يحضر 20 جلسة في الفصل التشريعي نطلب من كتلته تغييره، لكن إذا كان رؤساء الكتل لا يحضرون الجلسات فكيف نطلب منهم تغيير العضو الغائب ورئاسة البرلمان ليست جدية في هذا الموضوع وأعتقد أن الخطأ كان في رئاسة البرلمان ورؤساء الكتل الذين لا يتعاونون مع البرلمانquot;. ويضيف عثمان مشددا على انه quot;من الناحية السياسية لم يمارس البرلمان دوره الحقيقي وظل دوره الرقابي ضعيفا جداquot;.
ان الناخبين العراقيين الذين اسقطوا العشرات من النواب السابقين خلال الانتخابات الاخيرة يتطلعون الان الى مجلس نواب جديد يكون اقوى اداء وحرصا على مصالحهم ويكون اعضاؤه بمستوى الثقة التي منحوا اياها في العمل بجد وعن قرب مع منتخبيهم من اجل الايفاء بوعودهم في تحسين الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية للبلاد.
التعليقات