بمناسبة عيد الفصح، يتأمل المسيحيون في العالم في معنى المحبة العميقة والمسامحة اللامحدودة اللتين قدم السيد المسيح مثالا لهما، وفي لبنان، يتّخذ هذا العيد نكهة خاصة، فالمسيحيون والمسلمون على السواء في عطلة رسمية تمتد اربعة ايام. وقد سألت quot;ايلافquot; لبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم عن نظرتهم الى هذا العيد.

بيروت: بعد أربعين يوما من الصوم والصلاة، يتأمل من خلالها المسيحيون انفراد المسيح في الصحراء خلال هذه الفترة، ليأتي نهار الاحد ويحتفلوا فيه بقيامة المسيح من الموت. وتبدأ التقاليد الدينية قبل اربعة ايام من هذا النهار، اي في يوم quot;خميس الاسرارquot; الذي يزار خلاله سبع كنائس مختلفة للتعبير عن المراحل السبع التي مر فيها المسيح في طريقه الى المحاكمة.

اما يوم الجمعة العظيمة، فيشكل مناسبة أليمة اذ انه يذكّر بصلب المسيح. وتبلغ هذه الذكرى اهمية كبيرة عند الطائفتين السماويتين. المسيحيون يحيون ذكرى دفن المسيح في جنّاز يسيرون فيه في اربع عشرة مرحلة، في ما يسمّى quot;درب الصليبquot;، مشاركين مريم العذراء ألمها ووجعها على مصير ابنها. يقول ايلي: quot;هذا اليوم فعلا عظيم. انا اصوم كل النهار واصلي واتأمل بمعاناة المسيح وبدموع والدتنا مريم العذراء. فإني حقا أشعر خلال هذا النهار بخشوع كبير وحزن لا يمكن وصفهquot;.

اما المسلمون، فيتأملون في معاناة العذراء وبعضهم من يتوجّه الى سيدة حريصا لزيارتها. فالعقيدة الاسلامية تؤمن بوجود المسيح والعذراء الا انها لا تعتبر ان المسيح قام من بين الاموات. فبحسب الاسلام، سيرسل الرب النبي عيسى الى الارض يوم القيامة ليخلّص العالم. تقول رؤى: quot;نحن نحترم عيد الفصح عند المسيحيين ونؤمن ان الله رفع النبي عيسى اليه. كما اننا نتشفع بالعذراء مريم عند اللهquot;.

من ناحيته، ينوّه محمد بأهمية عيد الفصح، ولكنه يرفض اعتبار ان الله تجسّد من خلال انسان، quot;فالله موجود حيث هوquot;، على حد تعبيره. ولكن قناعته لم تمنعه من مشاركة احد اصدقائه في زياح المسيح نهار الجمعة العظيمة كما ان فضوله دفعه الى المشاركة في قداس القيامة نهار الاحد. quot;علينا ان نتعرف إلى الاخر ثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا. فنحن نعيش في وطن واحدquot; يقول، ويرى ان اغلبية مشاكل لبنان والتعصب الذي يعمي ابناءه ناتج من عدم معرفة الآخر.

مقارنة عيدين

ونظرا للذكرى الاليمة التي يمثّلها عيد الفصح، فان اغلبية الناس لا يشعرون بالفرح الذي ينشره عيد الميلاد. ولا يمكن الا المقارنة بين هذين العيدين الكبيرين والجزم في افضلية الاول على الثاني. يقول كريستيان: quot;لا يأخذ عيد الفصح رهجة عيد الميلاد، فأولا العطلة اقصر هذا العام ، وثانيا لا اجواء بهجة ولا تبادل هداياquot;. وتوافق ريتا على هذا الكلام، اذ تشير الى ان عيد الفصح يمر بسرعة، وquot;لا نشعر به كما عيد الميلاد الذي نحضّر له قبل شهر وننتظره بفارغ الصبرquot;.

وفي سياق التركيز على السلبيات، يرى بعض المسيحيين ان هذا العيد لا يتّخذ جديّة كبيرة، فيلفت مارون الى ان الشركات الخاصة لا تلتزم بالعطلة كما يجب، في حين يلاحظ طوني غياب خشوع الناس وافتقارهم الى الوعي لمعنى العيد. يقول: quot;لا افهم كيف تشارك النساء بدفن المسيح مرتديات الوانا quot;مفرقعةquot;. من جهتها، ترى كارول ان الناس لا تفهم كلها معاني العيد. تسأل: quot;هل باستطاعة احد ان يفسّر لي لماذا يزور سبع كنائس مثلا؟quot;

جوهر المسيحية

في المقابل، يشعر بعضهم الى حد كبير بالتجدد الايماني في عيد الفصح، معتبرين انه أهم من عيد الميلاد، لانه يجسد حقّا عقيدة المسيحيين. وتقول باتريسيا إن quot;العيد الكبير يختزل حياة المسيح على الارض، ويعكس عمق هويتنا الدينية والروحيةquot;.
وتستوقف quot;شعلة النور المقدسquot; التي تنقل من قبر المسيح في القدس إلى بيروت عبر الأردن يوم سبت النور كثيرين من اللبنانيين، يقول أحدهم ميشال: quot;عيد الفصح يعني بالنسبة إلينا الإنتصار على الموت والشر بعد العذاب والألمquot;.

وتقول ميرا إنها تمضي عيد الفصح مع عائلتها، وتستفيد من المناسبة لمشاهدة السير الذاتية لتلاميذ المسيح والاستماع الى التراتيل الروحية. وتحب هذا العيد اكثر من عيد الميلاد اذ تجده quot;غير تجاريquot; نسبيا. اما اميل، فأفرحته مصادفة التقاء الروزنامتين الكاثوليكية والارثوذكسية هذا العام، ويأمل في ان اتحاد المذهبين سيصبح واقعا لا صدفة. ويقول ان اكثر ما يعجبه في لبنان هو تعددية الاعياد والاحتفالات الدينية وتعطيل جميع الطوائف لإحياء ذكراها، الامر الذي يعكس كما يقول تعددية التركيبة الطائفية والمجتمعية ويدلّ على quot;التنوع الكبير في لبنان الصغيرquot;.