شهد الحفل الذي أقامته السفارة السورية في بيروت الكثير من المفآجات، المفاجأة الأولى تمثلت بحضور من كانوا يجاهرون بعدائهم لسوريا ويستبعدون ذهابهم إليها وفي طليعتهم quot;القوات اللبنانيةquot;، وجاء الحفل تتويجًا لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وبيروت.

بيروت:كما كان متوقعاً شهد مجمع quot;البيالquot; الفسيح وسط بيروت أضخم حشد لبناني في تاريخ الحفلات المماثلة التي تقيمها السفارت ضم عدداً من كبار المسؤولين في الدولة الى جانب وزراء ونواب وشخصيات سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية وفنية ورجال فكر واعلام كلهم جاؤوا تلبية لدعوة السفير السوري علي عبد الكريم لمشاركته الاحتفال بالعيد الوطني لبلاده وقد غصت بهم قاعة الحفل الرحبة وخارجها امتدادًا الى المداخل حيث ازدحمت السيارات قاطعة الطريق على المدعوين الذين آثر العشرات منهم التوجه الى الاحتفال سيرًا على الاقدام .

مفاجآت متعددة طبعت هذا الحفل الذي وصف بـquot;التاريخيquot; كونه الأول الذي يقام على الأرض اللبنانية بدعوة سورية رسمية وقد جاء تتويجًا لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتعبيرًا عن رغبة الجانبين في فتح صفحة جديدة بعد سنوات التوتر الجفاء التي باعدت بين الدولتين وكادت ان تنسف ما صنعه التاريخ والجغرافيا من أواصر قربى ومصالح مشتركة .

المفاجأة الأولى تمثلت بحضور من كانوا يجاهرون بعدائهم لسوريا ويستبعدون ذهابهم اليها وفي طليعتهم quot;القوات اللبنانيةquot; التي تمثلت بوزير العدل ابراهيم نجار ونائب رئيس الهيئة التنفيذية لهذه القوات النائب جورج عدوان ، فيما وفد حزب الكتائب الذي يضم المؤسف من النائبين سامر سعادة وفادي الهبر ونائب رئيس الحزب شاكر عون ومستشار الرئيس أمين الجميل الزميل سجعان قزي سبقهما في الحضور علمًا ان الرئيس الجميل عاتب على السفير السوري لعدم قيامه بزيارة بروتوكولية له على حد قوله، لكنه آثر المشاركة في الحفل كدليل على الانفتاح وتماشيًا مع خط سير الحكومة في طي صفحة الماضي .

واذا كان ظهور رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط برفقة زوجته السيدة نورا لم يعد يشكل مفاجأة للمراقبين بعد الزيارتين اللتين قام بهما الى دمشق في اقل من شهر ، فإن وجود العضو في كتلته النائب مروان حمادة اعتبر اكثر من مفاجأة فيما ذهب بعض وسائل الاعلام الى وصفه بـquot;نجم الحفلquot;باعتبار ان الأخير ما فتئ وحتى قبل ايام قليلة من موعد الحفل يوجه الانتقادات الى النظام السوري ، لكن ثمة من رأى في مجيء حمادة تعبيرًا عما في نفس هذا quot;الشهيد الحيquot; من روح وطنية وعروبية صافية أفصح عنها في حواره السريع مع الأمين القطري لحزب البعث الوزير السابق فايز شكر الذي بادره متسائلاً quot;ما الذي تفعله هناquot; ، فأجابه على الفور quot;انا هنا دائماً . الا تذكر عملي في جبهة الخلاص وتشاركنا في حكومة واحدة وعملي من اجل الاتفاق الثلاثيquot; . كما قال حمادة في تصريح آخر قبل مغادرته الحفل ان quot;وجوده هنا يأتي تلبية لدعوة سورية عزيزة على قلبي لمناسبة مشتركة بين البلدين . واننا نلبي دعوات سفارات عربية كثيرة فالأحرى ان نلبي دعوة سورياquot; . والى جانب حمادة لفت حضور النائب في كتلة جنبلاط انطوان السعد الذي لطالما هاجم سوريا في تصريحاته ومواقفه السياسية . أما وفد تيار المستقبل وممثلون للرئيس فؤاد السنيورة فقد ضم في عداده النائب أحمد فتفت المحسوب من فريق quot;الصقورquot; خصوصًا عندما كان يتعلق الأمر في quot;الهجومquot; على سوريا قبل زيارة الحريري دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد.

وخلافًا لما ذكره النائب في كتلة quot;لبنان اولاًquot; عقاب صقر والقريب من الرئيس سعد الحريري من انه يتلق دعوة لحضور الحفل تبين من مصادر السفارة السورية ان الدعوة ارسلت اليه لكنه آثر عدم قول الحقيقة لغاية في نفسه .

وكما توقعت quot;إيلافquot; في تقرير نشرته قبل عشرة أيام فقد حضر رئيس البرلمان نبيه بري حفل السفارة السورية كما يفعل عادة في مثل هذه المناسبات مع حفل سفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية وقد وقف في مقدم الحضور يستمع الى كلمة السفير علي عبد الكريم المعبرة والمتقنة والتي ترسم ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات اللبنانية السورية خصوصًا لجهة قوله بأن quot;الموقع الجغرافي للبلدين يجعلهما هدفًا لكل أصناف الطامعين والمستعمرين والغزاة والباحثين عن الهيمنة. واحتفالنا اليوم يرمز الى واحد من شواهد تملأ تاريخنا وتؤكد تشبث شعبنا بأرضه وكرامتهquot; . وكذلك تأكيده مخاطبًا اللبنانيين على quot;اننا في قارب واحد يوحد بيننا الدم والمصير . يد سوريا ممدودة وقلبها مفتوح لأشقائها ترحب بالنقد المسؤول وتمارسه على نفسها لكنها ترفض المساومة على الكرامة والحقوق وتتمسك بثوابتها التي تجد فيها خشبة الخلاص وبوابة النصرquot; .

وفيما كان المشهد في بيروت الجامع لفريقي 14 و 8 آذار تحت القبة السورية هذه المرة وهنا المفارقة ، كانت اخبار زيارة الوفد الاداري اللبناني الى دمشق اكثر من مشجعة حيث وصفها رئيس الوفد الوزير جان اوغاسبيان بـ quot;الناجحة جداًquot; لافتاً الى quot;ان الدولة السورية ابدت اهتمامًا كبيرًا وانفتاحًا كاملاً على كل الاقتراحات التي قدمها الوفد اللبناني وحرصًا على التعاون البناءquot; .

ومن روما وبالتزامن مع حفل quot;البيالquot; والزيارة اللبنانية الى سوريا ، سُمِع صوت رئيس الحكومة سعد الحريري جليًا وقاطعًا في ما يخص الادعاءات الاميركية والاسرائيلية عن تزويد سوريا لحزب الله بصواريخ quot;سكودquot; إذ قال quot;ان هذه التهديدات والتهويلات بأن لبنان يمتلك صواريخ ضخمة يشبه ما كانوا يقولونه عن وجود اسلحة دمار شامل في العراق وهي اسلحة لم يجدوها وما زالوا يبحثون عنها ويحاولون تكرار السيناريو نفسه في لبنانquot; .

كلام الحريري هذا نزل بردًا وسلامًا على قلوب اللبنانيين خصوصاً المتمسكين منهم بسلاح المقاومة . وإذا ما اضيف اليه ما جرى في دمشق امس ومفاجآت quot;البيالquot; ايضاً لأمكن القول ان لبنان ما بعد حفل السفارة السورية الأول فيه هو غير ما قبله بالتأكيد...