حاول رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين ومحاولة التوصل إلى اتفاق يتعلق بالانتخابات البلدية، وما زاد الوضع تعقيدا سلسلة مواقف تجمعت لدى quot;تيار المستقبلquot; فحواها أن quot;حزب اللهquot; يصر بدوره على تمثيل فريق 8 آذار / مارس الذي يترأسه الحزب في المجلس البلدي بأحد رموز هذا الفريق السنيّة.
بيروت:تبدو العاصمة اللبنانية بيروت بأهلها وسياسييها ذاهبة بأعين مفتوحة إلى مواجهة صحيح أنها محسومة النتائج لمصلحة quot;تيار المستقبلquot; بعد تعذر التوافق ، لكنها قد تكون خطرة على حكومة التوافق التي يترأسها الرئيس سعد الحريري وتهدد استمراريتها.
ولعل الصورة الأوضح للوضع قبل يومين من بدء الإنتخابات في جبل لبنان ، قدمتها المأدبة التي أقامها رئيس مجلس النواب نبيه بري على شرف رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ، إذ تخللهالقاء استمر دقائق بينهما وبين الحريري والنائب الجنرال ميشال عون طرح خلالها بري على عون السؤال عن أسباب عدم حصول توافق بالنسبة الى المجلس البلدي لبيروت. فأجاب عون بحسب ما تسرب من اللقاء بأنه يريدعضوا مسلما سنيا اضافة الى مطالبته بحصة كبيرة من الأعضاء المسيحيين والأرمن، فنصح بري عون بعدم التوقف عند هذا المطلب. وعند ذلك أبدى رئيس الوزراء القطري تمنيه التوصل إلى حل للملف البلدي في العاصمة، لكن هذا التمني القطري لم يؤد الى أي نتيجة ايجابية ، أقله حتى الآن ، وذلك رغم ان الحريري وعون اتفقا على عقد لقاءات ثنائية مباشرة بينهما. وذكرت مصادر بري ان اللقاء حض كلا من رئيس الحكومة والجنرال عون على استمرار الإتصال بينهما لمحاولة التوصل الى توافق لعل وعسى بعدما كان الحريري فوّض حلفاءه المسيحيين في قوى ١٤ آذار/ مارس التفاوض مع عون، الذي أصر على ان يكون التفاوض بينه وبين الحريري.
وما زاد الوضع تعقيدا سلسلة مواقف تجمعت لدى quot;تيار المستقبلquot; فحواها أن quot;حزب اللهquot; يصر بدوره على تمثيل فريق 8 آذار / مارس الذي يترأسه الحزب في المجلس البلدي بأحد رموز هذا الفريق السنيّة، وأنه يفضل ان يخسر مقعدا شيعيا يربحه بالائتلاف مع quot;المستقبلquot; على خسارة حلفائه السُنة في العاصمة. بينما ضم رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع صوته إلى مسيحيي قوى14 آذار في بيروت قائلاً إنهم هم المخولون التفاوض مع عون على حصة المسيحيين في المجلس البلدي وليس الحريري، مؤكدا أن المفاوضات لم تؤد حتى الآن إلى أي نتيجة أو تجاوب من الطرف الآخر. وإننا متخوفون أن يكون هناك قرار سياسي عن سابق تصور وتصميم لخوض معركة من أجل المعركة بهدف إرباك رئيس الحكومةquot;.
أما موقف الحريري فعبر عنه بوضوح مستشاره الوزير السابق محمد شطح بعد زيارته البطريرك الماروني نصرالله صفير
في بكركي، إذ قال إن الرجل quot; يسعى الى التوافق، ولكن ليس بأي صيغة أو ثمنquot;، مؤكدا صعوبة حمل جميع الأطراف المعنيين على دخول التوافق بطريقة معقولة، وبالتالي ما كان يسمى المعارضة السابقة يبدو أن لديها مطالب غير قابلة للتحقيق، وقد نكون متجهين الى تنافس في انتخابات بيروت، وعلى الجميع اعتباره أمراً طبيعياquot;.
مفاجأة quot;حزب اللهquot; للحريري
ويرى quot;تيار المستقبل quot; عبر بعض أركانه أن إشارات المعركة بدأت تتوضح بعد حسم حزب الله موقفه من خلال اتخاذ سلسلة خطوات في عدد من المناطق الحساسة تؤكد انه اختار المواجهة البلدية مع quot;المستقبلquot; في ظل اتجاه بات واضحاً لدى الحزب لتسمية مرشحين سُنة. ما يعني انه اختار المعركة في العاصمة بيروت بدل التوافق، ويتمسك بترشيح ما يسميها quot;المعارضة السنيةquot; في بيروت، وذلك بناء على اتفاق أو وعد قدمه الحزب الى المعارضة المذكورة بإشراكها في المجلس البلدي، ولا مجال للتراجع عن هذا الوعد تحت أي ضغط عائلي أو سياسي. كما أبدى quot;حزب اللهquot; تمسكه بالشروط التي يفرضها حليفه الجنرال عون في بيروت معتبراً إياها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
هذا المشهد الإنقلابي على التوافق قبل أيام من الإستحقاق البلدي، أثار استياء quot;تيار المستقبلquot; قيادة ونواباً ، فأبدوا إستغرابهم لموقف quot;حزب اللهquot; وإدخاله على خط هذا الإستحقاق ما يسميه quot;المعارضة السنيةquot; في ائتلاف بيروت، في حين لم يبادر الى إظهار نيات إيجابية توافقية في البلدات المختلطة بدءاً بمدينة بعلبك حيث يخضع التمثيل السني لقرار حزب الله وكذلك في مدينة صور.
والانطباع السائد في quot; المستقبلquot; ان الأمور تتجه نحو خوض معركة انتخابية في بيروت بسبب تشدد quot;التيار العوني quot; في فرض شروطه وآرائه، وان فرص الائتلاف حتى هذه اللحظة quot;ضئيلة جداً لأن بعض الفريق الآخر ينطلق من مقولة quot;ما لنا لنا وما لكم لنا ولكمquot;، ويتحدث عن النسبية بطريقة مغلوطةquot;.
وتقول أوساط quot;المستقبل ان quot;التيارquot; يعتبر ان نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة أفرزت ٤٧ % من أصوات المسيحيين له، ولكن بحسبة بسيطة نقول ان هذا الرقم هو ٤٠ % وليس ٤٧ % في الدائرة الأولى، فإذا وزعنا هذا الرقم على كل بيروت فيصبح الرقم تحت العشرة في المئة من مجموع بيروت، وبالتالي إذا طبقنا النسبية فهذا هو الرقم الحقيقي لما يمكن أن يحصل عليه العونيون، علماً ان ما من أحد يطرح موضوع النسبية.
ورغم اقتراب موعد الإنتخابات لا تزال الإتصالات تدور من ضمن منطقين متضادين: الأول ما طرحه الحريري وحلفاؤه في ١٤ آذار، ومختصره ان مرجعية بيروت المسيحية ، أي الأشرفية، محددة في مرجعياتها الدينية ونوابها المنتخبين، واليهم يعود أمر البت بالتمثيل المسيحي في بلدية بيروت، ولكن لا مانع من انضمام quot;تكتل التغيير والإصلاح quot; الذي يترأسه عون اذا تطلب التوافق ذلك، بشرط ان يكون عون واقعيا في مطالبه، فتكون حصته ٤ مقاعد في المجلس البلدي حدا أقصى بما فيها المقعدان المخصصان لحزب quot;الطاشناقquot; الأرمني. في المقابل يقول العونيون إنه بعد اسقاط اقتراح تقسيم بيروت ثلاث دوائر وتفشيل مشروع النسبية والاصلاحات، لم يعد هناك الا خيار التوافق واللائحة الائتلافية لمجلس بلدي متوازن طائفيا وسياسيا، ما يفترض ان تتمثل فيه كل القوى والأطراف، وكل طرف بحجمه الشعبي وبنسبة ما حصل عليه في الانتخابات الأخيرة، وهذا يعني ان تمثيلquot; تكتل التغيير والإصلاحquot; لا يمكن ان يكون بأقل من خمسة مقاعد من أصل ١٢ مقعدا تمثل الحصة المسيحية في مجلس بلدية بيروت المكوّن من أربعة وعشرين عضوا.
ويقول النائب عن حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان في هذا المجال: quot;يطالبون باحترام نتائج الانتخابات النيابية، وهذا يعني اعتماد قاعدة ٤٥ % للتيار وحلفائه و ٥٥ % للنواب الحاليين في المناطق المسيحية، أي بين خمسة وستة مقاعد مسيحية. نحن لا نزال في مرحلة شد حبال ورفع السقف، وأعتقد أننا سنتوصل الى توافق في بيروت، والرئيس سعد الحريري سيبذل جهده لتأمين أوسع مشاركة لمكونات بيروتquot;.
ربط نزاع
في الخلاصة يمكن القول إنه إذا كانت لانتخابات أخرى جوانب وأبعاد سياسية فإنّ لبيروت دلالات أكبر وأهمّ، وذلك من زاوية قرار quot;حزب اللهquot; والجنرال عون بخوض معركة في عقر دار الرئيس الحريري وليس التوافق معه ، لكن الأهمّ أنّ quot;حزب اللهquot; الذي ربط التوافق بأن يكون المجلس البلديّ على صورة quot;حكومة الوحدة الوطنّيةquot; قد ينطلق من معركة بيروت ليربط نزاعاً مع quot;الوفاق الحكوميquot; بذريعة أن رئيس quot;حكومة الوفاقquot; يرفض الوفاق . وفي المقابل لا شك أن quot;نزول حزب اللهquot; في المعركة سيرفع التوتر المذهبي في العاصمة بما يتناقض مع استعدادات الحزب لمواجهة إسرائيل ! كما أن الحزب سيراهن على تدني نسبة المشاركة من جانب التحالف الإسلاميّ ndash; المسيحيّ في قوى 14 آذار من أجل تحقيق رقم يبدو مقبولاً في مقابل أكثريّة متحقّقة لكنها غير عالية ، وذلك لربط النزاع وتصعيده ربما بعد انتخابات بما يطيح حكومة الحريري أو يفرض إدخال تعديلات عليها في أقرب وقت .
التعليقات