يعطي متوسط الاستطلاعات الأخيرة المحافظين 35% تعادل 269 مقعدا في البرلمان. أما العمال، فسيحصلون بنسبة الـ29% على 270 مقعدا. أي أنهم سيفوزون بأغلبية المقاعد (بفارق مقعد) متفوقين على المحافظين رغم أن نسبتهم تقل عن هؤلاء الأخيرين بسبع نقاط مئوية. وأما الليبراليون فسيحصلون على 79 مقعدا فقط رغم أن نسبتهم تقل عن العمال بما لا يزيد عن ثلاث نقاط.

لندن: ربما كانت هذه الانتخابات البريطانية هي الأكثر إثارة لعقود طويلة، بسبب عدم اليقين الذي يكتنفها. فبينما كانت الانتخابات السابقة معركة بين العملاقين التقليديين laquo;العمالraquo; وlaquo;المحافظونraquo;، دخل الساحة هذه المرة لاعب جديد يتمثل في laquo;الليبرالي الديمقراطيraquo; الذي قلب الموازين رأسا على عقب بحيث صارت البلاد تتجه الى برلمان معلق إذا صحت استطلاعات الرأي الأخيرة. وفي هذه الحالة فسيكون هذا البرلمان الثالث من نوعه بعد انتخابات العامين 1929 و1974.

ويأتي هذا بفضل عاملين: الأول هو الصدمة العميقة التي أحدثتها فضيحة النفقات البرلمانية وتورط فيها نواب الحزبين الكبيرين بالجملة. والثاني هو مناظرات الزعماء الثلاثة التلفزيونية التي انتهحتها بريطانيا على الطريقة الأميركية وقذفت بزعيم الليبراليين، نِك كليغ، الى مقام الزعيمين المحافظ ديفيد كامرون والعمالي غوردون براون. بل إن كليغ ألقى بهذا الأخير الى المركز الثالث في استطلاعات الرأي وتجاوز في أحدها كامرون نفسه.

ويذكر أن متوسط الاستطلاعات في يوم الحملة الأخير يضع المحافظين في المقدمة بنسبة 35 في المائة، والعمال في المركز الثاني بواقع 29 في المائة والليبراليين أخيرا بواقع 26 في المائة، بحيث تتقاسم نسبة العشرة في المائة الباقية الأحزاب الصغيرة مثل laquo;الوطني البريطانيraquo; وlaquo;يوكيبraquo; إضافة الى المستقلين. وبترجمة هذه النسب الى مقاعد برلمانية يصبح البرلمان laquo;معلقاraquo;، وهو ما يعني أن من شبه المستحيل على أي حزب تشكيل الحكومة منفردا حتى وإن تمتع بالأغلبية لأنها ليست مطلقة.

ويتيح هذا الوضع لليبراليين تحديدا الإمساك بمصير أي من الحزبين الكبيرين بيده. فهو، بواقع عدد مقاعده وإن كان الأقل، يستطيع التآلف مع من أراد من عمال أو محافظين. ولنذكر هنا أن زعيمه أعلن صراحة رفضه للمحافظين وأنه يستبعد العمال laquo;طالما كانوا بزعامة براونraquo;.

ومن جهتهم فقد ركز المحافظون حملتهم على السعي للأغلبية الحاسمة محذرين من أن البرلمان المعلق laquo;كارثة على البلادraquo; لأنه يلقي ببرامج الأحزاب التي تخوض الانتخابات على أساسها في مزبلة التاريخ. أما العمال، فقد رأوا في الليبراليين منقذا لهم من هزيمة مدوية وراح براون نفسه يذكّر كليغ بأن الحزبين laquo;يجتمعان على أرضية مشتركة خاصة في المسائل الدستوريةraquo;.

ثم دعا اثنان من كبار رموز الحكومة الناخبين العماليين في الدوائر الهامشية، المهمة لفوز المحافظين، بالتصويت التكتيكي لليبراليين الديمقراطيين في الدوائر الهامشية التي تصوت تقليديا للمحافظين ويأتي فيها الليبراليون عادة في المركز الثاني سعيا لحرمان المرشحين المحافظين من الفوز بها. وقالا إن الأمر نفسه ينطبق على الليبراليين في الدوائر التي يأتي فيها العمال في المرتبة الثانية بعد المحافظين وفي هذه الدوائر يتعين عليهم التصويت التكتيكي للعمال من أجل هزيمة المحافظين أيضا.

لكن كل هذا حدث عندما كان العمال في المرتبة الثالثة البعيدة إثر المناظرات التلفزيونية. أما الاستطلاعات في اليومين الأخيرين قبل الانتخابات فقد وضعت العمال في المرتبة الثانية وهو ما عزز موقفهم فجأة وإن لم يحلّ إشكال البرلمان المعلق.

وتضيف حقيقة أخرى ثقلها الى كل هذه الإثارة، تتمثل في النظام الانتخابي نفسه المسمى laquo;الحر المباشرraquo; والذي تكون فيه الأغلبية لصاحب الأصوات الأكثر وإن كان بفارق صوت واحد. وهذا النظام يصب في هذه الانتخابات لصالح العمال دون سواهم. فهو يعني أن مقاعدهم التي يمكن ان يحصلوا عليها في البرلمان لن تخضع للحساب المنطقي وستكون أكثر من مقاعد المحافظين رغم أن هؤلاء الأخيرين هم أصحاب العدد الأكبر من الأصوات.

كما أن متوسط الاستطلاعات الأخيرة يعطي المحافظين 35% تعادل 269 مقعدا في البرلمان. أما العمال، فسيحصلون بنسبة الـ29% على 270 مقعدا. أي أنهم سيفوزون بأغلبية المقاعد (بفارق مقعد) متفوقين على المحافظين رغم أن نسبتهم تقل عن هؤلاء الأخيرين بسبع نقاط مئوية. وأما الليبراليون فسيحصلون على 79 مقعدا فقط رغم أن نسبتهم تقل عن العمال بما لا يزيد عن ثلاث نقاط. والأسباب في هذا الوضع الغريب كما يلي:

- أولا، تغير حدود الدوائر:

في انتخابات 2010 أعيد ترسيم حدود الدوائر الانتخابية من أجل إصلاح نظام الانتخابات نفسه على أساس معلومات مستقاة في فترة الأعوام العشرة الأخيرة. لكن الترسيم الجديد يتيح للعمال الحصول، مثلا، على الدوائر في المناطق المدينية الداخلية وهي في الأغلب مناطق فقيرة يهرب منها الميسورون - وهم أصوات المحافظين رئيساً - الى ما عداها مثل الأرياف.

- ثانياً: نسبة المشاركة:

في عموم البلاد لا تستلزم للعمال نسبة مشاركة عالية للفوز بمقاعدهم التقليدية laquo;المضمونةraquo; إذ تكفي اي نسبة فوق الأربعين في المائة لفوزهم بالدائرة، بينما يحتاج المحافظون لقرابة 65 في المائة حتى يضمنوا الفوز بالأغلبية بسبب افتقارهم الى دوائر laquo;مغلقةraquo; بالعدد نفسه المتاح للعمال، وأيضا بسبب منافسة الليبراليين القوية لهم في تلك الدوائر.

ثالثا : الأصوات الضائعة:

الدوائر التي يمكن ان تعتبر laquo;مضمونةraquo; للمحافظين تشهد عادة تركيزا عاليا من أصوات المحافظين من حيث عددهم. فيصبح الفوز بها غير مجد بالنظر الى سيناريو آخر وهو أن يكون مؤيدوهم العديدون الذين يقطنون الدائرة نفسها موزعين في عدد أكبر من الدوائر. وهكذا يصبح الفوز بدائرة تتألف أساسا من المحافظين مضيعة للأصوات.

رابعا: ويلز

النظام الانتخابي الحالي يعطي ويلز عددا من الدوائر الانتخابية أكثر بحوالي خمسة مقاعد مما تستحقه بالنظر الى عدد سكانها. ولحسن حظ العمال فإن هذه الرقعة الواسعة من بريطانيا تصوت تقليديا لهم.

وثمة أسباب أخرى من ضمنها أن الناخبين موزعون بشكل لا يلائم المحافظين أو الليبراليين. ففي الدوائر التي يسيطر عليها العمال يكون تأثير الليبراليين ضعيفا عادة. بينما العكس غير صحيح في الدوائر التي يسيطر عليها المحافظون تقليديا (وهي دوائر يهملها العمال تماما أصلا).

ولهذه الأسباب مجتمعة فإن الليبراليين هم الخاسر الأكبر من ناحية ترجمة العدد الإجمالي لأصواتهم في البلاد الى مقاعد برلمانية، يليهم المحافظون وإن كان في هذه الانتخابات تحديدا، لأنهم استفادوا من نواقص النظام الانتخابي في السابق. ولهذا صار إصلاح هذا النظام نفسه أحد أكبر أعمدة سياسات الليبراليين.

وما يهم هنا هو أن صعود حزب العمال الى المرتبة الثانية يلقي بمعطيات جديدة الى الساحة. ومن هذه أن يحصل على أغلبية تلوي ذراع الليبراليين فيقبلونهم شريكا لهم في حكومة ائتلافية تقصي المحافظين. وليس هذا وحسب.. بل ان بوسع العمال، في حال تضافرت العوامل الآنف ذكرها، مع ميل الناخبين المترددين اليهم، البقاء في السلطة منفردين للسنوات الخمس المقبلة. هذه ستكون مفاجأة مدوية ولا شك... لكنها ليست مستبعدة تماما الآن.