نشر مركز الأبحاث الأفريقي دراسة اعتبر فيها ان المحكمة الجنائية الدولية تعاني من خلل لا رجاء في اصلاحه.

توصلت دراسة جديدة الى ان المحكمة الجزائية الدولية ليست مؤهلة للاضطلاع بالمهمة التي أُنشئت من اجلها. وجاء في الدراسة التي تقع في 345 صفحة نشرها مركز الأبحاث الأفريقي ان المحكمة الجنائية الدولية مدفوعة اوروبيا ومتمحورة اقليميا بتركيزها على القارة الافريقية حصرا وتعاني من مواطن خلل لا رجاء في اصلاحها.

وتبين الدراسة ان ادعاءات المحكمة بكونها ذات ولاية قضائية دولية واستقلال قضائي ادعاءات واهية مؤسسيا، وان معالجات المحكمة يعتريها تطبيق معايير مزدوجة على نحو صارخ ومخالفات قضائية خطيرة. وتُشبَّه المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، بالمعادل الاوروبي للمحكمة الاميركية في معتقل غوانتانامو التي تدعي هي الأخرى تمتعها بولاية قضائية دولية.

وفي حين تقدم المحكمة نفسها بوصفها محكمة دولية فان الدراسة تنفي ذلك بقوة مشيرة الى ان اعضاءها لا يمثلون إلا ربع سكان العالم وان الصين وروسيا والولايات المتحدة والهند وباكستان واندونيسيا ليست إلا أمثلة محدودة على الدول الكثيرة التي ظلت خارج سلطة المحكمة. كما ان المحكمة لديها من الاستقلالية بقدر ما لدى مجلس الأمن الدولي وان تمويلها من الاتحاد الاوروبي يكرس وضعها هذا. فالنظام الأساسي للمحكمة نفسه يمنح مجلس الأمن أو بتحديد أدق دوله الخمس دائمة العضوية حقوقا خاصة في المقاضاة والإحالة أو عدمها. وبذلك أصبح التدخل السياسي في العملية القانونية جزء من المبادئ المرجعية التي أُنشئت المحكمة على اساسها.

كما ترتبط المحكمة الجنائية الدولية ارتباطا عضويا بالاتحاد الاوروبي الذي يتكفل بأكثر من 60 في المئة من تمويلها. وتعتبر الدراسة ان التعبير الانكليزي القائل quot;ان من يدفع للزمار هو الذي يحدد النغمةquot; لا يصح على حالة مثلما يصح على حالة المحكمة الجنائية الدولية. فالمحكمة تجاهلت كل الانتهاكات الاوروبية أو الغربية ضد حقوق الانسان في نزاعات مثل افغانستان والعراق، أو الانتهاكات التي ارتكبتها دول تدور في فلك الغرب. وبدلا من ذلك ركز الاوروبيون جهود المحكمة على افريقيا حصرا. ورغم تقديم ما يربو على 8000 شكوى ضد جرائم مفترضة في 139 بلدا على الأقل فان المحكمة الجنائية لم تبدأ تحقيقاتها إلا في خمسة بلدان، كلها افريقية. وإزاء خبرة افريقيا المريرة مع القوى الاستعمارية ذاتها التي توجِّه المحكمة الجنائية الدولية عمليا فلا بد ان يثير هذا ذكريات تثير قلق الأفارقة من تكرارها. يضاف الى ذلك ان الاتحاد الاوروبي مدان بممارسة الابتزاز الاقتصادي من خلال ربطه المساعدات التي يقدمها الى البلدان النامية بالانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية.

وتمضي الدراسة في تشريح المحكمة الجنائية الدولية قائلة ان اجراءات المحكمة كانت في الغالب موضع تساؤل إن لم تقرب من المهزلة. وان قضاتها ـ الذين بعضهم لم يمارس المحاماة في حياته ناهيكم عن التحكيم ـ يُعينون نتيجة مقايضات بالأصوات بين الدول الأعضاء. وقدمت المحكمة شهودا تراجعوا عن افاداتهم فور مثولهم امامها معترفين بأن منظمات غير حكومية لقنتهم اقوالا كاذبة. وتعثرت المحاكمة الأولى التي اجرتها المحكمة الجنائية الدولية إثر قرارات قضائية بإضافة تهم جديدة في منتصف المحاكمة. فالمحكمة الجنائية الدولية كانت بكل بساطة تختلق أشياء اثناء الجلسات، بحسب الدراسة.

تقول المحكمة انها تقتصد في النفقات ولكن الدراسة أشارت الى انها انفقت اكثر من 500 مليون يورو على محاكمة واحدة مليئة بالثغرات ثم توقفت طيلة اشهر قبل ان تُستأنف. وتقول المحكمة ان مهمتها المركزية انصاف الضحايا ولكن منظمة مراقبة حقوق الانسان quot;هيومن رايتس ووتشquot; انتقدتها علنا بسبب موقفها المتردد من الضحايا تحديدا. وتقول المحكمة انها تحقق العدالة بسرعة للمظلومين ولكنها احتاجت الى عدة سنوات لتقديم المتهم الأولى الى المحاكمة بدعوى استخدام جنود اطفال. وتعيد دراسة مركز الأبحاث الافريقي الى الاذهان ان محاكمات نورمبرغ التي نظرت في قضايا أخطر بكثير انتهت في غضون عام. وتقول المحكمة الجنائية الدولية انها تكافح الوقوف فوق القانون ولكنها في واقع الحال منحت حصانة ضد الملاحقة القانونية لكثيرين دأبوا على انتهاك حقوق الانسان لأنهم يعتبرون من اصدقاء الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، كما تقول الدراسة.

سجل صاحب الدراسة الدكتور ديفيد هويل quot;ان افريقيا ناضلت نضالا مديدا وشاقا من اجل الاستقلال. ويجب ان ترفض هذا الاستعمار quot;القانونيquot; الجديد. فان المعايير المزدوجة التي تطبقها المحكمة الجنائية الدولية واخفاقاتها القانونية في افريقيا أخرجت عمليات سلام حساسة عن سكتها ـ لتمد بذلك في عمر حروب أهلية مدمرة. وهناك درس واضح للبلدان الأفريقية وغيرها هو ألا تنضم الى المحكمة الجنائية الدولية وألا تحيل أوطانها الى المحكمة. فان ذلك بمثابة دعوة الى مرض السرطان لدخول الجسم. ان المحكمة لا تكترث بمصالح افريقيا ولا تخدم سوى السياسة الخارجية الغربية، لا سيما الاوروبية، وغاياتها البيروقراطية الخاصة ـ ان تبقى قائمة وان توظف مزيدا من الاوروبيين والشمال اميركيين وان تستمر في زيادة ميزانيتها قدر الامكانquot;.