تتزامنُ ذكرى مرور عشر سنوات على تولي الرئيس بشار الأسد لمقاليد الحكم في سوريا مع صدور تقرير حقوقيّ أميركي انتقد بشدّة نظام الأسد واتهمه بعدم الإيفاء بوعوده بتحسين وضع الحريات وحقوق الإنسان.quot;


دمشق:قالت منظمة هيومن رايتس ووتش للدفاع عن حقوق الإنسان إن الرئيس السوري بشار الأسد الذي يحيي السبت ذكرى توليه الحكم قبل عشر سنوات quot;لم يف بوعوده بتحسين وضع الحريات العامة وحقوق الانسانquot;.

وقالت سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش:quot; سواء رغب الأسد أن يوسع هامش الحريات لكن الحرس القديم أعاقه، أم كان مجرد حاكمٍ عربيٍّ غير راغبٍ في سماع النقد، فإن النتيجة هي ذاتها للشعب السوري: لا حريات ولا حقوقquot;.

وأضافت: يظهر سجل الأسد بعد عشر سنوات في السلطة أنه لم يفعل شيئاً في الواقع لتحسين سجل بلاده في مجال حقوق الإنسان.وفي خطاب توليه السلطة في 17 يوليو/ تموز 2000، تحدث الأسد عن الحاجة إلى التفكير الإبداعي والشفافية والديمقراطية.

الناشط الحقوقيّ السجين هيثم المالح

وتابع التقرير الصادر عن منظمة quot;هيومن رايتس ووتشquot; ونشر بالتزامن مع مرور عقد من الزمن على اعتلاء بشار الأسد لسدّة الحكم في سوريا: quot;إن فترة التسامح التي تلت وصول الأسد للسلطة لم تدم طويلاً، ومُلئت السجون السورية بسرعة مرة أخرى بسجناء سياسيين وصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان. في أحدث الأمثلة على ذلك، أصدرت المحاكم الجنائية السورية في الأسابيع الثلاثة الماضية حكمين منفصلين على اثنين من محامي حقوق الإنسان الرائدين في سوريا، هيثم المالح (78 عاماً) ومهند الحسني (42 عاماً) بالسجن لمدة ثلاث سنوات لانتقادهما سجل سوريا في مجال حقوق الانسانquot;.

واعتبر التقرير أن الأجهزة الأمنية السورية والمخابرات تقوم باحتجاز الأشخاص دون أوامر اعتقال، وتقوم بتعذيبهم مع حصانة تامة من العقاب.

واضاف التقرير انه بعد عامين على استخدام سلطات السجن والشرطة العسكرية الأسلحة النارية لإخماد أعمال الشغب التي اندلعت في 5 يوليو/ تموز 2008، في سجن صيدنايا، لم تكشف السلطات السورية عن مصير ما لا يقل عن 42 معتقلاً، يعتقد أن تسعة منهم على الأقل قد لقوا حتفهم. وحجب المواقع الإلكترونية منتشر ويمتد إلى مواقع شعبية مثل الفيس بوك، ويوتوب، وبلوجر (خدمة مدونات جوجل).


وتابع التقرير أما وعود الأسد بسن قوانين جديدة من شأنها توسيع المشاركة السياسية ومشاركة المجتمع المدني فلم تتحقق. في مارس/ آذار 2005 قال الأسد للصحافيين إن الحقبة المقبلة ستكون واحدة من حقب الحرية للأحزاب السياسية في سوريا. ومع ذلك، لا تزال سوريا في الواقع دولة حزب واحد، حيث ينفرد حزب البعث وحده بالقدرة على العمل بحرية.

وقالت سارة ليا ويتسن: أياً تكن الآمال التي حملها السوريون بحقبة جديدة من الانفتاح السياسي في ظل حكم الأسد، فقد تحطمت.
وأشار التقرير إلى أن الأقلية الكردية، والتي تقدر بـ10% من سكان سورية محرومة من حقوقها الأساسية، بما في ذلك الحق في تعلم اللغة الكردية في المدارس أو الاحتفال بالأعياد الكردية، مثل عيد النوروز (رأس السنة الكردية).

الناشط الحقوقيّ السجين مهنّد الحسيني

وأضاف: وازداد القمع الرسمي بحق الأكراد بعد أن أقام الأكراد السوريون تظاهرات واسعة النطاق، تحول بعضها إلى أعمال عنف، في جميع أنحاء شمال سوريا في مارس/ آذار 2004 للتعبير عن المظالم التي استمرت زمنا طويلاً. على الرغم من وعود الأسد، فإن قرابة 300 ألف كردي مجردين من الجنسية لا يزالون بانتظار أن تحل الحكومة السورية معضلتهم عبر منحهم المواطنة.

وأشار التقرير إلى أن الأسد في مقابلاته وخطاباته العامة، برر الافتقار لإصلاحات سياسية إما بالقول إن أولوياته هي الإصلاح الاقتصادي، أو بالقول إن الظروف الإقليمية تعارضت مع برنامجه الإصلاحي. ومع ذلك، فإن استعراض سجل سوريا يبين سياسة متسقة من قمع المعارضة بغض النظر عن الضغوط الدولية أو الإقليمية على سوريا.

ويستأنف الرئيس السوري بشار الأسد الذي يحتفل في 17 تموز/يوليو بمرور عقد على توليه السلطة، الحوار مع الدول الغربية بتقديم تنازلات في ملف لبنان حيث مارست سوريا نفوذا كبيرا لثلاثة عقود، بحسب المحللين.

وهذا ما سمح لسوريا باستعادة مكانتها على الساحة الدولية كما تبين من استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس السوري في باريس في 2008. كما بدأت العلاقات مع الولايات المتحدة بالتحسن مع تولي الرئيس باراك اوباما السلطة.

ويؤكد بول سالم مدير مركز كارنيغي للشرق الاوسط ان quot;العزلة انفكت الى حد كبيرquot;. لكنه اضاف انه ما زال هناكquot; شيء من الحذرquot; في التعاطي مع سوريا لدى البعض نظرا إلى علاقاتها القوية مع ايران والحركات الاسلامية كحزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية.

وجدد الرئيس الديمقراطي اوباما العقوبات المفروضة على سوريا منذ 2004 متهما اياها بدعم منظمات quot;ارهابيةquot; . ولم يتول السفير الجديد روبرت فورد الذي عينه اوباما، مهامه في دمشق لان المعارضة من الحزب الجمهوري تعيق الموافقة على هذا التعيين.

واعتبر سالم ان لبنان يعطي quot;دورا اقليمياquot; لسوريا التي ما زالت تمارس فيه quot;نفوذا كبيراquot; عبر حلفائها اللبنانيين كحزب الله والمسيحي ميشال عون وحزب البعث. وفي الوقت نفسه استقبل الاسد في دمشق لمرتين منذ كانون الاول/ديسمبر رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الذي كان اتهم دمشق بالوقوف وراء اغتيال والده رفيق الحريري في 2005.

التحالف السوري - الإيراني يثير تحفظات واشنطن وجيران سوريا

كما يقيم الاسد تعاونا وثيقا مع ايران متجاهلا الدعوات الغربية الى الابتعاد عنها وباشر بالانفتاح على تركيا. وقال سالم ان بشار الاسد quot;نجح في رسم سياسة وسطية لسوريا تناسب سوريا ليست كليا في الخندق الايراني للرئيس احمدي نجادquot;
وقد بدأ في ايار/مايو 2008 محادثات غير مباشرة مع اسرائيل حول هضبة الجولان بوساطة تركية ويرغب بالنهاية في التوصل الى مفاوضات مباشرة. واكد المحلل رياض قهوجي مدير مؤسسة الشرق الادنى والخليج للتحليل الامني ان quot;سوريا قطعت شوطا في خروجها من العزلة لكن الخروج التام لم يتحقق بعدquot;.

ورأى قهوجي المقيم في دبي انه ما زال هناك الكثير لفعله لتعزيز انفتاح سوريا التي quot;لم تخرج بعد من عين العاصفةquot;. وتابع ان quot;المنطقة تعمها الضبابية وتسود فيها اجواء الحرب والتوتر وهناك تساؤلات عن موقع سوريا في حال تعرضت ايران الى ضربة جوية (من قبل الولايات المتحدة او اسرائيل) المتهمة برغبتها في حيازة ترسانة نووية عسكرية.
وتساءل قهوجي quot;هل سوريا حليف استراتيجي متقدم لايران وهل ستكون جزءا من الحرب مع ايران او هل ستستطيع القيادة تجنيب سوريا اي حرب مستقبلية؟quot;. وسلط قهوجي الضوء على التصريحات الاميركية الاسرائيلية حول تزويد ايران لسوريا بمنظومة رادار لرصد هجوم اسرائيلي محتمل على مواقع ايران النووية.

واعتبر قهوجي ان هذا quot;يعني ان اول اهداف اي حرب مستقبلية ضد ايران سيكون الرادار واول ضربة يمكن ان توجه ضد سورياquot;. وتابع ان quot;محاولة اتهام سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود هو quot;مسعى لتوريط سورياquot;. ويعرب المسؤولون السوريون عن خيبة املهم من تحقيق السلام في الشرق الاوسط برعاية اميركية.

وقال الاسد في ختام زيارته الى بوينس ايرس اوائل تموز/يوليو quot;عندما لا نحصل على نتائج، نكون ضعفاءquot;. واضاف ان quot;تجربتنا مع الولايات المتحدة هي ان هؤلاء عاجزون عن ادارة عملية سلام من البداية الى النهايةquot;. وعلى الصعيد الداخلي اعتبر سالم ان quot;الامال بالانفتاح وتوسيع الحريات التي عقدت في اوائل عهد بشار لم تتمquot; مع اعتقال عدة معارضين بارزين.