أثار قرار الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; بإقالة قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال وتعيين الجنرال ديفيد بترايوس قائدًا للقوات الأميركية هناك، العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الحرب الأميركية على أفغانستان.

واشنطن: في هذا السياق طرحت وسائل الإعلام الأميركية العديد من التساؤلات من قبيل: ماهية التغييرات التي يُمكن أن يدخلها القائد الجديد على الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان؟، وهل ستؤدي هذه التغييرات لتحقيق النصر أم العكس؟، وهل ستنعكس خبرة بترايوس في قيادة العمليات العسكرية في العراق واستراتيجيته التي حققت نجاحات نسبية في العراق على التحرك الأميركي في أفغانستان والأوضاع الأفغانية؟، وكيفية العلاقة بين القائد العسكري الجديد والمسئولين عن الجهود المدنية في البلاد مثل المبعوث الأميركي لأفغانستان ريتشارد هولبروك والسفير الأميركي في أفغانستان كارل إكنبري والرئيس الأفغاني حميد كرزاي؟، وهل يمكن أن يبدأ الانسحاب الأميركي من أفغانستان بحلول صيف 2011 طبقًا للموعد الذي حدده أوباما في السابق؟.

بترايوس: هل من تغيير في استراتيجية الحرب؟!

أعدت جاكي نورثمان تقريرًا لبرنامج ndash; الذي يذاع على راديو NPR تحت عنوان quot;أفغانستان تختبر استراتيجية بترايوس لقمع التمردquot; أكدت فيه أن قرار الرئيس الأميركي بترشيح الجنرال ديفيد بترايوس لتولي مهمة قيادة القوات الأميركية في أفغانستان يأتي في لحظة حرجة للغاية، حيث يُعتبر شهر يونيو من أكثر الأشهر دموية بالنسبة لقوات التحالف الدولي هناك، لاسيما في الوقت ما يزال فيه الجدل حول مستقبل الحرب محتدم، خاصة فيما يتعلق بما إذا كانت الاستراتيجية الجديدة للحرب - التي أعلنها أوباما في ديسمبر الماضي (2009) - سوف تسهم في تحقيق النصر أم لا؟

وأشار التقرير إلى أن جلسات الاستماع التي عُقدت بمجلس الشيوخ للجنرال بترايوس تُوضح مدى التوقعات الكبيرة لدى أعضاء الكونجرس مرتبطة بما يمكن أن يحقق القائد الجديد للقوات الأميركية، والتي يأتي على رأسها العمل على تحقيق الأهداف الأميركية من هذه الحرب وإعادة الاستقرار المفقود.

وعلى صعيد آخر، أكد التقرير أن اختيار الجنرال بترايوس لتلك المهمة يفتح الباب واسعًا لإحداث تحولات جذرية في استراتيجية الأميركية في أفغانستان خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الضوء الأخضر الذي أعطاه وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس للقائد الجديد بالتفكير الجدي في الاستراتيجية العسكرية المطبقة، وتقييم مدى مساهمتها في تحقيق الأهداف الأميركية في أفغانستان.

ويضيف التقرير أن لكل استراتيجية ثلاث مكونات مهمة وهى: الأهداف، والموارد المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، وعامل الزمن اللازم لتحقيق الأهداف. وفي سياق استراتيجية الحرب في أفغانستان يلفت التقرير النظر إلى أن عامل الزمن من أهم هذه العوامل، والتي يجب على المسئولين الأميركيين وضعها في الاعتبار لأهميتها القصوى.

وعلى صعيد مختلف، لفت التقرير النظر إلى الكتاب الذي كان قد أعده الجنرال بترايوس عن عمليات قمع التمرد، والذي كان بمثابة المرجع الأساسي له في الاستراتيجية التي اتبعها في العراق، والتي أظهرت نجاحًا نسبيًّا في تنفيذ الخطط العسكرية في العراق، والذي أضحى فيما بعد مرجعًا مهما للجيش الأميركي بهذا الخصوص. وقد اعتمد على هذا الكتاب ـ أيضًا ـ الجنرال ماك كريستال في إدارته للعمليات العسكرية في أفغانستان.

وانطلاقًا من هذه الخبرة أشار التقرير لتصريح الجنرال بترايوس الذي أكد فيه أنه في حال إقرار تعيينه من جانب مجلس الشيوخ فإنه سوف يقوم بتغيير قواعد التدخل الأميركي في الحرب الأفغانية، من خلال تنظيم عمليات إطلاق النار والغارات الجوية، والتي أوقعت الكثير من الخسائر في صفوف المدنيين، وهو الأمر الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الاتجاهات المعادية لقوات التحالف، ويدفع السكان المحليين إلى دعم المتمردين وتقديم الملاذ الآمن لهم، إلا أن التقرير أكد أن بترايوس لم يشر إلى تغييرات أخرى جذرية يمكن أن يقوم بها في استراتيجية الحرب الأفغانية.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن الطريق ليس ممهدًا تمامًا أمام القائد الجديد، فهناك العديد من التحديات في انتظاره وتتطلب تدخلاً سريعًا وفعالاً من أجل مواجهتها، يأتي على رأسها الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في البلاد في سبتمبر القادم، والمراجعة الدورية المفترض القيام بها لتقييم مدى التقدم الحادث في العمليات العسكرية هناك في شهر ديسمبر ، كما أنه بحلول يوليو 2011 سيكون قد حان الموعد الذي كان قد حدده الرئيس أوباما لبداية الانسحاب الأميركي من أفغانستان. هذه التحديات جعلت كثيرين من المحيطين بالرئيس، حتى إن أولئك المؤيدين لاستراتيجيته الجديدة، قلقون من عامل الوقت، على اعتبار أنه لن يكون كافيًا أمام الجهود الأميركية لإنجاز حتى نصف الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها خلال الفترة القادمة.

نحو استراتيجية فعالة في أفغانستان

وفي سياق تناول مستقبل الاستراتيجية الأميركية في إدارة الحرب أشار التقرير إلى عدد من الأمور الهامة التي تناولها الضابط المتقاعد أندرو باسفيتش أستاذ التاريخ والشئون الدولية في جامعة بوسطن، والذي أكد أن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان غير فعالة على الإطلاق وأن الأمر في حاجة إلى إدخال تغييرات جذرية عليها، وليس فقط مجرد تغيير القادة. وأضاف متسائلاً لماذا تستمر الولايات المتحدة في إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان وتخصيص مزيد من الأموال لهذه الحرب؟. معتبرًا أن تواجدًا عسكريًّا أقل في أفغانستان هو الاستراتيجية الأفضل هناك.

ويضيف أن الاستراتيجية الفعالة لقمع التمرد في أفغانستان يجب أن تقوم على ركيزتين أساسيتين، الأولى شبكة شاملة من الدعم المخابراتي والتحليل الدقيق لكل ما هو متوافر من معلومات، أما الركيزة الثانية تقوم على ما أسماه quot;القدرة على الهجومquot;، بحيث تكون القوات الأميركية قادرة على مهاجمة الجهاديين الذين يثبت انخراطهم في أعمال عدائية ضد القوات الأميركية في البلاد، أو قيامهم بأعمال غير مقبولة أميركيًّا، على أن تتكون هذه القدرة الهجومية من منصات إطلاق جوية بالإضافة إلى قوات العمليات الخاصة.

كيف تنجح أميركا في اختبار أفغانستان؟

أما كريس والاس فقد استضاف في برنامجه الأسبوعي الذي يذاع على شبكة فوكس نيوز - السيناتور الديمقراطي دياني فينستاين والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام.

وحين سئل عن أهم التغييرات المطلوبة من أجل تحقيق النصر في أفغانستان، أكد السيناتور فينستاين أن حركة طالبان ما تزال مسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي الأفغانية، كما أن حوالي 90% من تجارة الهيروين والمخدرات في العالم تأتي من أفغانستان.

ومن أجل تحقيق نجاحات في هذه الحرب فإن على القوات الدولية أن تقوم بنقل العمليات العسكرية الرئيسة إلى جنوب البلاد، حيث ما تزال قوات حركة طالبات تتمتع بنفوذ كبير وتسيطر على هذه المناطق، وعلى الولايات المتحدة أن تتعامل مع مشكلة ضعف الحكومة المركزية والعمل على إرساء دعائم الاستقرار في أركان هذه الحكومة. بالإضافة إلى ذلك لابد من تدريب القوات المسلحة الأفغانية وقوات الشرطة، من أجل أن تكون قادرة على تولي المسئوليات الأمنية في البلاد.

وعن توقعاته بشأن نجاح الجنرال بترايوس في أحداث التغييرات المطلوبة في استراتيجية الحرب الأفغانية، أشار السيناتور جراهام إلى أنه يتوقع أن يقوم الجنرال الجديد بتغيير قواعد التدخل وإدارة العمليات العسكرية من جانب القوات الأميركية، ولكن الهاجس الأكبر والذي يؤرق الجميع على الساحة السياسية الأميركية هو ما يتعلق بالجهود المدنية في البلاد ومدى التغيير الذي يمكن أن يحدث على هذا الصعيد المهم؛ لأن العلاقة بين الجهود المدنية والعسكرية في أفغانستان تشهد خللاً كبيرًا، هذا الخلل لابد من إصلاحه إذا أرادت الولايات المتحدة قمع التمرد وتحقيق النصر، ولفت السيناتور الانتباه إلى عامل آخر على درجة كبيرة من الأهمية من وجهة نظره، وهو العلاقة بين المبعوث الأميركي في أفغانستان ريتشارد هولبروك والسفير الأميركي كارل إكنبري والرئيس الأفغاني كرزاي من جهة، والجنرال الجديد من جهة أخرى.

ومما لاشك فيه أن التنسيق بين هؤلاء جميعًا سوف يكون عاملاً مهما في نجاح الاستراتيجية الأميركية، ويضيف أيضًا أن عملية بداية الانسحاب في يوليو القادم بعد عام من الآن يمكن أن تقوض أي جهود لإعادة الاستقرار وتحقيق النصر في هذه الحرب، لأنه إذا كانت الولايات المتحدة تعمل في الوقت الحالي على تحقيق نجاحات في أفغانستان، فإن التمسك بالوعود التي قطعها أوباما على نفسه فيما يتعلق بالانسحاب مهما كانت الظروف والأحوال، سوف يؤثر كثيرًا على ما يمكن أن يحققه الجنرال بترايوس أو أي مسئول هناك سواء أكان أميركيًّا أم أفغانيًّا.