يرى الإعلامي العربي نهاد إسماعيل أن وجود 620 محطة فضائيّة عربيّة لم ينتج غير فوضى وهزال يمتلك معظمها ويديرها أشخاص لا يدركون معنى المسؤولية والمصلحة العامة فتولّد إعلامًا هابط المستوى بعضه يخضع لرحمة الحكومات أو الاحزاب أو المصالح التجارية أو المؤسسات العقائدية لكنه يستدرك فيقر بوجود محطات اخبارية مسؤولة ولكن عددها قليل يتراوح بين 10 و 15 محطة تعتبر جادة تطرح وتعالج قضايا الأمة.
ويضيف إسماعيل الذي عرف ببرامجه الاقتصادية والسياسية في العديد من القنوات العربية في حوار مع quot;ايلافquot; عن البث الفضائي العربي ان ابواب الإعلام انفتحت على مصراعيها وحتى الدول الدكتاتورية لم تعد قادرة على منع المواطن العربي من التقاط عدد كبير من المحطات.. ويدعو العرب الى استغلال التطور التكنولوجي المتسارع في مجالات الاتصال بحيث يكون هناك تكامل ما بين التلفاز والانترنت والنقال اي التفاعلية بين الإعلام والمشاهد.. وهنا ما جاء في الحوار:
كيف تصف الجو الإعلامي الفضائي الحالي بشكل عام؟
من المؤسف ان ابدأ الاجابة بالقول ان الساحة الإعلامية الفضائية العربية يعمها الفوضى والهزلية والازدحام. آخر الاحصاءات تشير إلى ان هناك أكثر من 620 محطة فضائية ولا يمر يوم او اسبوع دون ان نسمع عن ظهور محطة فضائية جديدة وعدد كبير منها يمتلكها ويديرها اشخاص لا يفهمون معنى المسؤولية والمصلحة العامة. ليس من المبالغة القول إنها تتوالد مثل الارانب والنتيجة إعلام هابط المستوى بعضه يخضع لرحمة الحكومات او الاحزاب او مصالح تجارية او مؤسسات عقائدية دينية.
اذا كنت بسؤالك تشير الى الإعلام الفضائي بالتحديد اقول لك ان الساحة مكتظة ومزدحمة. وربما عدد هائل من هذه المحطات تخدم اجندات معينة ضيقة لا تؤدي خدمة عامة للمشاهد فهناك محطات دينية بعضها يبث الفتاوى العشوائية على الهواء مباشرة وبعضها يغسل ادمغة الساذجين. فوضى البرامج الدينية والفتاوي الغريبة وتفسير الاحلام تأتي جميعها في اطار ما يسمى بالانفلات الديني الذي اساء إلى الاسلام والمسلمين. ولا يقتصر الأمر على ذلك فهناك قنوات السحر والشعوذة وقنوات الطب وقنوات لتشجيع الدعارة والهدف هو كسب المال بأي طريقة كانت.
هناك أيضا محطات لقراءة الحظ والبخت ومحطات لابتزاز المال من خلال مسابقات وهمية. وعلى مستوى آخر هناك قنوات سياسية ولكنها تتسم بالطائفية والمذهبية والحزبية وخير مثال على ذلك ساحة الإعلام العراقية.
ألا يعني ذلك اننا بحاجة لنظام رقابة يشرف على الفضائيات وينظم عملها؟
كانت هناك محاولات من الجامعة العربية لوضع ما يسمى ميثاق شرف للإعلام والإعلاميين اي المهنية والمسؤولية وهذه المحاولات فشلت لسببين : الأول لم يأبه لها احد ولم يلتزم بها أحد والثاني رأى الكثيرون انها محاولة لتقييد حرية الإعلام من اي نوع من التدخل البوليسي لصالح الأنظمة.
ولكن ليس كل الإعلام سيئ لهذه الدرجة؟
لم أقل ذلك ولكنني وصفت لك الناحية السلبية الفوضوية. لا شك ان هناك عددا كبيرا من المحطات الرياضية والموسيقية ومحطات افلام ودراما عربية ودراما مستوردة تلبي حاجة في السوق. وهناك محطات اخبارية مسؤولة ولكن عددها قليل ربما ما لا يزيد عن 10 محطات أو 15 محطة تعتبر جادة تطرح وتعالج قضايا الأمة مثل العربية والجزيرة والاي ان ان (شبكة الاخبار العربيةANN ) والحوار و ايه ن بي ANB ونيو تي في و ال بي سي اللبنانيتين هذا ناهيك عن البي بي سي الناطقة باللغة العربية ومحطة الاخبارية السعودية وغيرها. وهناك مشاريع لمحطة سعودية اخبارية جديدة وفضائية اخبارية ناطقة بالعربية لشركة بي سكاي بي العملاقة.
ألا تعتقد ان الفضائيات ساهمت في التوعية وزرع بذور الديمقراطية في المنطقة العربية؟
لسنوات طويلة قبل ظهور الفضائيات خضع الإعلام لسيطرة الدولة والرقيب وتمت تغذية المشاهد بالوجبات التي تطبخها الحكومات ولم يكن هناك خيار امام المشاهد او المستمع او القارئ سوى تناول ما يتم تقديمه له. ولكن هذا لم يعد ممكنا الان حيث انكسرت الحواجز وانفتحت ابواب الإعلام على مصراعيها وحتى الدول الدكتاتورية لم تعد قادرة على منع المواطن العربي من التقاط عدد كبير من المحطات. اضف الى ذلك ثورة المعلومات التي نتج منها انتشار الشبكة العنكبوتية والتي أعطت المواطن الفرصة ان يحصل على المعلومة في ثوانٍ معدودة. هذا رغم ان بعض الانظمة تحجب المواقع واحيانا تحاول التشويش على البث الفضائي الا ان كل هذه المحاولات في نهاية المطاف تبوء بالفشل.
البرامج الحوارية تسمح للمشاهد بسماع اراء مختلفة وبعض البرامج تسمح للمشاهد بالمشاركة برأيه ومن هذا المنطلق يمكن القول ان الفضائيات المسؤولة عززت مفهوم حرية الرأي والإعلام. وما لا شك فيه ان الفضائيات ساهمت في فتح آفاق جديدة امام المشاهد العربي حيث ارتفعت سقوف حرية التعبير وفتح مواضيع اعتبرت محرمة وخطا أحمر حتى نهاية القرن الماضي. ولا بد من الاشارة الى تطور سلبي يسعى لكتم الاصوات وتقييد حرية التعبير من قبل بعض الاصوليين سواء بصفة شخصية او باسم مؤسسات دينية.
ولكن كيف تصف مستقبل الإعلام العربي؟
يمكن الاجابة على هذا السؤال بنقاط ثلاث وباختصار شديد:
اولا: علينا ان نعي أن الإعلام هو توصيل رسالة للمستهلك. قد تكون هذه الرسالة سياسية او ثقافية او ترفيهية او دينية او غير ذلك. توصيل الرسالة للمستهلك الذي قد يكون مشاهدا او قارئا او مستمعا يحتاج الى وسيلة مناسبة. هذه الوسيلة قد تكون البث الفضائي التلفزيوني او المذياع ( الراديو) او الصحافة او الانترنت وحتى الهاتف النقال او اي مزيج منها. في السنوات الاخيرة رأينا اهتماما إعلاميا دوليا كبيرا في المنطقة العربية حيث رأينا ظهور محطات تبث باللغة العربية من واشنطن ولندن وموسكو وباريس وانقرة وطهران وبكين. فالإعلام قد يمكن وصفه في بعض الحالات ذراعا للسياسات الخارجية لبعض الدول. ونظرا لأهمية الإعلام في تحريك وتوجيه الرأي العام لاحظنا أيضا في السنوات الأخيرة ان الاستثمارات في هذا الميدان وصلت الى مليارات الدولارات. وهناك مشاريع إعلامية متعددة في حيز التخطيط ورغم الانفاق الهائل والتكلفة الباهظة الا ان الاستثمار في هذا القطاع سيستمر.
ثانيا: اذا ادركنا ان 65% من الشعب العربي دون سن ال35 عاما فالرسالة الإعلامية يجب ان تلبي احتياجات هذه الفئة المهمة في المجتمع. ومن التطورات التي لوحظت في العامين الماضيين ان هناك نفورا من البرامج الثقيلة الخطابية والحوارات الساخنة التي تتميز بالاثارة المصطنعة. وتشير الدراسات إلى ان الشباب يفضلون الاخبار الناعمة الخفيفة وحوارات مع شخصيات تحظى باعجاب الشباب
Light news and talk-shows وبرامج غنائية وشبابية كالذي تقدمه م تي في MTV وقنوات روتانا و ام بي سي.
ثالثا: بزوغ ظاهرة ما يسمى الإعلام المتعدد الادوات والاذرع واهمية التنسيق والتكامل في ما بينها (Multi-media co-ordination and integration) والتطور التكنولوجي المتسارع في مجالات الاتصال فتح المجال امام الإعلام ان يستغل هذا التطور باستخدام ما يسمى بالتكاملية والتفاعلية اي يجب ان يكون هناك تكامل ما بين التلفاز والانترنت والنقال اي التفاعلية بين الإعلام والمشاهد. Interactivity and integration of multi-media tools.
لماذا الاهتمام العالمي بالمشاهد العربي؟
الشرق الأوسط منطقة غنية بالموارد النفطية وتعتبر من اشد مناطق العالم سخونة وتوترا وتكتلات وتحالفات سياسية حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بين دول المنطقة ودول العالم الكبرى. لذا نرى على الساحة العديد من المحطات الناطقة باللغة العربية وكلها تتنافس لاستقطاب المشاهد العربي. خذ مثلا قناة الحرة الممولة اميركيا والتي تبث من فرجينيا قرب واشنطن. هناك اعتقاد سائد انها لم تحقق الاختراق المطلوب رغم الانفاق السنوي الذي يزيد عن 100 مليون دولار. وصفها البعض بآلة علاقات عامة باهظة التكاليف. ولكن البي بي سي العربية كانت اوفر حظا من الحرة في استقطاب المشاهدين العرب وبانفاق سنوي لا يزيد عن 32 مليون جنيه استرليني.
ورأينا فرانس 24 الفرنسية وروسيا اليوم من موسكو ومؤخرا انضمت تركيا والصين إلى البث العربي وهناك مشروع للعملاقة بي سكاي بي BSky B البريطانية لمحطة اخبارية ناطقة بالعربية. المنطقة العربية جذابة اقتصاديا أيضا كسوق ضخمة استهلاكية حيث ان ثلثي السكان من الشباب ومع النمو الاقتصادي لا سيما في الخليج يشجع بعض الشركات الخاصة على تأسيس فضائيات لجذب المشاهدين العرب ذوي القدرة على الانفاق. في هذه السوق المزدحمة لكي تنجح وتستقطب المشاهدين يجب ان يكون لديك برامج مميزة وكوادر قادرة على جذب المشاهدين.
من هم اللاعبون الأكثر تأثيرا على المجتمعات العربية أعني بذلك إعلاميا وبالتحديد فضائيا؟
للاجابة على هذا السؤال يتعين علينا ان نقسم العالم العربي جغرافيا واذا فعلنا ذلك نجد ان هناك لاعبين رئيسين هما مصر والسعودية.
لنبدأ بمصر كونها أكبر دولة عربيا ديمغرافيا يتواجد فيها أكبر عدد من المشاهدين. من البرامج الناجحة التي تحظى باعداد كبيرة من المشاهدين هي برامج الحوارات الخفيفة والمعروفة باسمها الانكليزي: Talk and chat show ومن البرامج الناجحة 90 دقيقة على قناة المحور الخاصة وبرنامج صبايا الذي يعالج قضايا المرأة والأسرى. وكذلك البيت بيتك على القناة الأولى الرسمية.
وقنوات الدراما 1 و 2 واوسكار دراما الذي يحظى بشعبية كبيرة في صفوف النساء بينما يتابع الرجال قنوات الرياضة وكرة القدم على الأخص. هنالك ايضا قنوات للافلام مثل النيل وبانوراما وروتانا ويمكن التقاط هذه القنوات مجانيا بينما اوربت وآيه آر تي تبقيان مشفرتين. ولا نستطيع ان نتجاهل مجموعة قنوات دريم التي اطلقها رجل الأعمال المصري احمد بهجت. ومنها دريم 1 التي تعرض منوعات وفقرات نسائية ودريم 2 للبرامج السياسية والاخبارية والمسلسلات ودريم سبورت الرياضية.
المملكة العربية السعودية: شهد الإعلام الفضائي السعودي طفرة كبيرة في السنوات القليلة الماضية. ويمكن تقسيم المشهد الفضائي السعودي الى ثلاث مجموعات فاعلة ذات تأثير كبير سعوديا وعربيا.
اولا: ام بي سي MBC عندما اطلقها الشيخ الوليد الابراهيمي كانت ام بي سي اول فضائية عربية عامة تغطي العالم العربي. تم تأسيسها في لندن عام 1991 وبعد ذلك اطلقت ام بي سي 2 عام 2003 لعرض الافلام الاجنبية والمسلسلات. وفي عام 2004 اطلقت ام بي سي 3 وفي عام 2005 اطلقت ام بي سي 4 التي تعرض برامج اجنبية وايضا ام بي سي أكشن MBC Action الموجهة للشباب.
والتطور الأكبر هو في مارس آذار 2003 اطلقت مجموعة ام بي سي محطة العربية الاخبارية لتكسر احتكار الجزيرة الاخبارية. وتتميز العربية بالتركيز على اخبار الأعمال والبزنس واضافة للاخبار الرسمية العربية والعالمية تعرض القناة مواد اخبارية خفيفة شيقة.
ثانيا: مجموعة روتانا.. ابتدأت اواخر الثمانينات بانتاج اسطوانات الموسيقى والغناء ومع بداية الألفية الثالثة تحولت روتانا التي اطلقها الأمير الوليد بن طلال الى امبراطورية إعلامية. وتشمل المجموعة قنوات موسيقى وافلام مثل قناة روتانا سينما وروتانا زمان وروتانا موسيقى وروتانا طرب وروتانا خليجية. ومن المهم ان اذكر هنا ان شركة نيوز كوربوريشن العالمية التابعة لروبرت ميردوخ حازت 9% من روتانا. وهناك ايضا تحالف إعلامي استراتيجي بين مجموعة فوكس الدولية وروتانا.
ثالثا: آيه آر تي ART Groupاطلقها رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح عبدالله كامل عام 1993.
وتشمل قنوات للافلام والمنوعات والموسيقى والرياضة وتم بيع معظم قنوات الرياضة للجزيرة.
كيف تغيرت الصورة الإعلامية الآن مما كانت عليه في السنوات العشر الأخيرة؟
علينا ان نأخذ في الاعتبار العولمة والتطور التكنولوجي.. وأهم تطور هو ظهور ما يسمى مولتي ميديا Multi-media والتفاعلية interactivity وكذلك التكاملية integration بين الوسائل الإعلامية المختلفة. وكذلك ازدياد شعبية ما يسمى المواد الناعمة الخفيفة على حساب المواد الثقيلة مثل الحوارات التي تتسم بالصراخ والشتائم والاثارة المفتعلة وذات الفائدة المحدودة والتي باتت مزعجة للمشاهد. ومن ناحية اخرى حققت المحطات المحلية مكاسب على حساب المحطات الموجهة لكل العالم العربي.
وكلمة أخيرة لا يمكن تجاهل العنصر الشبابي الذي يمثل أكثر من ثلثي المجتمع وهذا العنصر يريد مشاهدة مواد يستمتع بها ويستجيب لها ومواد تستفزه وتثير اهتمامه وتعالج قضاياه ومشاكله. زمن الإعلام الخطابي الحكومي الشعاراتي الثقيل قد انتهى.
* بدأ ظهور نهاد أسماعيل الإعلامي قبل عشر سنوات كضيف في محطات عربية مختلفة ونظرا لخلفيته النفطية حيث عملت 15 سنة في شركة نفطية دولية كان يظهر ضيفا في المجال النفطي والاقتصادي في محطات مختلفة مثل الايه ن ن والكويتية والجزيرة. وبعد احداث 11 ايلول 2001 شارك في برامج سياسية على محطات المستقلة والايه ن ن والحوار وكضيف على محطة الحرة الفضائية و الجزيرة الناطقة باللغة الانكليزية وفي محطة برس تي في Press TV الايرانية العاملة في لندن الناطقة باللغة الانكليزية اضافة الى مقابلات لقنوات الاخبارية السعودية وروسيا اليوم وغيرها.. ولفترة عام 2004/2005 عمل في قسم الاقتصاد والأعمال في صحيفة الشرق الأوسط حيث ظهرت مقالاته ايضا في القدس العربي وايلاف الألكترونية وظهرت المقالات في مواقع اميركية وبريطانية واردنية. ومنذ عام 2005 حتى 2010 يقدم برنامجا سياسيا على محطة أي أن أن من مقرها الرئيس في لندن.
التعليقات