قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن حضور الرئيس مبارك إلى واشنطن الأسبوع الماضي لإطلاق محادثات السلام المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومعه نجله الأصغر جمال مبارك عزز من اعتقادات شائعة على نطاق واسع حول تخطيط مبارك لتوريث السلطة.

القاهرة: قال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في تقرير لديفيد شينكر زميل أوفزين ومدير برنامج السياسات العربية أن الرئيس مبارك قام بزيارة طويلة في آذار / مارس إلى مستشفى المنى خضع خلالها لعملية جراحية لاستئصال الحوصلة المرارية وورم حميد في الإثنى عشر ، بيد أن تقارير تعاقبت بعد إجرائه للجراحة من انه يعانى من سرطان البنكرياس , ولم تنجح الصور التي التقطت له في الفترة الأخيرة في حالة هزيلة في تبديد هذه الشائعات.

وأوضح شينكر أن رحيل الرئيس مبارك من على الساحة السياسية سيكتب نهاية حقبة، وسيكون نقطة فاصلة في مكانة مصر الإقليمية، مشيرا إلى أن القاهرة كانت قبل خمسين عاما في ظل الرئيس جمال عبد الناصر تملك القوة السياسية والعسكرية بلا منازع في الشرق الأوسط، وكانت خطب عبد الناصر تحشد الجماهير، وأطاح جيشه بحكومات أجنبية.

لكن مصر اليوم التي كانت محل احترام ومهابة، وفقا لشينكر، لم تعد سوى ظلال نفسها السابقة، مضيفا أن الرئيس مبارك يبدو متعبا ومريضا. وبينما تواجه القاهرة تحديات عميقة في الداخل وأول انتقال سياسي في ثلاثة عقود تقريبا ، تراجعت دورها الإقليمي إلى حد كبير لتركيزها على المسائل الداخلية.

لكنه استدرك قائلا quot;ان هناك بعض النقاط المضيئة التى شهدتها القاهرة في السنوات الأخيرة مثل نمو اجمالى الناتج المحلي بما يقرب من 7 في المائة سنويا، فضلا عن تسجيلها أرقاما مثيرة للإعجاب خلال الأزمة الاقتصادية العالمية quot;.

وأضاف أن دبلوماسية القاهرة، التي كانت طالما نافذة وواسعة التأثير، أثبتت أنها تعانى من فقر الدم وخاصة مع جيرانها الفلسطينيين، مشيرة إلى أن المسئولين المصريين على سبيل المثال صرحوا بأنهم quot;لن يقبلوا بإقامة إمارة إسلاميةquot; في غزة.

وحاولت القاهرة على مدى السنوات الثلاث الماضية التوسط بين السلطة الفلسطينية وحماس لمنع هذه النتيجة، لكن دون جدوى.

بيد أن افتقار مصر لتأثيرها على الفلسطينيين كان غير متخيلا قبل سنوات، مشيرا على سبيل المثال أن الرئيس الفلسطيني عندما رفض التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1995 أقنعه الرئيس مبارك بما يشبه الأمر بالتوقيع على الاتفاقية.

وأضاف أن نهج القاهرة نحو التقسيم الوشيك لجارتها الجنوبية السودان اثبت انه غير فاعلا، فبالرغم من أنها أعربت عن عدم رغبتها علنا في إقامة إمارة إسلامية في غزة ، إلا أنها تبدو غير مبالية لاحتمال مماثل في الخرطوم. وتبدو متناقضة حول التقسيم الوشيك لجارتها الجنوبية.

ومضى شينكر قائلا أن أبرز مثال على تراجع مكانة مصر هو مخاوفها من عدم حصولها على مياه النيل، شريان الحياة لمصر، الذي يوفر لمصر جميع احتياجاتها تقريبا من المياه . فبموجب اتفاق في عام 1929 ، تحصل مصر على ما يقرب من 70 في المائة من مياه النهر وحق الفيتو على اى مشاريع تقام في الدول المتشاطئة.

وبدأت دول المنبع في الآونة الأخيرة تدعو إلى توزيع أكثر إنصافا لمياه النهر . ووقعت عدد من الدول على اتفاق اطارى جديد لتقاسم مياه النهر فى عنتيبى الأوغندية دون مصر و السودان .

وأضاف أن القاهرة لا يمكنها إقناع أو إرهاب الدول الأعضاء في مبادرة حوض النيل إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا عن مواصلة الاتفاق الإطارى ما يدل دلالة واضحة على تراجع مكانة مصر في أفريقيا.

ومع توقع زيادة السكان إلى 100 مليون بحلول عام 2025 ستشكل المياه أيضا كعبا أخيل أخر للدولة التي أطلق المؤرخ اليوناني هيرودوت عليها يوما quot;هبة النيلquot;،وفقا لقوله.

وبينما تبدو هذه أنباء غير طيبة لمصر كما يقول شينكر، إلا انه بالنسبة لواشنطن، التي تعتمد على مصر كشريك رئيسى منذ عام 1978 فان إضعاف مصر سيمثل آخر ضربة لبنية الأمن الإقليمي الأميركي الهش بالفعل.


فمع تحرك أنقرة بعيدا عن تحالفها التقليدي مع واشنطن وتقوقع القاهرة نحو الداخل، فإن إدارة أوباما اليوم تفتقد الآن لشركاء مسلمين من أصحاب القوة العسكرية الهائلة يساعدونها في مواجهة التهديد الذي تشكله طهران.

لكن تأثير التراجع المتزايد للقاهرة يتجاوز الأزمة مع إيران، بحسب شينكر، مضيفا أن مصر عندما كانت قوية فقد ساعدت قوتها على الإقناع واشنطن على تعزيز سياسات قضايا المحور المعتدل الاقليمى والسلام مع إسرائيل، ومصر لم تعد قادرة على لعب هذا الدور الآن، ولذلك سيكون من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة تحقيق العديد من الأهداف في سياستها في الشرق الأوسط.
ونصح قائلا quot; لذلك يجب على واشنطن أن تتحرك لأن إضعاف مصر سيشكل مثالا آخر على تراجع القوة الأمريكية في المنطقةquot;.